أخبار

غوطة إدلب تجود بالخير على مهجري غوطة دمشق

منتصر أبو زيد

لم تنته إبداعات أهالي الغوطة الشرقية بعد تهجيرهم إلى الشمال السوري، ولم تتوقف حياتهم بعدها، إنما قرروا المثابرة على تحدي ظروف الحياة الصعبة مثلما تألقوا بإبداعاتهم التي جابهوا فيها سنوات الحصار الخمس.

صناعة “قمر الدين” كانت من الصناعات التي هُجّرت مع أربابها إلى الشمال السوري، إذ طالما كانت “مساطيح” قمر الدين تنتشر بين بساتين الغوطة الشرقية، وبعد تكوين المنتج بصورته النهائية يتم تصديره إلى مختلف أنحاء العالم، أما اليوم فأصبحت صناعة قمر الدين من الصناعات المنتشرة في محافظة إدلب، وأصبح سكان المحافظة يشاهدون لأول مراحل صناعته.

لم يعتد أبو سعيد المهجر من الغوطة الشرقية على البطالة، فهو يعمل في صناعة قمر الدين منذ نعومة أظفاره، وبعد التهجير وجد نفسه بعيداً عن مهنته التي كبرت معه وكبر معها، يقول أبو سعيد: «لا يمكن للمستحيل أن يوقف العزيمة، فقررت صناعة قمر الدين في منطقة جغرافية لم تعهد هذا النوع من الصناعات من قبل، فقلما تزرع أشجار المشمش في محافظة إدلب، ولا تتوفر الآلات والمعدات المناسبة للإنتاج، كما لا تتوفر المواد الأولية. لكن طرف خيط الحلّ كان في مدينة حارم التي تدعى “غوطة إدلب” بسبب توفر فيها أشجار الفواكه الصيفية، كالتي تزرع في الغوطة، وكان المشمش إحداها، والمشمش طبعاً هو المادة الرئيسية في صناعة قمر الدين».

بعد ضمان تأمين مادة المشمش، صنّع أبو سعيد، يدوياً، آلات ومعدات الإنتاج اللازمة كآلات الغسل والفرم والعصر والتنظيف النهائي وأخشاب المسطاح، واستهلك ذلك وقتاً وجهداً بسبب جمع الأفكار والبحث عن الأدوات وتجميعها وتركيبها، ثم توّج العمل ببدء الانتاج والتسويق، وتتطلب صناعة قمر الدين؛ المشمش والسكر والقطر الافرنجي “الغلوكوز” والماء، إضافة إلى الخبرة الواسعة.

تؤمن ورشة أبو سعيد فرص عمل لحوالي 15 عامل جميعهم من مهجري الغوطة، كما استثمر أبو سعيد أرضاً جرداء مساحتها 8 دونم، وعاد ريع الأجرة لأصحابها، وحولها إلى مسطاح لعرض المادة المصنعة تحت أشعة الشمس وتجفيفها، كما ساعد المشروع في استهلاك مادة المشمش الناضج والعودة بالفائدة على الفلاحين، إضافة لذلك تم تنشيط عمل ورشات الخشب اللازم لصناعة أحواض التجفيف، وأيضاً تحريك السوق التجاري من خلال استهلاك كميات كبيرة من السكر والغلوكوز، ويسوق أبو سعيد منتجه من قمر الدين في مختلف مناطق الشمال السوري، حيث لاقى ترحيباً واسعاً بين المواطنين، إذ يعد شراب قمر الدين من العصائر الطبيعية المفضلة.

أبو فارس مهجر آخر عن الغوطة الشرقية. لا تختلف قصة نجاحه كثيراً عن قصة أبو سعيد من حيث المضمون، لكنها تختلف من حيث الشكل، إذ لاحظ أبو فارس، بعد تهجيره من الغوطة الشرقية وسكنه في عفرين، اكتفاء أهل عفرين الأصليين بتربية أشجار الزيتون وعدم زراعة الخضار، وبديلهم الشراء بأسعار مرتفعة من مناطق أخرى، لذلك قرر أبو فارس الاعتماد على خبرته في زراعة الخضار بأنواعها كالبندورة والخيار والكوسا إضافة إلى الخضراوات التي لا تزرع أصلاً في الشمال السوري وتلاقي طلباً لدى المهجرين كالفاصولياء العريضة والكزبرة .

استأجر أبو فارس أرضاً مساحتها 5 دونم من مالكها، وبصعوبة حصل البذار اللازمة للزراعة وعلى المبيدات الحشرية المناسبة، كما عانى أيضاً من عدم توفر أدوات الحراثة والتقطيع المطلوبة لهذا النوع من المزروعات، وللاستفادة القصوى من المشروع اشترى أبو فارس عدداً من خلايا النحل ووزعها بين المزروعات ليقوم النحل بتلقيح الخضار وبإنتاج العسل في آن واحد، حيث يقوم أبو فارس بنقل الخلايا من مكان إلى آخر للحصول على عدة أنواع من العسل بحسب نوع الأزهار التي يطوف عليها.

تمكن أبو فارس من تذليل المصاعب في موسمه الأول وعرف طبيعة الأرض واحتياجاتها من السقاية والحراثة والسماد، كما أصبح بإمكانه تأمين البذار اللازمة لمشاريعه المستقبلية من محصوله الحالي.

يسوق أبو فارس الآن محاصيله في سوق الهال بعفرين لكن بأسعار أقل من المنتجات القادمة من مناطق أخرى، كما يقدم منتجات زراعية كالفاصولياء العريضة والكزبرة لم تكن تزرع سابقاً في الشمال وتلاقي إقبالاً كبيرة لا سيما بين المهجرين، كما يقدم أبو فارس أنواعاً ممتازة من العسل الصافي الطبيعي لكن بكميات قليلة بسبب قلة المساحات المزروعة لديه.

يوفر أبو فارس حوالي 10 فرص عمل للمهجرين تتنوع وظائفهم ما بين الحراثة والري وجني المحاصيل، كما يحصل العمال على احتياجاتهم المنزلية من المنتجات، ويسعى أبو فارس لتوسيع مشاريعه الزراعية بحيث تزيد المساحات المزروعة فتزيد الأيدي العاملة ويزيد الانتاج.

قصص نجاح المهجرين في تذليل العقبات وتحدي مشاق الحياة لا تقف عند أبو سعيد وأبو فارس، فهناك مئات المهجرين الذين يعملون بصمت ويبدعون دون أن يشعر بهم أحد، وبالتوازي مع ذلك، آلاف السوريين الذين حققوا نجاحات باهرة فصار كل منهم حكاية تستحق أن تحكى.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *