أخبار

الشباب العلويون : كفى لم نعد نحتمل

حيدر محمد – طرطوس – خاص أنا إنسان

على امتداد سنوات الحرب في سورية زاد عدد المتخلفين من أبناء الطائفة العلوية عن خدمة “العلم” والاحتياط” في جيش السلطة وفقاً لمصادر أهلية ومحلية وأخرى عسكرية إلى أكثر من عشرين ألف شخص يتوزعون على أربع محافظات رئيسية هي اللاذقية وطرطوس و(ريفي) حمص وحماة حيث يتواجد فيها أبناء الطائفة العلوية أكثر من غيرهم، يرتفع هذا الرقم عند الرافضين للقتال حالياً إلى قرابة 30 ألفاً.

قد لا يعترف كثير من المعارضين بهذا الرقم، لأسباب مختلفة ليس من بينها الموقف السياسي، وهذا صحيح إلى حد ما، فغالبية الهاربين من التجنيد ليس لمعارضتهم نظام الحكم، وهم من طلبة الجامعات بالدرجة الأولى، لديهم أقارب في جيش السلطة أو في الميلشيات الرديفة له، ولكنهم بالمقابل يرفضون الحرب والموت فيها أو الإصابة والتشوه كما حصل لاقربائهم وأصدقاءهم ورفاقهم بعد ان تم اهمالهم، هذا الرفض مبني على رفض جميع ما أفرزته الحرب في سورية على كل الجبهات، حرب قتل فيها ما يفوق 125 ألف شاب من هذه الطائفة.

ليس الخوف من الموت المجاني فقط هو سيد الموقف، بل يضاف له أسباب أخرى أكثر ثقلاً تتمثل باعتبارات تقترب في غالبيتها من اعتبار الحرب في سورية أصبحت صراع “آخرين” على أرضهم، ليس عليهم الموت في صراع عبثي أفرز ميلشيا للتعفيش والسرقة وأخرى للقبض على التفييش، وثالثة لإعادة إعمار بلاد بالأصل تناهبها قبل الحرب أشخاص وعائلات موجودة في السلطة معروفة للجميع، يضاف إلى ذلك كما يقول “محمد” (24 عاماً، غير متزوج) أن مشهد الجيل العلوي بات مؤثراً جداً، “لم يبق سوى قلة من الشباب القادر على العمل، هناك عشرات المشوهين والمعاقين نتيجة مشاركتهم في الحرب في كل قرية ولكل منهم حكاية مع الألم والفقر والحاجة إلى الدواء والغذاء، في كل قرية عشرات الصور “المنارة” لقتلى قضوا في الحرب في كل البقاع السورية، شبح الحزن والموت مقيم هنا منذ سنوات”.

محمد لديه أخ مفقود، وهما فقط الولدان الذكران لأبويهما، لكن السلطات لم تعترف إلى الآن بفقدانه لأخيه طلبته للاحتياط، يقول: “يحتاج الأمر إلى أن التحق بالجيش ثم أقدّم معاملة عن طريق الوحدة العسكرية لإثبات أني معيل لأسرتي، وهذه تحتاج إلى أوراق رسمية وإلى موافقة القطعة العسكرية التي سأكون فيها، وهذا صعب إن لم يكن مستحيلاً، لذلك فذهابي إلى الجيش محكوم بالمخاطرة التي لا أتحمل تبعاتها إن فشلت، أخي لم يسجل متوفياً في سجلات الدولة إلى الآن ولا أظن سيسجل لأن جثته لم يعثر عليها في مكان خدمته أثناء تعرضها للقصف من قبل قوات المعارضة في ريف دمشق”.

 

أرقام وقوانين و … فساد:

مع انطلاق المظاهرات في سورية ومن ثم عسكرتها بشكل نهائي منتصف العام 2013 كان تعداد أفراد الجيش النظامي قرابة 450 ألف وفقاً لمصادر محايدة، يضاف لهم نفس العدد في حال طلب الاحتياط ( التعبئة العامة) التي تشمل الذكور بين سن التجنيد النظامي (18 عاماً) إلى سن الأربعين، وهو العمر المحدد سابقاً للخروج من دعوة الاحتياط وقد رُفع هذا السن إلى الثانية والأربعين في العام 2015 بشكل غير رسمي.

مع تصاعد العمليات العسكرية في البلاد بين العامين 2014-2017 زادت نسبة الطلب على الاحتياط، حيث تشير تسريبات إلى أن عدد مطلوبي الاحتياط في سوريا بلغ نصف مليون شخص، وبالمقابل زادت نسبة التهرب منه لمن استطاع ذلك، وفي حين تمكن جزء من شباب المدن السورية الكبرى (السنة والمسيحيين) من الهرب خارج البلاد بحكم قدرتهم على دفع تكاليف اللجوء (لا أقل من خمسة آلاف دولار) وعبر تسهيلات معينة (أمنية منها) فقد انحصرت هجرة شباب الساحل من الطائفة العلوية إلى قراهم ووديانها، وقلة قليلة جداً منهم تمكنت من الخروج من البلاد.

يتحدث “علي حيدر ” (28 عاماً، خريج كلية آداب، غير متزوج) وقيم في أنه طُلب إلى الاحتياط منذ عامين تقريباً، ولأنه يرفض رفضاً قاطعاً أن “يموت من أجل لا شيء” فإنه اتخذ قراره بعدم الالتحاق رغم رفض والده ذلك، يتابع: “قبل حالي نصف شهر هاجمت دورية تابعة للشرطة العسكرية القرية فاضطرنا أنا ورفيقي  إلى الركض قرابة اثنين كيلومتر في الحقول الزراعية هرباً منها وعادة ما ترافقها سيارة مغلقة (أم كامل، هكذا يسميها السوريون ساخرين) لوضع المطلوبين ونقلهم فوراً إلى العاصمة لوضعهم تحت تصرف الوحدات المقاتلة”.

لم يتزوج علي حتى الآن لأنه غير مستعد بعد للزواج  فلا منزل و “لا وظيفة ولا أي شيء”، “توقفت عن التدخين لأني لا أعمل ولا أملك ثمنه، لا أحد يقبل تشغيل أشخاص مطلوبين إلى الجيش أو الاحتياط لأنه سوف يلاحق إن وشى أحد به، هذه الحرب لم تترك لنا بصيص أمل، ابن خالي ورفيق عمري قتل منذ أقل من عام، درسنا سوية والتحق بالجيش بعد طلبه، لم ير من الحياة شيء، إلى اليوم لا أقدر على زيارة بيت خالي لأن أمه ما إن تراني حتى تقع مغمى عليها، أخي الكبير نفد من الاحتياط بعد أن تجاوز السن القانوني لطلب الاحتياط”.

 

الناس تساعدنا على الهرب:

مسألة علي مسألة متكررة لدى كثير من شباب الجبل الهاربين من الجيش أو الاحتياط، غالبيتهم من خريجي الجامعات الحكومية وبفروع مختلفة، يرفضون ضد رغبة مجتمعهم وأهليهم أن يدفعوا ثمناً غالياً ـ حياتهم  لأجل حرب لن تنتهي اليوم ولا غداً، يتحدث “منير” ـ خريج فلسفة من جامعة دمشق، 35 عاماً، متزوج، فيقول: “يا أخي ملّينا من الحرب، ملّينا، أي عاقل يرى أن لا مصلحة لأحد في هذه الحرب سواهم، هم من يريدون أن تستمر كي يملأوا جيوبهم واستثماراتهم بالمال والخدم والحشم، هؤلاء جميعاً من السلطة السورية أو من المعارضة، يعني “من كل عقلك مصدّق أن روسيا وإيران وأميركا وتركيا تهتم لمصير الشعب السوري؟”.

منير، المتزوج وأبن طفلين في المرحلة الأولى للتعليم ـ يعمل مدرساً خصوصياً، يقول: “لولا الدروس الخصوصية كنا متنا من الجوع، زوجتي تعمل هي الأخرى مدرّسة، عدة مرات قرعوا باب البيت طلباً لي، أتخفى فوراً عند سماع أي جلبة بطريقتي، حياتي تحولت إلى ركض يومي وهروب وخوف دائم، ولكني لن ألتحق “ولو طبقت السماء ع الأرض”، فهذه الحرب ليست لي، حربهم المقدسة لهم وليست لي”.

يلفت منير إلى ظاهرة متكررة هي الأخرى: “الناس تساعدنا على الهرب، قد لا تصدق ذلك، لكنها حقيقة، ما إن يعرف أول سكان القرية بتشريف دورية حتى يكون كل المطلوبين للاحتياط أو الجيش على علم بوصولها، عدة مرات جاؤوا وعادوا خائبين، هم الأخرين أي الدورية في أوقات كثيرة لا تتشدد في طلب المطلوبين، فهم أيضاً لديهم أقرباء وأبناء في الجيش منذ سنوات دون أمل، يقول الناس أن تسريح الدورة 102 (أقدم دورة في الجيش) قد تم بضغط روسي بعد أن لم يبق من أفرادها سوى القليل”.

وتستمر الحكاية… إلى متى؟

يختم ” محمد” حديثه وهو يشعل فحم أركيلته في بيت منعزل تقريباً في أطراف قريته الجبلية (بعد صلنفة، المصيف الجبلي) بالقول: “ضاع عمرنا بين الجامعة والماجستير وبعدن هلا سنتين وأنا بشبه الفراري أيام العثمانيين، لا أكل ولا شرب متل البشر، والقصة لا تبدو قربة النهاية، مع ذلك…لن ألتحق بأي فصيل أو تنظيم أو أي شي آخر …بالحرب موت… وهون موت”.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *