أخبار

“كورونا” فرض واقع التعليم عن بعد في شمال غرب سوريا 

أغلقت المدارس والجامعات في شمال غرب سوريا أبوابها أمام الطلاب، مع المخاوف المتزايدة من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) بين الطلبة والكوادر التعليمية، وفي ظل الحاجة المُلِّحة لإيجاد بدائل عن التعليم الصفي، انتقلت بعض الجامعات إلى نظام التعليم عن بعد عبر تطبيق (zoom) حرصاً على سلامة الطلبة. كما وفرت المدرسة الرقمية التي أنشأها مجموعة من المعلمين والناشطين السوريين، نحو ثلاثة آلاف فيديو يحتوي على دروس تعليمية وفقاً للمنهاج السوري المنقح والمعترف به من قبل وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة.

الطبيب عثمان حجاوي، الذي يعمل في مشفى مدينة مارع بريف حلب، وعميد كلية الصيدلة في جامعة حلب في المناطق المحررة، قال لموقع “أنا إنسان”: “إن المراكز التعليمية أكثر عرضة لانتقال فيروس كورونا، لأنها تجمع مئات الطلبة معاً، وما يلحق ذلك من احتكاك مباشر بينهم، مما يشكل خطراً على حياة الطلاب والكوادر التعليمية، لذلك يجب تعليق الدوام فيها والبحث عن بدائل أخرى تعوض التعليم الصفي”.

 

وأصدرت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة تعميماً في 21 آذار/ مارس الفائت يقضي بإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد المتوسطة أمام الطلاب في سوريا حرصاً على سلامة الكوادر التعليمية التابعة لها في مناطق المعارضة شمال غرب سوريا.

وقالت وزيرة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة الدكتورة هدى العبسي، خلال حديثها لموقع “أنا إنسان”: “أن وزارة التربية والتعليم، قررت إغلاق المدارس في المناطق المحررة للحد من تفشي فيروس كورونا، وبدأت فعلياً العمل على نظام التعليم عن بعد، بالتعاون مع المدرسة الرقمية السورية التي تمتلك 2700 فيديو تعليمي يتناول مناهج وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، للمرحلتين الإعدادية والثانوية، لضمان استمرارية تعليم الطلاب من منازلهم”.

وأضافت: “في الظروف الطبيعية التعليم الصفي والاتصال المباشر هو الأفضل لما يحمله من تفاعل بين الطالب والمعلم، ومعرفة مستويات الطلبة ومتابعة سلوكهم وتعليمهم الأخلاق والقيم الإيجابية، ولكن استمرار الحرب وتفشي الأوبئة باتت المدرسة الرقمية الحل الوحيد للحفاظ على سلامة الطلبة، حيث ستقوم وزارة التربية والتعليم عرض الدروس عبر قناة على تطبيق اليوتيوب وقناة تلفزيونية”.

 

 

ويعتبر التعليم عن بعد في غاية الصعوبة في ظل عدم توفر الانترنت لدى كافة العوائل السورية في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، وصعوبة تأمين الأمور الأساسية للمنزل لاقتناء الانترنت الذي يعتبر من الرفاهيات الاستثنائية.

 سامي عبد الرزاق، وهو طالب في السنة الرابعة قسم اللغة الإنكليزية في جامعة حلب في المناطق المحررة قال لموقع “أنا إنسان”: “إن جامعة حلب بدأت العمل في نظام التعليم عن بعد عبر تطبيق (zoom)، لكننا نواجه العديد من الصعوبات من بينها انقطاع الانترنت، وعدم توفره دائماً، مما يعقد مسألة التواصل خلال المحاضرات، ولا يمكن أن يصل إلى مستوى التعليم عن بعد بنظام أونلاين للتفاعل بشكل مباشر مع المحاضر”.

 

ووقّعت المدرسة الرقمية السورية، التي توفر دروسها عن بُعد، بروتوكول تعاون مع الحكومة المؤقتة، تمنح بموجبه الأخيرة الشهادات الدراسية لطلاب المدرسة. كما لديها بروتوكول تعاون مع جامعة رشد الافتراضية لقبول أي طالب يتخرج من المدرسة، وتأسست المدرسة الرقمية مطلع عام 2012 في مصر، بعد هجرة السوريين إليها، ولمواجهة صعوبات الاندماج مع النظام التعليمي المصري، حيث قدمت خدمات تعليمية للسوريين في مختلف البلدان التي هاجروا إليها خلال السنوات السابقة عبر موقعها على الإنترنت.

المنسق العام للمدرسة الرقمية عبدالله زنجير قال لموقع “أنا إنسان”: “إن السوريون واجهوا العديد من التحديات وأبرزها توقف التعليم نتيجة عدم الاستقرار واستهداف المدارس من قبل قوات النظام السوري، والهجرة إلى البلدان المجاورة مما شكل عائقاً أمام استمرار العملية التعليمية، ونظراً للحاجة الماسة للتعليم، أُنشأت المدرسة الرقمية، لتسد ثغرة واجهها السوريين طيلة السنوات الفائتة”.

وأضاف: “التعليم الرقمي أصبح بديلاً ومعتمداً عن التعليم الصفي في مختلف بلدان العالم خشية انتشار فيروس كورونا، ويتابع المدرسة الرقمية ألاف الطلبة السوريين في الوقت الراهن”. كما أوضح: “أن الطلبة الذين التحقوا بالمدرسة الرقمية اعتمدوا فيها على التعلم الذاتي، وخاصة في المناطق التي تعرضت للحصار مثل الغوطة وريف دمشق وريف حمص، وتتزايد أعداد الطلبة كلما أضيفت خدمة جديدة لمشاريعها المتنوعة، والتي تستهدف إنقاذ الواقع التعليمي في سورية”.

 

 

الطالب يوسف حافظ، في الصف الثامن الإعدادي، بدأ مؤخراً في متابعة دروسه على موقع المدرسة الرقمية في تطبيق يوتيوب، بعد تعليق الدوام في مدرسة ثانوية مارع للبنين، حيث يحصل على الهاتف الجوال الخاص بوالده لمدة ساعتان يومياً، خلال حديثه لموقع “أنا إنسان” قال: “إن التعليم عن بعد مريح والدروس التي تقدمها المدرسة الرقمية مفيدة جداً وأستطيع من خلالها فهم الدروس وحل الواجبات بشكل يومي”. وأضاف: “أتابع يومياً عبر قناة اليوتيوب محاضرتان وأقوم بحل الواجبات بعد التأكد فهم الدرس، وفي حال واجهت فكرة غير واضحة أعيد الدرس مجدداً، وهذه الإمكانية لم تكن موجودة في المدرسة الرسمية، إلا أنني لا أستطيع تأمين الانترنت بشكل دائم”.

واعتبر الأستاذ زكريا العثمان، والذي ينحدر من مدينة الباب بريف حلب الشرقي ويحمل إجازة في كلية التربية قسم الإرشاد النفسي، خلال حديثه لموقع “أنا إنسان”: أن المدرسة الرقمية هي مدرسة رديفة للمدرسة الرسمية، ولا يمكن التخلي عن الثانية إلا في الحالات الاضطرارية مثل انتشار الأوبئة والقصف والنزوح، ومن هنا تكمن أهمية المدرسة الرقمية التي تعمل على تدارك تقصير الطلبة في التحصيل العلمي، وأرى أننا بحاجة إليها حتى في الأوضاع الطبيعية”.

وأضاف: “بإمكان الوالدين توفير الموبايل أو كمبيوتر للتلميذ لتعويض التقصير في هذه المرحلة، من إغلاق المدارس، ومن خلال ذلك يتحول إلى التعلم الذاتي دون الحاجة إلى مخالطة الناس والتعرض لخطر الإصابة بالأوبئة”.

 

وقال مدرس الرياضيات في ثانوية مارع للبنين، أحمد العلي لموقع “أنا إنسان”: “أن المدرسة الرقمية هي وسيلة لشرح المنهاج، ولا يمكنها اجراء اختبارات للطلاب لتحديد المستوى الذي وصل إليه الطالب، ولا يمكنها منح الطلبة شهادات تخولهم استمرار تعليمهم، وهذا ما يجعلها غير قادرة على تحقيق تعليم ناجح”. وأضاف: “التعليم الرقمي لا يحقق استفادة كالتعليم الرسمي لأنه كلما كان هناك اشراك حسي للطالب كلما ارتفعت نسبة تعلمه من المنهاج”.

وبينما يفتقر السوريون في شمال سوريا إلى إمكانية التعليم عن بعد، قام مدرس الصف الرابع في مدرسة الشهيد أسامة بكور، الواقعة في مدينة مارع أحمد الخطيب، بإنشاء غرفة على تطبيق WhatsApp لمتابعة التحصيل العلمي لتلاميذ الصف بعد تعليق الدوام في المدرسة. وخلال حديثه لموقع “أنا إنسان” قال: “أنه يواجه العديد من الصعوبات خلال تعليم تلاميذه عبر الهاتف الجوال، أبرزها: عدم توفر أجهزة رقمية حديثة تمكنه من تصوير الدروس وإرسالها إلى التلاميذ، وعدم وجود أجهزة رقمية لدى كافة التلاميذ، وندرة اهتمام العائلات في تعليم أبنائهم ومتابعة تحصيلهم العلمي، وكذلك عدم توفر الانترنت لدى الكثير من العائلات”.

وأوضح: “أن بعض المواد تحتاج إلى تعلم تفاعلي مباشر بين المعلم والتلميذ، لذلك لا يصلح معها التعلم عن بعد، الذي يعتبر متمم للتعليم الصفي” وأكد: أن نسبة استفادة التلاميذ من التعليم عن بعد ضعيفة جداً ولا يمكنها تحقيق تعلم آمن لهم خالي من المشاكل.

 

ويبدو أن التعليم عن بعد في الشمال السوري في غاية الصعوبة، لأسباب عديدة أبرزها عدم قدرة الأسر السورية على اقتناء أجهزة رقمية كالهاتف النقال أو الحاسوب، وفي حال بدأ تنفيذه يجب أن يكون لدى كل أسرة، حاسوب مع سرعة جيدة للإنترنت، وهذا مستحيل جداً توفره لدى كافة الأهالي في الشمال السوري نظراً لعدم قدرة العوائل على توفيرها لأبنائهم بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي تواجههم.

 

حسين الخطيب

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *