أخبار

“التسرب” من المدرسة خطر يهدد مستقبل الطفولة في الشمال السوري

سونيا العلي

تعتبر عمالة الأطفال وإهمال الأهل للجانب العلمي، واعتباره من الكماليات في ظل الحرب من أبرز أسباب التسرب للذكور فيما أبعد الزواج المبكر البنات عن مقاعد الدراسة. وكواحد من آلاف الأطفال السوريين الذين أجبرتهم الحرب على ترك مدارسهم، وجد الطفل “إبراهيم الشيخ” نفسه خارج رحلة التعليم، كي يعيل أسرته الكبيرة بعد أن توفي والده؛ لعله يستطيع درء خطر الفقر عن أحبابه رغم من صغر سنه.

الشيء المؤكد أن ظاهرة التسرب المدرسي؛ كانت منتشرة في إدلب قبل الثورة، لكنها تفاقمت بعدها، وخاصة في مخيمات النزوح التي بلغت ما يقارب 35%  من إجمالي الأطفال في سن الدراسة.

إبراهيم المنحدر من بلدة “حاس” بريف إدلب، قال لموقع “أنا إنسان” عن الظروف التي دفعته لترك المدرسة: «قطعت شوطاً لا بأس به في الدراسة، لكنني وقعت ضحية الأوضاع المادية الصعبة، فحاولت التوفيق بين دراستي وعملي، وأخيراً قادتني الظروف إلى ترك المدرسة بشكل نهائي».

ويعتبر “مازن الخشان” الموجه الاختصاصي في مجمع “معرة النعمان” التربوي أن هذه الظاهرة خطيرة جداً، حيث أكد أن مشكلة التسرب كانت منتشرة قبل اندلاع الثورة في “إدلب”، ولكنها تفاقمت بعدها بشكل كبير تبعاً للظروف التي يمر بها الأهالي، «علماً أن تسرب التلاميذ من التعليم مشكلة كبيرة، بل هي الأشد خطراً على سير العملية التربوية ومستقبل الأجيال، ولا يقتصر أثرها على الطالب فحسب، بل يتعدى ذلك إلى جميع نواحي المجتمع لما يصيبه من بطالة وجهل».

ويؤكد الخشان أن عملية التعليم تواجه صعوبات عدة، أولها عدم توفر الكتب المدرسية لكافة المراحل، ونقص القرطاسية، ووسائل التعليم، والمحروقات، ووسائل النقل، كما عزا ارتفاع نسبة التسرب إلى انتشار عمالة الأطفال وإهمال الأهل للجانب العلمي، واعتباره من الكماليات في ظل الحرب. أما فيما يتعلق بالإناث؛ فالزواج المبكر والعادات والتقاليد دفعت الكثير من الأهالي لإجبار بناتهم على الابتعاد عن مقاعد الدراسة.

ويختم “الخشان” عن السبب الأكبر لهذه المعضلة بالقول: «يرجع التسرب أيضاً إلى غياب الجسم التعليمي الصحيح في المناطق المحررة، وتخبط أقسامه؛ كونه يقع في مشاكل كبيرة أبرزها المناهج».

الطفلة “علياء النعسان” من بلدة “تلمنس” بريف إدلب، كان والدها يجبرها على التغيب عن المدرسة عندما يكون هناك حاجة لعملها في الأرض، أو القيام بأعمال منزلية، وعند نجاحها إلى الصف السابع أجبرها على ترك المدرسة، وحرمها من تعليمها نهائياً، وعن سبب ذلك يقول: «التعليم في هذه الأيام ليس مجدياً بالنسبة للفتيات، لأن الفتاة ستذهب لبيت زوجها في النهاية، إضافة إلى الخوف عليها من الخطف والاعتقال بسبب فقدان عنصر الأمان».

كما تعتبر الأسباب الاقتصادية وانتشار الفقر، وتدني مستوى الدخل؛ أسباباً تدفع الأهالي لإخراج أبنائهم من المدرسة، وتشغيلهم بالزراعة، أو تعليمهم بعض المهن، لتحسين مستوى المعيشة وزيادة دخل الأسرة.

وكذلك تسببت عمليات النزوح لإبعاد الأطفال عن مدارسهم، وعدم التحاقهم بالمدارس في مكان إقامتهم الجديد، وحتى القانون الإلزامي الذي كان يجبر الأهل على تدريس أولادهم إلى مرحلة محددة غاب مع غياب الطلاب عن صفوفهم.

الطفل “أحمد العبيد” نزح من بلدة “التمانعة” إلى أحد المخيمات العشوائية بريف إدلب الشمالي، وعن ذلك تتحدث والدته لأنا إنسان بقولها: «بعد نزوحنا إلى المخيم اضطر أولادي لترك المدرسة بسبب تكاليف المدرسة والمواصلات، وصعوبة الوصول إليها، وضاعت أحلامهم بإكمال التعليم ولو بحدوده الدنيا».

المرشدة الاجتماعية “رحاب الحسن” من مدينة إدلب تحدث عن مخاطر تفاقم ظاهرة التسرب بالقول: «زادت نسبة تسرب الطلاب من المدارس في “إدلب” لعدم قدرتهم على الوصول إلى مقاعدهم الدراسية بسبب خطورة الطرق، وتوتر الجو العام الذي لا يخلو من صاروخ هنا وقذيفة هناك، وبسبب خوف الأهل على أولادهم، فيفضلون بقاءهم في المنزل على خسارتهم بطريقة ما، ناهيك عن ظاهرة النزوح الكبيرة من مناطق سكنهم، وعدم توافر الظروف الملائمة لمتابعة تعليمهم. وهناك الحالة النفسية التي تلعب دوراً أساسياً في ترك عدد كبير من الطلاب مدارسهم، والتوجه للبحث عن عمل ضمن طاقاتهم وإمكاناتهم وقدراتهم».

وتبين “الحسن” بأن الأهل يتحملون الجزء الأكبر من مشكلة التسرب، لأن كثير منهم لا يتابعون أولادهم، حتى أن بعض الآباء لا يسجلون أولادهم في المدرسة، لذلك يجب على المدرسة ترغيب الطالب بالدراسة من خلال إدخال المواد الترفيهية، وتوفير المتطلبات المدرسية، وقبول الطالب في المدرسة المجاورة له. ولكن مع تعدد واختلاف أسباب ودوافع تسرب الطلبة، تبقى الحقيقة أنهم أصبحوا جميعهم أرقاماً تنضوي تحت ظاهرة التسرب المدرسي، و«مهما حاولنا أن نجد لها المبررات تظل خطراً حتمياً، ومرضاً مستعصياً يهدد مستقبل المجتمع السوري، ويسهم في ضعف البناء الاقتصادي له، ويزيد من الجنوح والانحراف والسرقات، وسوء سلوك الفرد».

أمام تفاقم ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس في إدلب، وحفاظاً على حق الأطفال في التعلم؛ أطلقت جمعية “نبع الحياة” حملة تحت عنوان: (أهمية التعليم)، بهدف إعادة الأطفال المتسربين إلى مقاعد الدراسة، باعتبارهم الجيل الواعد الذي يقع على عاتقه بناء سوريا المستقبل، وقد استهدفت الحملة بشكل خاص أطفال المخيمات في المدن والبلدات التي تراجع فيها دور التعليم بشكل كبير، ومنها مناطق “سلقين”، و”معرة مصرين”، و”دركوش” والمخيمات التابعة لها.

والجدير بالذكر أن منظمة “الأمم المتحدة” للطفولة “اليونيسيف”، قدرت عدد الأطفال السوريين المتسربين من مدارسهم بنحو مليوني طفل داخل سوريا وخارجها، مرجعة سبب ذلك لظروف النزاع والنزوح واللجوء التي تشهدها سوريا، بالإضافة إلى الدمار الذي طال عدداً كبيراً من المدارس.

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *