أخبار

في السويداء … مقهى للنساء فقط

بعد خمس سنوات من العمل والدورات المكثفة، والمعارض؛ قرر عدد من النساء فتح معرض دائم لمنتجاتهن المتنوعة؛ مع إضفاء طابع الزيارة والمتعة للزبائن المفترضين، فأضافوا إليه عدداً من الطاولات مع ديكور فني بسيط عماده التراث، وكان المقهى الذي جذب الكثيرين لشرب فنجان من القهوة، واقتناء بعض المنتجات المتنوعة.

«كان لا بد من صنع شيء مختلف حتى يرانا الناس بعين أخرى غير صفة البائعات لمنتجاتهن اليدوية والفنية».. هكذا بدأت منال صعب إحدى مؤسسات مقهى ومعرض «الغصن العتيق» الذي يتوضع في أكثر مكان شهرة بمدينة السويداء، بين شارعي الشعراني وأمية، ويقابل مضافة أبو الفضل العريقة، ويتميز بالهدوء وسط تلك الزحمة كونه صنع من قبو مهمل.

مدرسة الفنون التي اجتمعت أفكارها مع أفكار عدد من النساء لسبب بسيط، حيث كان انتظار فترة المعارض لكي يكسبن بعض المال والمعنويات طويلاً، ولا يحقق حلم الظهور والحياة الكريمة، ولكن بنفس الوقت كان الاتفاق أن تكون المنتجات على سوية عالية من الإبداع والتميز، فأسسن في 12 كانون الأول 2018 مجموعة أطلقن عليها الغصن العتيق، منتجاته من الأعمال اليدوية والإكسسوار واللوحات الفنية، وأشغال الصوف والنول، والأكلات التراثية، مطعّم بكل فكرة مبتكرة وغير مألوفة لمن يود المشاركة من النساء والرجال في المحافظة. وحاولن طوال الأشهر الماضية إقامة معارض لمجموعتهن في المراكز الثقافية والبازارات، ومنهن من ذهبت بإنتاجها إلى دمشق، لكن كل ذلك كان عملاً فردياً لم يحقق الهدف المنشود، وهو ما جعل من المكان الدائم عملاً حتمياً لا بد منه مهما كانت الظروف، حيث تحول قبو مظلم إلى متحف شعبي وتراثي ومقهى للراغبين بالقراءة وشرب القهوة، وفيه من اللمسات النسائية الجميلة الشيء الكثير.

تقول السيدة كارميلاندا رسلان إحدى المؤسسات والفنانة الفطرية الأكثر حركة ومشاركات: «كنا مجموعات متفرقة، مثل (نساء يعدن الحياة، ونسج الياسمين، وكاندل آرت، والمبدعون، وبنك القماش ..) تعمل كل مجموعة ضمن وسط خاص بها رغم التقائنا بأفكار كثيرة مثل تدوير الأقمشة، والأعمال اليدوية التراثية، وصناعة الإكسسوارات بطرق شتى، واللوحات الفنية غير التقليدية».

التحقت بعض النساء بدورات خلايا النحل التي جرت في دمشق بفضل الدكتورة سحر البصير التي رعت المئات من النساء، وخاصة المهجرات والنازحات في مراكز الإيواء لكي يتقن عملاً، ويكسبن منه الرزق، ولا يكن عالة على أحد، وهو ما وفر فرصاً للكثيرات، وعادت تلك النساء مدربات جديدات بأفكار مبتكرة إلى المحافظة، حتى التقى الجميع في مقهى ومعرض الغصن العتيق.

صنع المقهى الي افتتح في بداية شهر تشرين الأول بديكورات تشبه البيوت البازلتية القديمة، ووضعت في زواياه ديكورات لغرف الجدات القديمات، وأقسام للكتب واللوحات الفنية المبتكرة مثل لوحات تجفيف الورود، والرسم على الزجاج، واللوحات المشغولة بالإبرة والخيط، وهي طريقة مبتكرة غير تقليدية، (تعتمد على إنشاء لوحة من القماش الذي لا يدخله لون أو لاصق، ويتم بناء اللوحة بالإبرة والخيط). وتناثرت الطاولات فيه؛ منها للزبائن الراغبين بالجلوس وباحتساء فنجان من القهوة بثمن لا يتجاوز 250 ليرة، وطاولات لعرض المشغولات، والمأكولات التراثية.

قصص الحرب  

وتؤكد ورود الصباغ إحدى المؤسسات عما وجدته في هذه التجربة، إن المرابح التي تأتي ليست كبيرة، ولكننا بتنا سيدات أنفسنا، ونجذب الكثير من النساء الكبيرات في السن اللواتي لديهن عبق الماضي الجميل، والشابات اللواتي تعلمن في الجامعات والمعاهد، ولديهن أفكاراً مثمرة دون أن يستطعن إيجاد من يستمع لأفكارهن.

هنا في هذا المكان الصغير تجد الأرملة التي فقدت زوجها في الحرب، تاركاً خلفه اللحم الطري لأطفال لم يروا من الحياة شيئاً مفرحاً، والشابة التي تربي أخوتها بعد أن تيتمت باكراً، وبات والدها المعيل صورة على جدار. والمرأة المسنة التي تركها أبنائها وسط أربع جدران باردة، وباتوا لاجئين في القارة العجوز. والأم الوحيدة التي جاءت لتفرغ حزنها في رؤية الناس دون أن تهتم لبيع أو شراء.. قصص نسائية تصدم الروح، لكنها تعيد النبض لأياد سهرت الليالي في صنع شيء مختلف.

الفنانة منى أبو حمدان عرضت تجربتها التي جاءت مصادفة عندما كانت تجفف أنواعاً محددة من الورود، حيث طورت تلك الهواية إلى لوحات متفردة في حفظ الورود وبيع تلك الأعمال التي وصلت إلى الإمارات العربية بفضل المغتربين والموهبة التي طورتها بكل صبر، وتقول عن تجربتها: «لقد تطور التسويق من خلال المشاركة الكبيرة بالمعارض في “دمشق”، وحققت من خلالها فائدة كبيرة بالحصول على خبرات جديدة واستمزاج أذواق الجمهور الذي أقبل على اقتناء اللوحات، وهذا ما دفعني لتكثيف العمل وزيادة الإنتاج لتلبي الطلب.

وفي كل الأحوال فالعائد المالي مطلوب لدعم العمل، لكن العائد المعنوي بالنسبة لي كبير، ويبقى المشجع الأكبر على الاستمرار وتطوير العمل ليكون لي في كل موسم تجربة جديدة مع زهور الفصول، أجمعها وأعبر عن وفائي لجمالها».

وقد باعت أبو حمدان اللوحة بالحجم الصغير بقيمة عشرة آلاف ليرة سورية، وهي تعتبرها هدية يمكن أن يشتريها الناس بأي وقت، فلا قيمة مادية كبيرة لها، ولكنها بنفس الوقت لها وقع في قلوب الناس.

وتؤكد منال صعب إحدى مؤسسات الغصن العتيق أن هذا النوع من العمل الفني إضافة جميلة لمشروع الغصن العتيق، «وما نتمناه توافر الدعم لعمل كل النساء كون العمل اليدوي حرفة متعبة ومرهقة ومجهدة تحتاج المتابعة لتستمر وتتمكن الفنانة من متابعة إنتاج أجمل الأعمال.

كيف بدأ مشروع خلايا النحل في دمشق

بدأت الدكتورة سحر البصير بإنشاء أسواق أطلقت عليها اسم لاورا لشغل الأيد، لتسويق الأعمال اليدوية للنساء مع بداية الحرب السورية عام 2011، كانت النساء يصنعن لوحات جماعية بالإبرة والخيط وشعر النساء المقصوص، وبدأت النساء بعدها مواجهة خطيرة ومستقبل مجهول، ومرحلة تغيير كبيرة تحتاج لاستعدادات كبيرة، فقامت البصير بدعم النساء المهجرات بمختلف مراكز الإيواء بدمشق وريفها، وأقامت دورات للدعم النفسي والمادي من خلال صناعة لحافات من القماش المستعمل بالإبرة والخيط بالطريقة التراثية، وصناعة دمى قماشية من القماش المستعمل على الطريقة القديمة.

تقول البصير: «قمت بتسويق الدمى لصالح النساء المهجرات في مراكز الإيواء في أسواق لاورا لشغل الأيد، ولاقت وقتها رواجاً كبيراً، فقررت إطلاق مشروعي من داخل مراكز الإيواء الذي حمل اسم “خلايا النحل” بسبب العدد الكبير للعاملات، والجهد الكبير المبذول، وغزارة الإنتاج المدهشة، فقد رأيت أنه من الممكن أن نعمل جميعاً كخلية نحل بقرار نسائي جماعي لإنتاج منتج متشابه من القماش المستعمل الذي يمثل الرحيق لبناء منهج تدريبي وضعته بنفسي لتدريب النساء على صناعة منتجات معاصرة على خلفية تراثية، وبدأت تجاربي التدريبية حسب المنهج في مركز إيواء بـضاحية قدسيا، وانطلقنا نحو باقي المراكز، وبات إنتاجنا كبير جداً، حيث رحنا نفتتح البازارات في المراكز الثقافية، وخان أسعد باشا».

بدأت المهجرة هناء العمر بالتدريب في مشروع خلايا النحل لأن الفكرة راقت لها، ووجدت أنها تحقق لها التوازن النفسي والاقتصادي، وتبعد تفكيرها عن المصائب التي حلت بها، ففكرة إعادة تدوير الأقمشة البالية والقديمة لصناعة لحافات وشراشف ووسائد بطريقة فنية، تخلق توازناً متكاملاً للشخصية، وتعتبر مساحة لإفراغ الطاقات الكامنة لدى الإنسان. كما أن هذه الحرفة تحقق للنساء المتدربات والمشاركات بالمشروع استقلالاً اجتماعياً واقتصادياً من خلال قدرتهن على إقامة مشاريعهن الخاصة من خلال إنتاج منتجات تراثية ذات طابع عصري وراقي.

ومن هنا كانت بدايات المشاريع النسائية في السويداء، حيث عادت المتدربات بعد عدد من الدورات لتدريب النساء الراغبات بالعمل، وهن الآن يصنعن الفارق، ويعتمدن على الذات ويحقق الاستقلال الفكري والمادي.

 

سامر النجم أبو شبلي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *