أخبار

جانا العفرينية التي واجهت الحرب بالموسيقا

شيار خليل

لم تكن تعلم جانا أن مشروع حلمها سيندثر مع قدوم قوات المعارضة والسيطرة على مدينتها عفرين، حيث كانت تعمل جانا على إنشاء معهد للرقص، فهي راقصة فلامينكو أحبت أن تنشر تسقي أشجار الزيتون في عفرين بالرقص والغناء.

جانا في 22 من عمرها، تعلمت على آلة الطنبور ضمن عائلة موسيقية تتقن الرقص الفلكلوري، إلى جانب الغناء والعزف على البزق، غادرت المدينة مع عائلتها باتجاه أوروبا وهي صغيرة لتتعلم رقصة الفلامينكو إلى جانب مواهبها الأخرى وتحاول أداء عروض راقصة بدمج موسيقى البزق مع رقصاتها.

تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في سوريا، وتغييرها، قادت عائلة جانا بالعودة إلى مدينتها عفرين من جديد بعد مرور ثلاثة أعوام على الثورة السورية، حيث اصطحبت معها آلتها ومعرفتها بالرقص مقررة أن تعلم الفلامينكو للعفرينين وسط قرع طبول الحرب في المنطقة.

عنها وعن مسيرتها الفنية ورغبتها الشديدة في الرقص والغناء تقول جانا لأنا إنسان: “نحن الأكراد من حسن حظنا نولد وحب الموسيقا والرقص جزء من أرواحنا، وهذه ميزة احبها جداً بنفسي وفي عائلتي، حيث ترعرعت على أنغام “جميل هورو، بافي صلاح” وباقي الموسيقيين من منطقة عفرين، وكان والدي يساعدني في كسر هذه الحالة اجتماعياً.

تكمل جانا حديثها، ورغبة الرقص واضحة في كلامها، ودندنتها: “حبي للموسيقا هو ثورة، لا تشبه أبداً ثورة السياسيين والمتسلقين، بل هي ثورة الحب والحياة، لأجل يوم وغد أجمل، فإيماني بقضيتي وقضية أجدادي الكرد هو جزء من تشجيعي على دندنة الموسيقا وعزفها والرقص عليها للتعبير عن حب الكرد للحياة وظمأهم لتفاصيل العيش بسلام وأمان في موطنهم الأصلي”.

نعم، فجانا لا تبرع فقط بالموسيقا والرقص والغناء، بل هي ملمة بشكل جيد بالحالة السياسية في المنطقة، ولم لا، ومعظم أهلها وجيرانها منخرطين في العمل السياسي، تكمل جانا: “عندما غادرت سوريا، وعفرين تحديداً، كان لدي حلمٌ جديد بأن أتخرج من إحدى الكليات الموسيقية وأعود إليها عازفة ومغنية أوبرالية، لكن شاءت الظروف أن أتعلم الرقص، وتحديداً الفلامينكو، الذي شدني بقوة، لما تمتلكها هذه الرقصة من جبروت وقوة، ولما تولد فينا مكامن جديدة للحب والحياة. بالفعل تعلمتها كعشيق يرافقني، وأتقنت حركاتها بشدة”.

حركات جانا الراقصة هي جزء من مخيلتها المرتبطة براقصات أندلس وإسقاطهن على الحالة السورية والقضية الكردية، حيث “الغجرية” في طريقة الرقص والحركات، تشبهها جانا بحالات الانقلاب السياسية الكردية مع الجوار العربي والفارسي والتركي، تستمد من تلويحات فستانها التمرد وتلقي بضوئها على القادم الأجمل بنغمات كردية.

حول دمج الرقصة مع العزف والموسيقا الكردية تقول: “فكرت كثيراً كيف لي أن أجعل من هذه الرقصة جزء من موسيقاي التي أرغب الرقص عليها، فألفت أنا ووالدي مقطوعات كردية على أنغام الفلامينكو، ونفذتها كلوحات راقصة لها ارتباط تراثي حداثوي بالكرد وسوريا”.

تكمل جانا: ” لم تكن فكرة غبية، لأنها نجحت بامتياز وتفاجئ بعض المدرسين لي على الفكرة الخطيرة التي لها ارتباط سياسي، جغرافي، إنساني، ومقدمة بلوحة فنية تشد المتلقي إليها”.

عادت جانا إلى عفرين، وهي تركز على تعليم الرقص والموسيقا للجيل الجديد، من جيلها الذي يحب الفن والموسيقا، إلا أن ظروف الحرب وقواعدها تغيرت هذه المرة فبقيت هي ضمن حالة حصار في المدينة، لا تستطيع الخروج منها بعد أن علّمت العديد من الشباب والشابات على رقصاتها المميزة، مبهرة العفرينيين بهذه الرقصة الجديدة التي دخلت الفلكلور العفريني من خلال المهرجانات والأمسيات الموسيقية.

حزينة جانا على موسيقاها التي حُصرت كأهالي عفرين من قبل قوات المعارضة، عن تلك الحالة تقول: “إرادة الحرب أقوى منا أحياناً، لم أكن أرغب الفرار من المدينة أنا وأهلي من جديد، كنت أعزف كل ليلة وأرقص لعل صوت الموسيقا يكون أعلى من صوت الحرب التي كانت تدور حولنا، لكن للأسف إنتهاكات قوات المعارضة استطاعت أن تمزق شريان الحياة في عفرين، وتدمر حتى مركز الموسيقا الذي كنت أتردد عليه لتعليم الشباب والشابات على الرقص، انتابني شعور سيء، فحاولت إحدى المرات طمر آلة الطنبور في حديقة المنزل لكي لا يسرقوها أو لا تدمر معنا”.

لم تستسلم جانا لطبول الحرب في المنطقة، فحاولت أن تخرج بآلتها الملفوفة بالقماش من حديقة المنزل، محاولة العزف والرقص بالسر بعيداً عن أعين المرتزقة الذين تصفهم جانا: “أقوم بالعزف والرقص كل ليلة، عندما ينام المرتزقة في عفرين، وأحاول عبر وسائل السكايب أن استمر بتعليم الطلاب على الرقص، حيث ألفت مقطوعة موسيقية أسمها زيتون، وعلمت الرقص عليها لعدة صديقات خارج عفرين، ولكن يبقى هناك خوف كبير من هؤلاء الذين يحتلون المدينة، حيث دمروا كل شيء، واعتقلوا العديد من الفنانين، كمحاولة للقضاء على هوية المنطقة وتراثها”.

الموسيقا والرقص حسب تعبير جانا قضية إنسانية بحتة، تحاول جانا أن تستمر بالحفاظ عليها، منتظرة “الفرج” حسب تعبيرها بأن تزال تلك الغمامة على مدنيي عفرين وتعود هي من جديد لتغني مقطوعة “الزيتون” علناً، وترقص عليها لتتحدث عن الحب والحياة بوجه الحرب والطغاة، معبرة عن رغبة أهالي عفرين بالعيش بكرامة وحرية وسط ظروف إنسانية.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *