أخبار

رحلة «الفستق الحلبي» بين ميادين القتال والأسواق البعيدة

 

 

 

 

عاشت أشجار الفستق الحلبي تفاصيل الحرب السورية المدمرة، وبقيت على تماس مباشر من المعارك الحالية في ريفي حماة وإدلب. «الذهب الأحمر» ثروة مهدورة عل خطوط المواجهات والموت، يحارب مزارعوها لإبقائها على قيد الحياة.

يمتلك جابر أبو أحمد القاطن في بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، أرضاً زراعية بمساحة 10 دونمات من الفستق الحلبي، حيث يختلفُ موسم إنتاجها من عامٍ لآخر، فيبلغُ إنتاجُ الشجرة الواحدة في موسم حملها 70 كيلو غرام، وفي العام التالي لا يتجاوز إنتاجها 10 كيلو غرامات، لأن طبيعةَ شجرةِ الفستق الحلبي تقوم على عام إنتاج وفير وعام إنتاجٍ قليل.
ويضيفُ أبو أحمد بأن زراعة الفستق الحلبي تحتاج للرعاية والمتابعة، ففي العام الواحد تحتاج إلى ثمان مرات من الحراثة، وستٍ من السقاية المتممة للأمطار، ورش بالمبيدات الحشرية، علماً أن الظروف الحالية أدت إلى تأخر النمو وقلة الإنتاج، بسبب القصفِ وقلة العناية ما أدى لانتشار بعض الأمراض؛ منها “حشرة الكانبودس” المسببة لموت الشجرة بشكلٍ كامل إذا لم يتم القضاء عليها، وتحتاج لمتابعة بعدها لأكثر من عامين. مشيراً إلى أن الأشجارَ في الآونةِ الأخيرة لم تحمل سوى الثمار القليلة في ظل عجزه عن قطافها نتيجة القصف العنيف الذي يطال أرضهُ الزراعية.

ويكمل أبو أحمد: «إنَّ تكلفة 10 دونمات سنوياً من أشجار الفستق الحلبي، تحتاج إلى 920 ألفَ ليرة سورية، ما يعادل 1570$ دولار أمريكي، ثمن حراثة وسقاية وأسمدة ورش مبيدات».

محمد القاسم مزارعٌ من مدينة مورك شمالي حماة، يملك 25 دونماً من أشجار الفستقِ الحلبي، ويعمل في استئجار الأراضي المزروعة بالفستق بشكل سنوي بمعدل 500 دونم، حيث يوضحُ معاناتهُ التي تنطبق على معظم مزارعي مورك، والمتمثلة بصعوبةُ الوصولِ إلى الأرضِ بسبب قصف قواتِ النظام، وقربها من حواجز (معان وعطشان وتل بزام وصوران)، واقتلاع النظام مساحةً تقدرُ بحوالي 5 آلاف دونم مزروعة بأشجارِ الفستق الحلبي؛ مصدرِ الرزق الوحيد لنسبة 90% من أبناء المدينة، ويضيف: «قبل 9 سنوات كان الإنتاج حوالي 40 كيلو من الدونم الواحد بقيمة 40 ألف ليرة سورية، وتكاليف الدونم الواحد 10 الاف ليرة سنوياً، أما في الأعوام الثلاثة الأخيرة بات الفستق الحلبي سلعة خاسرة لارتفاع تكلفة الدونم الواحد الذي وصل لحوالي 90 ألف ليرة سنوياً، والمردود أحياناً يكون صفر ليرة بسبب القصف من قوات النظام، وعدم إمكانية القطاف، وفي حال استطعت جني المحصول فلا يتجاوز إنتاج الدونم 200 ألف ليرة سنوياً، بسبب انخفاض الأسعار وعدمِ إمكانية التصديرِ للدول المجاورة، وقلة الطلبِ في السوق المحلية».

الحاج حسين أبو أحمد أحدُ تجار الفستق الحلبي في مورك بريف حماة الشمالي، يؤكد انخفاض أسعار الفستق الحلبي بسبب صعوبةِ التصريف إلى أسواق الدول المجاورةِ مثل لبنان والأردن ودول الخليج، نتيجةَ الأتاوات من قبل حواجز النظام، التي تصل إلى 250 ليرة على كل كيلو حتى تصل أسواق مدينة حماة، وعدم السماحِ للتصدير من معبر باب الهوى لاعتبار تركيا من البلدان المنتجة للفستق الحلبي. ويقدر إنتاج الفستق الحلبي خلال العام الماضي بنحو 6 آلاف طن لم يباع منها سوى 50 %، والباقي مازال في المستودعات.

فيما تشير التوقعات الرسمية بحسب خبر منشور على موقع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي،  أن محصول الفستق الحلبي العام الماضي 2018، بلغ حوالي 56 ألف طن، والكميات المصدرة منه حوالي 2766 طن، منها 485 طن بقشره، و2096 طن من قلب الفستق الحلبي، و185 طن من الفستق الأخضر.

يبدأ قطاف محصول الفستق الحلبي على عدة مراحل، صنف “العجر” أو ما يعرف بالبوظة من منتصف شهر تموز حتى منتصف شهر آب، ومن نهاية شهر آب حتى نهاية شهر أيلول يتم قطاف صنف “المستوي”، والذي يباع للمحلات والبسطات والخاص بالتصدير، وينوه أبو احمد انه سابقاً كان بالإمكان بقاء ثمرة الفستق حتى نهاية تشرين الأول كون الظروف آمنة، لكن حالياً يسيطر الخوف من عدم الاستقرار، وعدم إمكانية القطاف بوجود القصف، يحاول المزارعون جني الفستق بأسرع وقت ممكن.

المهندسُ الزراعيُ عدنان البكري يقول: «إنّ مساحةَ بلدةِ التمانعة الزراعية تبلغ 44 ألف دونم، منها 22 ألف دونم من شجر الفستق الحلبي المثمر، وعشرة آلاف دونم من الأشجار الصغيرة التي تصل أعمارها إلى سبع سنوات، كما يحتوي كل دونم على 13 شجرة فستق حلبي، وبلغ إنتاج الشجرة الواحدة في عام 2011 حوالي 40 كيلو، وسعر الكيلو الواحد 100 ليرة سورية، أما في الآونة الأخيرة ونتيجةَ القصف الذي تعرضت له البلدة فقد تضررت العديدَ من الأشجار، وتراجع الإنتاج بشكل كبير، ويقدر إنتاج الشجرة بين 10- 50 كيلو، وسعر الكيلو يتراوح بين 700 إلى 950 ليرة».

ويؤكد البكري إن قلة الإنتاج تعود إلى عجز المزارعِ عن الوصول إلى أرضه الزراعية وقطافِ الثمار، إضافة إلى قلة الرعاية والاعتناء بالمزروعات وانتشار الحشرات، كحشرة “الكرمانيا”.
وقد ظهرت أمراض جديدة تصيب أشجار الفستق الحلبي؛ لم يتمكن الباحثون من علاجه نظراً لغياب مراكز البحوث العلمية، ما يؤدي إلى صعوبة في العمل.

حذيفة الخطيب مهندس زراعي مع فريق من المختصين في مجال الزراعة والاحصاء الزراعي في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، أفاد بزيادة مساحة الفستق الحلبي في منطقة خان شيخون وموقا، وأطراف حيش جنوبي إدلب، ونقصها في مناطق مورك واللطامنة ولطمين شمالي حماة، بسبب الأوضاع الميدانية.

وأشار إلى أن اعتماد الأهالي في هذه المنطقة على المحاصيل الزراعية مصدر رزق أساسي بشكل عام، والفستق الحلبي خاصة، لكن استمرار قصف النظام وغياب الدعم من المنظمات المانحة، وعدم وجود جهات معنية في القطاع الزراعي تشرف عليه بشكل مباشر أبرز المشكلات، ونوّه الخطيب إلى انتشار الآفات بكثرة بسبب القصف والأهمال وقلة العناية وخراب حقول كاملة، مثل حشرة “الكانبودس”.

وتبلغ المساحة المزروعة في سورية بالفستق الحلبي حوالي 61 ألف هكتار، منها 22 ألف هكتار في محافظة حماة، وتحتل سوريا سابقاً المرتبة الرابعة بعد إيران والولايات المتحدة الامريكية وتركيا، ويبلغ الإنتاج حوالي 60 ألف طن عام 2011، منها 27 ألف طن من حماة، بحسب تقرير الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية عام 2013، أما إنتاج العام الماضي 2018 فلم يتجاوز الإنتاج ألفين طن حسب التجار، ولا وجود لإحصائية دقيقة بسبب غياب وجود جهة رسمية في مناطق المعارضة.

تبلغُ أعدادُ أشجارِ الفستق الحلبي (الذهب الأحمر) في عموم سوريا 10 مليونَ شجرة منها 7 مليون مثمرة، وتحتل محافظةُ حلبَ نسبة 45%، تليها محافظةُ حماةَ 36%، ثمَّ إدلبَ 13%، وتنتشرُ أيضاً في الرقة وريف دمشق، وتحتل محافظةُ حماة المرتبة الأولى من حيث الإنتاج بنسبة 49%، بعدها حلب %39، تليها إدلب 20%، ويعتمد أهالي (مورك – اللطامنة – لطمين – كفرزيتا) في ريف حماة الشمالي، و(التمانعة – خان شيخون – سكيك – موقا) في ريف إدلب الجنوبي، على الفستق الحلبي كمصدر رزقٍ أساسي، بحسب تقرير الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية عام 2013.

 

محمد العلي

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *