أخبار

دمشق … وحلم المواطنين بالحصول على الخبز ومواد التدفئة والكهرباء

يعيش المواطن السوري سلسلة أزمات تتسع حلقاتها كل يوم من غاز مقطوع و كهرباء مقننة و خبز مفقود و وقود شحيحة وصولاً إلى العوز في كل الموارد الأساسية لدوران عجلة الحياة ، و يدفع ثمن اختياره للبقاء في كنف وطنه بشتى الطرق البشعة من قهرٍ و إذلال و تجويع و حروب يومية يخوضها لتأمين أقل متطلبات العيش .

و كما جرت العادة ألا تفوّت حكومة النظام السوري فرصةً في خذلان السوريين و سلبهم حقوقهم و أخذ دور المتفرج أمام معاناتهم ، ففي هذه المرة أيضاً لم تتبدد مخاوف المواطنين من برد الشتاء و لم تخب توقعاتهم في أزمة جديدة بمازوت التدفئة ، إذ أن اكثر من ٥٠٪ من العائلات السورية في المحافظات التابعة لسيطرة النظام لم تستلم مخصصاتها من المازوت المدعوم حتى الآن ، في ظل شتاء قاسي تشهده المنطقة ، بحجة عدم توفر كميات كافية لكل المواطنين نتيجة الحصار الاقتصادي ، مع العلم أن المازوت الغير مدعوم متوفر بكثرة بالسوق السوداء بسعر قد يصل لل (١٥٠٠ ليرة سورية) لليتر الواحد أي ثمانية أضعاف الليتر المدعوم !

شاهد بالفيديو: سكان دمشق يقررون الرحيل عنها

إما الجوع أو البرد ما من خيار آخر 

بحسب ما قال العم أبو جورج و هو من سكان منطقة جرمانا في ريف دمشق ، ينهمك في التفكير بوسيلةٍ لتدفئة عائلته فهو لم يستلم ليتراً واحداً من المازوت حتى الآن ، و يشكي لنا معاناته فيقول :

” اعتدنا أن نسمي فصل الشتاء بفصل الخير إلا أنه أصبح فصل الهموم ، حتى الآن لم أستلم ليتراً واحداً من المازوت و مازلت أفكر في حل لتدفئة عائلتي إذا نفذت كمية المازوت المخبأة من الشتاء الماضي ، والتي أقنن بها و لا أستخدمها إلا في أيام البرد الشديد ، لعلّ الحكومة لم تحن علينا و تعطينا مخصصاتنا قبل حلول الربيع ، خاصةً أن دخل عائلتي لا يتجاوز ال ٩٠ ألف أي لا أقدر على شراء المازوت الحر ، فلو فرضنا على أقل تقدير أنني أحتاج ل٣ ليتر مازوت في اليوم و سعر الليتر من المازوت الحر ١٣٠٠ ليرة فسوف أحتاج بالشهر حوالي ١٢٠ ألف ! فهذا يعني حتى لو بقينا دون طعام و شراب و دواء لا نستطيع شراء المازوت الحر “

رغم محاولات العائلات السورية في التحايل على أزمة المازوت و البحث عن بدائل للتدفئة ، إلا ان محاولاتهم تبوء بالفشل خاصة أن الكهرباء في البلد لا يعول عليها فنظام تقنين الكهرباء ٤ ساعات قطع و ساعتين وصل في معظم المحافظات و قد تصل لساعات قطع أكثر في الأرياف ، و مادة الغاز حدث ولا حرج فهناك أيضاً أزمة كبيرة في تأمين اسطوانات الغاز إذ تحصل العائلة على اسطوانة واحدة كل شهرين و أكثر و أسعارها تحلق في السوق السوداء، أما الحطب فقد وصل سعر الطن إلى 300 الف ليرة سورية في بعض المحافظات .

شاهد بالفيديو : سوريون من قلب دمشق: صرنا نحلم باللحمة والخضار 

“لا شيء أقسى في الحياة من أن تقف أمام أطفالك مكبل اليدين و أنت تراهم يرتجفون برداً أو يتضورون جوعاً أو يحلمون بطعامٍ معين أو بلباس جديد “، يقول أبو أحمد هذه الكلمات الممزوجة بالقهر و الحسرة و هو أحد سكان منطقة جبال القلمون المعروفة ببردها القارس ،وكان قد دفع غرامة مالية بقيمة 150 ألف ليرة سورية لأنه قام بقطع بعض الأشجار لتدفئة اطفاله ، و يحدثنا قائلاً :

“لا غاز ولا كهرباء ولا مازوت ، و غلاء فاحش و دخل باخس ، هل للدولة أن تعطيني حلاً واحداً لتدفئة أطفالي ؟

لو كنتُ عاطلاً عن العمل لن ألومَ أحد ، و لكنني أعمل الليل مع النهار كي لا ُتضام عائلتي”

و أكمل: ” كحال أغلب المواطنين لم استلم أي مخصصات من المازوت لهذا العام لكن الفرق أن المنطقة هنا باردة جداً فاشتريت بضعة ليترات من المازوت الحر و بعد نفاذها لم يبقى لي خيار إلا اقتطاع بعض الحطب من الارض المجاورة لمنزلي ، و جمع الكرتون لأشعلها بها فهذا الأمر كما نعلم يثير غضب الدولة و يدعيها لمخالفتي و تغريمي بقيمة ١٥٠ ألف ليرة سورية أما مناظر الأطفال تفترش الأرض و تأكل من القمامة في البرد و تحت المطر لا يحرك لها ساكناً “

يتم توزيع مادة المازوت المدعومة في سوريا عبر البطاقة الذكية منذ عام ٢٠١٨، على أن توزع على دفعتين الأولى قبل الشتاء و الثانية في منتصفه ، و أصدرت وزارة النفط و الثروة المعدنية في الفترة الأخيرة قرارات بزيادة كمية مازوت التدفئة للمحافظات ، و توزيع ١٠٠ ليتر كحل إسعافي ، إلا أنّها لم تجدي نفعاً على أرض الواقع ، فالكثير من المواطنين لم تصلهم أي كمية منها ، لأسباب يرجعها المواطنون إلى فساد المسؤولين عن توزيع المخصصات ، و احتكارها لهم و لذويهم ، و أخذ الرشاوي لتقريب الدور النظامي .

شاهد بالفيديو: أوضاع معيشية صعبة تحاصر أهالي دمشق 

 

المازوت المدعوم للمدعومين فقط:

هذا ما قالته السيدة منى التي تشكي من المحسوبيات في توزيع المازوت بمحافظة السويداء و اقتصاره على رؤساء و أعضاء اللجان و ذويهم ، و حرمان المستحقين من الحصول على حقهم في المازوت بالرغم من طبيعة المنطقة الجبلية الباردة ، موضحة أن بعض الأهالي قامت بدفع رشوة لعضو اللجنة في الحي و تقريب دورها ، قائلة: ” رضينا ب١٠٠ ليتر مازوت لا تكفي أكثر من نصف شهر و لم نحصل عليها ، حتى أننا لم نستلم أصلا ً مخصصات الدفعة الثانية من السنة الماضية مع العلم أن هناك عائلات في الحي استلمت مخصصاتها أمام أعيننا بسبب صلتها بعضو اللجنة المسؤول عن التوزيع ، و بعض العائلات دفعت له جزء من المخصصات كرشوة مقابل تقريب دورها “

و أكملت : ” الحكومة تقول أن المخصصات أصبحت كافية لتغطي حاجة كل المواطنين و أعضاء اللجان ينكرون وصول أي كميات جديدة ، فمن نصدق بينهم ؟ كل مسؤول يلقي اللوم على غيره ، و نحن قد تهنا من البحث وراء أسباب الفساد و الكذب و التقصير ، و نفذ صبرنا من الاستخفاف بمعاناتنا ، فلدينا أطفال و كبار في العمر أجسادهم لا تحتمل البرد ، و الشتاء الحقيقي لم يبدأ بعد فالقادم أسوأ “

هذا هو الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد نتيجة أزمة المازوت و باقي وقود التدفئة في كل المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري ، سرقة للموارد ، محسوبيات و فساد في التوزيع ، و اجحاف بحق المواطن المحروم شعور الدفء و السكينة ، لتحرّك سطوة البرد آلامه و تزيد من ثقل همومه ، و تحفر بقلبه حكاية أخرى من الذل

شيراز البني – دمشق – خاص أنا  إنسان

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *