أخبار

معذرة… لن تقوم القيامة لأجلنا

محمد السلوم

 منذ بدأ وعينا بالتشكّل ونحن نُحقن بعبارات أندريه بارو: لكل إنسان متحضّر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم وسوريا، وعبارات حافظ الأسد التي تجعل من سوريا بلداً محورياً في العالم ونقطة توازن أوحد، وأقوال ونصوص دينية لا تنتهي كلها تؤكد على الصفات الخارقة لسوريا والسوريين، لدرجة أننا بتنا على قناعة أن الناظر لكوكب الأرض من الفضاء لن يشاهد إلا سوريا، بل هذا ما قاله حقيقة رائد الفضاء السوري محمد الفارس، الذي أجرى هو الآخر 13 تجربة علمية خلال وجوده في الفضاء، الرقم الذي أذهل السوفييت لاستحالة أن يقوم به إنسان عادي!

ومع بدء الثورة واستفحال القتل، وصعود التوجه الإسلامي سادت الرؤيا التي تؤكد أن ماتعيشه سوريا هو واحدة من العلامات الكبرى لقيام الساعة، وبدء نهاية العالم؛ إذ لا يمكن أن يستمر العالم كما هو مع كل هذه الدماء (السورية).

وحتى اليوم ما زالت هذه الرؤيا تلقى رواجاً متصاعداً؛ فالفصائل الجهادية تعلن بوضوح أن جهادها في الشام باق حتى قيام الساعة، وأصحاب البحث عن الخلاص الإلهي يجدّون في البحث عن روايات جيش أصحاب الرايات السود، وكيف سيشترك العرب مع الروم في حرب ضد الفرس، وكيف ستحدث المقتلة العظيمة في دابق، وكيف سينحسر نهر الفرات عن جبل من الذهب، إلى ما لا نهاية من الروايات التي تجد جمهوراً عريضاً في فترات الانكسار والشعور العام بالهزيمة والضياع عبر التاريخ، تماماً كما حدث في معركة الجمل، واستباحة الحجاج لمكة، والاجتياح المغولي، والحروب الصليبية.

كنتُ حتى وقت قريب أرى في القيامة حلاً لما نحن فيه ونهاية مؤكدة، وكنتُ أحفظ جيداً الأحاديث والمرويات التي تتحدث عن نهاية العالم وأربطها بمهارة بالوضع السوري، ولكن الأشهر القليلة التي قضيتها في تركيا العام الماضي، كانت كفيلة بإفساد الأمر برمته، إذ من الواضح أن الاتراك لا ينتظرون يوم القيامة! وهو ليس قريباً بالنسبة لهم، إذ يبدو أن لديهم متسع من الوقت ليعملوا ويبنوا بلدهم ويحققوا نهضتها، وفق المقولة الإسلامية/الوجودية: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً..

إن الدماء السورية لاتعني اقتراب نهاية العالم بالنسبة للأتراك، وهم الدولة المحاذية لنا، فما بالنا بدول أخرى قد لايعرف شعبها عن سوريا أكثر من اسمها، كتشيلي مثلاً؟ لابد أن قيام الساعة لأجل السوريين بالنسبة لتشيلي هي فكرة تثير السخرية!

من جهة أخرى؛ من سمع منا عن مجازر راوندا بين التوتسي والهوتو والتي ذهب ضحيتها مليون قتيل؟ لابد أن لديهم حكايات عن مذابح ومجازر وحالات اغتصاب أشد هولاً مما لدينا بكثير، ومع ذلك لم تقم القيامة لأجل دمائهم أو لأجل دماء إخوانهم في سربينيتشا أو حلبجة، فيما كانوا يُذبحون كنا نعيش حياتنا بشكل طبيعي، كما يفعل العالم اليوم.

إن الأشهر التي قضيتها في تركيا والتي أفسدت عليّ الحل لمأساتنا، جعلتني مولعاً بالملاحظة، لأكتشف أننا دائماً ننظر إلى العالم من داخل ذواتنا، من انتفاخنا السوري، وقناعتنا أن الله حين خلق العالم فإنما خلقه لأجل السوري فقط، فدول الخليج لم تنهض إلا بفضل العمالة والعقول السورية، والأطباء في أوربا كلهم سوريون، وهتلر كان مستعداً لاحتلال العالم لو كان لديه جندي سوري! ومعدل ذكاء السوري هو الأعلى بين باقي شعوب العالم، والعالم لم يعرف الحضارة إلا بفضل الإنسان السوري!

إن مركزيتنا السورية في النظر إلى العالم عجيبة حقاً، وهي بدل أن تكون محركاً ودافعاً للفعل لتأكيد التفوق المزعوم، كانت عاملاً مثبطاً ومعوقاً لأي نجاح، فنحن على القمة أصلاً، ولا موجب لأي شيء آخر.

هذه المركزية السورية تنسحب أيضاً على الفرد السوري؛ فكلّ منا هو السوري الأذكى، والأعرف بخوافي الأمور، والأكثر أيماناً وقرباً من الله، والأكثر براعة في كل شيء.

لذلك لايقبل السوري أن يندمج مع باقي السوريين في فصيل مقاتل واحد، لأنه هو وحده من سيحقق النصر.

ولايقبل المعارض السوري الاستماع للمعارض الآخر لأنه وحده يعرف كيف سيحل الأزمة السياسية، هو أصلاً يملك مفاتيح كل القضايا المقفلة!

ولايقبل الناشط السوري العمل مع ناشط آخر، لأنه وحده يعرف احتياجات الأرض وكيفية العمل.

ولذلك بات لدينا اليوم عدد هائل من الفصائل المقاتلة والمؤسسات المعارضة والمنظمات المدنية وجميعها ترفع الشعارات نفسها ولكنها تفعل.. لاشيء! بل تحترف الفشل، وفي أفضل الأحوال؛ محاربة بعضها البعض.

ربما علينا أن ننظر إلى أنفسنا بمرايا مقعّرة، ترينا حجمنا الحقيقي، بعيداً عن الانتفاخ الكاذب، علينا أن ننظر إلى الخلف قليلاً إلى السنوات الماضية من عمر الثورة لنرى كم الأخطاء والفشل الذي راكمته أنانيتنا وعنصرية ذواتنا.

علينا أن نضع ذلك نصب أعيننا دائماً، وأن نفكر جدياً بقيامتنا نحن، القيامة السورية، قبل أن نطالب العالم بالخراب لأجلنا!

 

*محمد السلوم – كاتب سوري 

التعليقات: 3

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *

  1. كنا ومازلنا نقول أنها ثورة كاشفة و(وسقط القنتع عن القناع …إلخ) مع أنها في الحقيقة عَرتنا قبل كل شئ إلا أننا وكعادتنا نظرنا بعيدا ولم نرى سؤاتنا , أحسنت كماأنت دائما .