أخبار

أسواق ومحال تجارية تحولت إلى مأوى للنازحين في مدينة مارع

استمرار توافد النازحين من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حلب الشمالي والغربي، خلال شهري كانون الثاني/ يناير، وشباط/ فبراير، إلى ريف حلب الشمالي، وبالتحديد منطقتي “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، هرباً من جحيم قصف ميليشيات النظام والطيران الروسي، أدى إلى اكتظاظ المنطقة بالمدنيين الذين توزعوا على مدن عفرين واعزاز ومارع والباب وجرابلس.

وأصبح من الصعب الحصول على خيمة في المخيمات الحدودية أو منزل في المدن والقرى نظراً لعدم قدرة هذه الأسر على تأمين الإيجار وندرة المنازل الفارغة، حيث تحولت الأسواق والمحال التجارية والمباني إلى مراكز إيواء تقيم بها مئات العائلات، في ظروف تفتقر لأدنى مقومات الحياة إلا أنها باتت في مأمن عن استهداف ميليشيات النظام لهم.

 

 

في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، حطت رحال النازحين من أرياف إدلب وحلب في سوق الحميدية، الذي انتهى بناؤه قبل عامين تقريباً، حيث تقيم مئات العائلات داخل المحال التجارية، وكذلك في سوق الهال شرقي المدينة الذي انتهى بناؤه العام الفائت، ومبنى المشفى وساحات إحدى المدارس التي تعرضت لقصف سابق من قبل الطيران الحربي التابع للنظام.

زار موقع “أنا إنسان” مراكز الإيواء داخل المدينة وتحدث إلى النازحين عن احتياجاتهم والصعوبات التي تعترضهم، وكذلك ظروفهم المعيشية، ومدى توفر الخدمات الصحية والإغاثية، والطبية.

 

معمر فاضل محمود 40 عاماً من قرية تل منس الواقعة في ريف معرة النعمان الشرقي بمحافظة إدلب، يقيم منذ شهر تقريباً في أحد المحال التجارية داخل سوق الحميدية في مدينة مارع، لدية تسعة أولاد، ويواجه العديد من التحديات، أبرزها نقص الخدمات.

 

وقال لـ “أنا إنسان”: “نواجه العديد من الصعوبات أبرزها: تأمين الماء والكهرباء، وسوء الوضع المعيشي، وندرة فرص العمل، لكن الإقامة في هذا المحل التجاري جيدة وتعد أفضل من الخيمة التي لا ترد البرد، ونعتمد الآن على مساعدة أهل الخير”. وأضاف: “فور وصولنا حصلت على هذا المحل التجاري، وتسلمنا شادر لتقسيم المستودع إلى عدة أقسام لاستيعاب أفراد العائلة كما استلمنا سلة إغاثية”.

 

 

من جهتها أم محمد 45 عاماً وهي من ريف حلب الغربي، تقيم مع ابنتيها في محل تجاري غير مخدم، في سوق الحميدية منذ بداية شهر شباط / فبراير، قالت لـ “أنا إنسان”: “إن الأوضاع المعيشية صعبة جداً لعدم قدرتي على تأمين النفقات اليومية التي تحتاجها أسرتي، وأنا لا أستطيع العمل وأنتظر المساعدات فقط، والتي تقتصر على توزيع الخبز المجاني يومياً”.

وأضافت: “المكان الذي نقيم به غير صالح للسكن، ويحتاج إلى تأهيل فعلي وتوفير الماء والكهرباء، لكن كوننا نقيم بين جدران وسقف يأوينا ما زلنا بخير”.

 

وبينما الطفلة مرام محمد حج حسين 11 أعوام من بلدة معر شورين بريف إدلب، كانت قد نزحت مع ذويها إلى مدينة مارع، أخبرت “أنا إنسان”: “أنهم نزحوا بسبب القصف إلى المخيمات ثم إلى مدينة مارع، وتقيم الآن في خيمة داخل إحدى الصالات في سوق الحميدية”. وأجابت على سؤالنا لها ماذا تحتاجين؟ قائلةً: “ما بدنا شي غير نرجع على الضيعة”، وقطعت الحديث بسعال حاد، ثم قالت: “بدنا نرجع على بيتنا وألعب مع رفقاتي وروح معهن على المدرسة”.

ولا يستطيع النازحون تأمين مواد التدفئة في ظل انخفاض درجات الحرارة وارتفاع أسعار الفحم والحطب في الأسواق المحلية مما دفع العائلات إرسال أبنائهم إلى الشوارع لجمع ما يمكن حرقه في المدفئة الامر الذي تسبب بمرض الربو والسعال المزمن للكثير من الأطفال.

حسان يحيى الحسن 34 عاماً من ريف معرة النعمان، نزح إلى مدينة مارع في منتصف شهر كانون الثاني / يناير، ويقيم مع أسرته المكونة من 10 أشخاص في خيمة بنيت في باحة مدرسة خارجة عن الخدمة نتيجة تعرضها للقصف من قبل الطيران الحربي التابع للنظام، يواجه الكثير من الصعوبات نظراً لفقدان مكان إقامته مقومات الحياة إذ لا يتوفر لديه امكانية تأمين الطعام لأطفاله بشكل يومي، وبحسب ما أوضح لـ “أنا إنسان” أنه يبيع جزء من الحصة الإغاثية التي يتلقاها شهرياً من المكتب الإغاثي في المجلس المحلي، لتأمين الأدوية والمستلزمات الأخرى.

وقال لـ “أنا إنسان”: “إن المعيشة هنا صعبة جداً أنا قادر على العمل لإعالة أسرتي لكنني بحثت كثيراً ولم أجد، ولذلك لجأت إلى بيع بعض من المواد الغذائية المقدمة لنا مقابل الحصول على الأدوية لأطفالي”. وأضاف: “الخضروات أسعارها غالية جدنا ونحن ليس لدينا دخل مالي لتحمل النفقات لذلك أصبحت جزءاً من أحلامنا ونتأمل أن يمن الله علينا بالعودة إلى ديارنا والعمل في أرضنا مجدداً”.

وزار “أنا إنسان” محمد كامل 40 عاماً وهو من بلدة قلعة المضيق، بريف حماة، نزح إلى مدينة مارع، وليست هذه المرة الأولى التي ينزح بها من بلدة قلعة المضيق، إلا انه نزح خلال عام 2019 أكثر من ثلاثة مرات متتالية أولها إلى ريف معرة النعمان ثم إلى مدينة بنش ولاحقاً إلى المخيمات الحدودية لتحط الرحال به في مدينة مارع، ولديه ثلاثة أولاد وزوجته، لا يستطيع العمل نظراً لوجود عدة أمراض في جسده كما حدثنا، إذ يعاني من ضعف شديد في النظر، ومرض في ظهره بالإضافة إلى عدم قدرته على الحركة بشكل جيد نتيجة إصابة قدمه.

وأكد خلال حديثه لـ “أنا إنسان”: “أن المخيم الذي يقيم فيه يعاني من نقص حاد في الخدمات ولا يتوفر فيه سوى حمامات، وكذلك ندرة المياه وانعدام الكهرباء، ونحاول التأقلم على هذه الحياة التي كتبت علينا ولا نستطيع تغييرها”.

وليد العبود 60 عاماً، من قرية معصران في ريف معرة النعمان الشرقي، ويقيم في مركز إيواء سوق الهال، شرقي مدينة مارع، جاء مع أولاده وأحفاده المكون عددهم من 35 شخصاً، ويواجه صعوبة في تأمين الحاجيات الرئيسية لهم، وخاصة أن هذا المأوى يفتقد لأدنى مقومات الحياة إذ لا يتوفر فيه حمامات وماء وكهرباء.

قال لـ “أنا إنسان”: “تعرض منزلي للقصف وأصبح ركام بعد ساعات من خروجي منه مع أولادي، ولدي أرض زراعية في قريتي كذلك تركتها، لتحتلها قوات النظام”. وأضاف: “بالنسبة للخدمات المتوفرة في سوق الهال، لا يوجد شيء سوى سقف وجدران تأوينا، ولا يتوفر ماء ولا كهرباء، نلجأ إلى شراء الماء من الآبار المحيطة وتأمين الكهرباء من الطاقة الشمسية، لإضاءة المحل ليلاً، وفي الوقت ذاته لا نملك قوت يومنا دون مبالغة” وأكد: “أن غالبية المقيمين في سوق الهال ليس لديهم مصدر دخل ويعتمدون على المواد الإغاثية المقدمة لهم، ويعملون على بيعها في السوق ويجلبون الاحتياجات المنزلية التي يفتقدونها”. وأشار إلى أن الخبز يوزع مجاناً على قاطني سوق الهال بشكل يومي.

وقال مدير المكتب الإغاثي في المجلس المحلي لمدينة مارع، خالد حافظ لـ “أنا إنسان”: “تقيم 565 عائلة نازحة مراكز إيواء متفرقة في مدينة مارع، ويتوزعون على سوقي الحميدية والهال والمدرسة الريفية ومشفى ربى وتجمع أهل الخير ومركز إيواء وتجمع ابن الوليد وتجمع المدرسة الجنوبية”. وأضاف: “المجلس المحلي بالتعاون مع فرق شباب تطوعية من المدينة قاموا بتوفير صهاريج ماء وكتل حمامات وبعض الخيم، كما قدم المكتب الإغاثي في المجلس المحلي بالتعاون مع منظمات عاملة في المنطقة حصص غذائية وبعض المواد العينية”.

وأوضح أنه من ناحية المجال الصحي فإن النقاط الطبية المجانية متوفرة في المدينة، وأبرزها المستوصف ومشفى مارع، يستطيع المرضى تلقي الخدمات الصحية في شتى الاختصاصات. وأكد: أن المكتب الإغاثي يواجه عثرات في تأمين حاجيات النازحين نظراً لقلة المنظمات الداعمة للأنشطة الإغاثية، ويسعى المجلس المحلي في المدينة إلى دعم الأنشطة الخيرية التي تصب في مصلحة النازحين.

ولا تزال معاناة السوريين مستمرة بحثاً عن مأوى وعن قوت يوم على أقل تقدير في ظل ندرة فرص العمل وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والخضروات، وصعوبة تأمين حاجيات الأطفال، وما يرافق حياتهم من هموم، لكن لا يزال السويون يساند بعضهم الآخر في محنته حتى زوالها، وفي شتى الظروف كانوا عوناً يتشاركون منازلهم ومآدبهم، كالجسد الواحد.

 

حسين الخطيب

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *