أخبار

اللاجئون السوريون والخطاب الإعلامي: هكذا يدسّ السم بالعسل

أنس كردي

بدأت القصة من حادثة غرق الطفل السوري إيلان عبد الله شنو، في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2015، وحيداً ممداً على بطنه على رمال شاطئ بودروم جنوب غرب تركيا.

تهزّ صورة الطفل الإعلام الغربي، ومعه العربي تباعاً، أخبار وتقارير وتغطيات على رأس الساعة، ما الذي يحدث؟ لماذا كل هذا الضجيج، ولما كل هذا الصراخ؟ ما الذي كان غائباً وحضر؟ فقد شهد اللجوء السوري بشكل خاص حوادث غرق مأساوية بعد الثورة السورية، ناهيك عن غرق لاجئي الدول الإفريقية المستمر قبل سنوات وسنوات. فقبل عام فقط من غرق الطفل إيلان، (2014)، كان هناك أكثر من 3500 مهاجر غرقوا في البحر، حسب المنظمة الدولية للهجرة، هل طريقة الموت من تغيرت إذا، هل كان يجب على اللاجئين أن يموتوا بنمط مختلف حتى تستيقظ وسائل الإعلام مرة واحدة؟

أسئلة كثيرة دارات في مخيلتي في ذلك الوقت، كنت حينها في السنة الأولى بقسم الإعلام (ماجستير)، في الأكاديمية العربية في الدانمارك، وأنا لاجئ سوري أقطن في تركيا، وأعمل صحفياً في إحدى الوسائل العربية، كان يمكنني باختصار أن أقوم بإعداد خبر يستغرق دقيقتين أو ثلاث، ثم أتابع في شأن موت سوري آخر، على الجغرافية الحمراء.

لكن الموضوع كان يحتاج إلى شيء أكبر من ذلك، فرغم أن الموت السوري لم يكن يختفي يوماً واحداً، بفعل استخدام النظام السوري لأي شيء يحرق شعبه، إلا أن مأساة اللاجئين السوريين كانت مختلفة من وجهة نظري، خصوصاً أن الموت انتقل من الداخل السوري إلى الخارج، وهو ما يعني مسؤولية الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان، وتتغنى بالحرص على عيشه الكريم.

من هنا، قررت فيما بعد الخوض في رسالة ماجستير في الأكاديمية العربية، وبعدها توسعة ذلك بكتاب حول تناول الإعلام لظاهرة اللجوء، والاتجاه الذي يقوم به نحو القضية، وأساليب الإقناع التي يستخدمها، والجوانب التي يركز عليها بعدما لاحظت فقراً في هذا المجال.

ولكي يكون الطريق واضحاً لدي، حددت ثلاث قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية لمعرفة الدور الذي تقوم به في تشكيل رأي عام حول القضية، وهذه القنوات هي القناة التركية، على اعتبار أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا هو الأكبر ويصل إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون، والقناة الألمانية، باعتبار ألمانيا كانت أكثر من استقبلت لاجئين في العام 2015، بما قارب المليون لاجئ، فيما وقع الاختيار على قناة بي بي سي البريطانية، لكونها تزعم الحيادية بنشر أخبار دقيقة وغير متحيزة، وتعرّف نفسها بأنها أكبر وأقدم خدمة إعلامية باللغة غير الإنجليزية.

بعد جهد فاق العام، بدراسة أكاديمية اعتمدت على الدراسات الوصفية، عبر دراسة واقع هذه القنوات التلفزيونية، والمواقف والآراء والتحليلات الصادرة عنها، لتفسيرها والوصول إلى استنتاجات مفيدة حولها، بالاعتماد على منهج/ أداة تحليل المضمون، وتسجيل عينة من تسعين نشرة في أوقات متباينة، لتشمل كل قناة ثلاثين نشرة على مدار شهر كامل، تفاجأت بما يمكن القول إن الخطاب الإعلامي كان يدسّ سماً في العسل

فعند الملاحظة الأولى، وهو ما حدث معي، خصوصاً لقناة بي بي سي، يعتقد المشاهد، أن الاتجاه العام للقناة نحو قضية اللاجئين السوريين إيجابياً، خصوصاً أن الخطاب كان عقلاني، وأن المفردات لا توحي بأي انحياز.

لكن وعند الانتهاء من الدراسة نجد بعض المفارقات العجيبة، فمثلاً، في فئة تسمى فئة النطاق الجغرافي للخبر في ألمانيا، نجد أن القناة البريطانية بثت أخباراً عن اللاجئين السوريين في ألمانيا، أكثر من القناة الألمانية نفسها، فمن أصل 17 خبراً، بثت القناة البريطانية 9 أخبار بنسبة وصلت إلى 52.9%، في حين أنها اكتفت ببث خبر واحد فقط بنسبة 7.6% في الفئة الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا، مع أن العدد الأكبر من اللاجئين السوريين هو في تركيا.

الأمر لا يقف عند هذا الحد طبعاً، فالاتجاه الذي سيطر على القناة البريطانية في تغطيتها لأخبار اللاجئين ومعها القناة الألمانية كان الاتجاه السلبي، فمن أصل 52 وهو مجموع الأخبار التي بثتها القنوات الثلاث عن اللاجئين، نلحظ خبراً بثت أن القناة الألمانية بثت 11 خبراً، فيما بثت القناة البريطانية، 9 أخبار.

وقد تجلى الاتجاه السلبي في كلتا القناتين، بسبب حديثهما المتكرر عن التصريحات والمخاوف من اللاجئين السوريين، وكذلك، الإرهاب والهواجس الأمنية، وتكرار هذه الأخبار عند الحديث عن اللاجئين يشكل ربطاً بين المتغيرين، وهو ما يعكس صورة عامة عن أن اللاجئين هم من يشكلون الهواجس الأمنية، وهم بالتالي مصدر الإرهاب.

ورغم سخونة التغطية التي حظيت بها حادثة موت الطفل إيلان في ذلك الوقت، غير أن معظم أخبار النشرات جاءت في الثلث الأوسط بالنسبة للقنوات الثلاث، ما يعني أن هذه القضية تبقى غير محورية.

باختصار، ورغم أن إحدى وظائف الإعلام هي الإخبار وهو ما لا غنى عنه، غير أن الوظيفة الأخرى المتعلقة بالتوجيه وتكوين الاتجاهات والمواقف، تتحول إلى الهدف المحوري لوسائل الإعلام، وهذا الأمر بدا استخدامه في قضية اللاجئين السوريين على نحو سلبي، رغم وجود إيجابيات كثيرة لا يمكن إغفالها، لكن تبقى حياة الإنسان أغلى من أي ثمن.

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *