أخبار

تحديــات سوق العمل والمرأة السورية في تركيا

وضحة العثمان

 

دخلت المرأة السورية سوق العمل في البلدان التي استقر فيها؛ بعد رحلة اللجوء التي فرضتها الحرب، ولم يكن أمامها إلا أن تشق طريقها، وتحقق النجاح في ظل كل التحديات التي تواجهها، على الرغم من أن فرص العمل المتاحة لا علاقة لها في أغلب الأحيان بعملها السابق، أو بشهاداتها وخبرتها العملية والعلمية.

وفي تركيا التي يوجد فيها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، عملت كل من عبير وسحر وفاطمة أعمالاً مختلفة ليتمكن من تحقيق دخل اقتصادي يساعدهن على الاستمرار في الحياة. حيث تقول عبير الأسمر: «في غربتي الاختيارية؛ والتي ساقتني ظروف الحرب إليها، لم أكن أملك أي مال، وكان عليَّ أن أؤمن احتياجات أبنائي المختلفة وسط غياب والدهم. طرقت كل الأبواب، ولم أجد فرصة واحدة تساعدني في تأمين متطلبات العيش، وظللت أبحث على الدوام عما يمكّنني من متابعة تأمين حياة كريمة لأولادي؛ دون الحاجة إلى أحد، إلى أن خطرت لي فكرة عندما كنت أشتري الخبز من أحد الأفران في الحي الذي أقطن به، فأثناء طلبي الخبز؛ سمعت حديث البائع الذي مع أحد الزبائن عن جمع البلاستيك، وكيف أن هذا العمل يساعده في تأمين دخل جيد وإضافي، وأنه يقوم بشراء البلاستيك من الأطفال والنساء!. فقررت في تلك اللحظة أن اشتري البلاستيك من أطفال الحي الذي أسكن فيه، ومن ثم بيعها لصاحب المتجر».

 تطورت الفكرة أكثر عندما قامت عبير باستئجار مستودع صغير في منطقة الريحانية، وأصبح لها عملها الخاص الذي من خلاله تمكنت من تأمين احتياجات أطفالها. وعندما بدأت ممارسة العمل؛ تلقت الكثير من الانتقادات، وخاصة من أقاربها، وكان الجميع يخبرها بأنها تعمل في مهنة غير لائقة، ولا تناسب المرأة!. كما كانت تتلقى مضايقات من أصحاب الكار نفسهم، الذين اتهموها بسرقة رزقهم، إلاّ أن باقي أفراد المجتمع ساندوها ووقفوا معها. والآن أصبح لدى “عبير” أكثر من مركز لجمع البلاستيك المستعمل، وإعادة تدويره، والجميع ينظر إليها باحترام.

ولدى سحر العبود قصة أخرى؛ فالسيدة التي دخلت “تركيا” مع زوجها المصاب، فجعت به باكراً قبل أن تتمكن من إنقاذه، تاركاً لها أطفالاً بحاجة لمعيل، وهي لا تملك أي شهادة أو خبرة في أي شيء، فلم تجد أمامها سوى العمل في الزراعة في قرية قوملو وهي إحدى  قرى  مدينة انطاكية التركية، فتقول: «كان هذا هو العمل الوحيد المتاح أمامي، كانت ساعات العمل طويلة جدا،ً ولا تتناسب مع الأجر الذي نأخذه، بالإضافة إلى أننا أغلب الأحيان لا نأخذ أجرنا كاملاً. ومنذ أكثر من سنتين لم أتناول وأطفالي طعام الغداء معاً؛ كوني أذهب من الساعة السادسة صباحاً، ولا أعود حتى الرابعة مساءاً؛ حيث أعود منهكة ومرهقة للغاية». وتعاني “سحر” كما غيرها من النساء السوريات من تحكم المسؤولة عن العمال أو ما يطلق عليها (الشاويشة) ويجب طلب رضاها حتى تبقيهن بالعمل على الرغم من التعب والظلم والجهد، وتختم بالقول: «بس ما في قدامي غير هالشغل، وبحمد الله إني عم لاقي شغل عيش منو أنا وعيلتي بكرامة بدون ما حدا يستغلني ويكسرني».

وفي قطاع التعليم، كانت الفرصة متاحة أمام فاطمة الرجب لأن تكون مدرّسة في مدرسة الرسالة (تم إغلاقها هي وكثير من المدارس السورية المؤقتة) براتب شهري لا يتعدى 1500 ليرة تركي، وكان يتحتم عليها أن تبذل جهدها ليكفيها أطول فترة ممكنة، وأضافت عن واقع العمل الصعب، الضغط النفسي الذي تعانيه مع الكادر الإداري: «أغلب المدارس تم افتتاحها بطريقة تشبه المحلات التجارية، وكل مدير يوظف أقاربه الذين يمارسون علينا كل أنواع الضغوطات، ويأخذون كل الامتيازات، ونحن علينا العمل معظم الوقت، بالإضافة إلى كون الكثير منهم يفتقر لشهادة جامعية أو حتى ثانوية، لكن لا حيلة لنا في هذا الأمر، علينا أن نتابع؛ فنحن بحاجة لهذا العمل لنكمل حياتنا».

تعددت المهن، واختلفت أشكال المعاناة، لكن لم يكن هنالك خيار أمام النساء السوريات اللواتي فرضت عليهن الظروف أن يكن المعيل الاقتصادي لأسرهن؛ سوى دخول سوق العمل بكل تحدياته وصعوباته ومواجهة أقدارهن بروح عالية من الإقدام والإصرار والصبر، رافضين أن تدفعهن الحاجة إلى مدّ أيديهن للآخرين، كما أنهن كن قادرات على ترك بصمة قوية في كل مكان عملن به.

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *