أخبار
ثأر كليب

ويل لثأرك يا كليب

يارا شامية 

هناك على اليمين قليلاً قرب لوحة دافنشي المفضلة لدي عشية رأس سنة 2011 ،التقطنا الصورة الأخيرة لنا في منزلنا الكائن بحي القابون الدمشقي (يتوسط أبي وأمي الأريكة وأختي تقف بجوار أبي كم تبدو شقيّة وأنا على الجانب الآخر أتمايل بدلال على كتف أمي كما خصلات شعري المتناثرة وأخي يركض ثم يحشو نفسه في أسفل الصورة )
الصورة كما عرّفها بعض الفنانين هي القدرة على تجميد الزمن في لحظة والاحتفاظ بها .. لكن لم يدرك من تشدّق بهذا الهراء أن بإمكان صورة أن تجمّد حياتك .. عالمك .. أن تغدو سجين صورة تسكنك وتسكنها.
تعيش لحظتها ثم تعيد تكرارها كأي معزوفة موسيقية لا تريدها أن تنتهي ..
تعيد …. وتعيد
حتى الأن بعد خمس سنوات نزوح لازلت أذكر بيتنا بكل تفاصيله ،
غرفة الضيافة التي تضم ” كنبات حفر ” يتباين فيها اللونين الذهبي والبني ،تجمع الأصالة والحداثة في آن معاً يتوسطها لوحات فنية وإكسسوارات فضية مميزة فيها قضينا أحلى الأمسيات مع الأقارب والأصدقاء .
أما غرفة الجلوس تتميز بديكور بسيط مؤلف من طقم شرقي ووسائد مخملية ، يتوسطها تلفاز يجمعنا كل مساء لنتابع مسلسل السهرة ثم يروي كل منا حكاياته للآخرين ونتجادل بقضايا العائلة .
ثم غرف النوم بأثاثها الهادئ وستائرها ذات اللون الأرجواني ، ومطبخ يضم الأواني النحاسية وقطع الزينة الزجاجية عدة للطهي وأخرى للحلويات تجلس أمي ساعات طوال تعد لنا أشهى الأطباق الشرقية لا زلت لليوم اشتم رائحة “الكبة والشاكرية واليبرق والملفوف ” التي كانت تفوح من مطبخنا .
لن أنسى أريكتي ،غرفتي، المنضدة الصغيرة في تلك الزاوية كانت تتناثر أقلامي ،دفاتري وكتبي ذاك الركن الصغير منه دخلت أسوار الجامعة ونلت شهادة الثانوية بمعدل ممتاز ،ركن كنت أقضي فيه ما يقارب العشر ساعات يومياً.
كل هذا أصبح محض ذكريات انتقلت معنا لبيت الأجار كأحلامنا وأيامنا التي باتت مأجورة برسم مسبق أو لاحق الدفع.
أجلس كل مساء وأتابع بلهفة أخبار حينا تقول أنباء أن الجيش سيحرر القابون ويبشر الأهالي بالعودة لدورهم.
أضحك وأقول في نفسي ما قالته اليمامة للزير سالم لحظة مصرع أبيها وائل بن ربيعة أنها تريد كليب حياً.
وأنا يا عمي الزير ويا بني بكر وتغلب أريد كليب حياُ، أريد بيتي بكل تفاصيله حتى الصغيرة منها ،أريد جاراتنا خالتي أم محمد وأم سعيد وأم العز .

أريد شباب الحي الذين ركبوا البحر إلى أوروبا هرباً من ويلات الحرب ، وبنات حارتنا الذين زوجوا عالصورة وسيقوا كالنعاج لدول الخليج .
أريد ياسر السمان الذي راح ضحية إحدى قذائف الغدر التي استهدفت العاصمة دمشق ، أريد خمس سنوات بدل ضائع من عمري .
أما أنت يا كرم أثمن ما أتمنى وأريد ، كرم أخي وحبيبي ،صديق طفولتي ، رافقني منذ حملنا حقائب المدرسة حتى دخلنا الحرم الجامعي لينال هو شرف الشهادة وأنال أنا بضع وريقات تسمى “ليسانس”
كرم أخي الأكبر سناً شريك أحلامي التي ذبحت معه في أقبية الحقد، أقبية مخابرات النظام السوري .
الأعمار بيد الله لكن ثق تماماً يا عمي الزير أن رأس جساس بن مرة لن يكفيني “كليب ببكر كلها”

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *