أخبار

الثورة تصنع رموزها

كانت الرموز وما زالت في غاية الأهمية لقيادة حركات التغيير في المجتمعات البشرية، فالأديان السماوية على سبيل المثال ارتبطت بأنبيائها ورسلها، وكذلك التحولات الجذرية التي طرأت على كثير من المجتمعات في العالم دائماً كانت مرتبطة بأسماء لامعة مثل: غاندي – جورج واشنطن – سيمون بوليفار – مارتن لوثر كينغ – تشي جيفارا – لينين- ماوتسي تونغ – فيدل كاسترو – نيلسون مانديلا… وغيرهم

والسؤال: هل كان هؤلاء الأعلام قادة ورموزاً قبل ثوراتهم؟

وهل هم الذين صنعوا هذه الثورات أم أن الثورات هي التي صنعتهم؟

في البداية علينا أن نعرف أن الثورة هي خروج عن الوضع الراهن، وتغييرُ الواقع إلى الأفضل عن طريق حراك جماهيري غاضب، وهذا الحراك يكون نتيجة تراكمات طويلة من الاستبداد والقمع والظلم، بحيث تتوجه إرادة الجماهير إلى قرار واحد، وهو الخلاص مهما كانت الأثمان،

والثورة عندما يشتعل فتيلها فإن كل غاضب فيها يكون موقِداً لجمرةٍ منها، بمعنى آخر فالثورات ليست مؤسسات ولا شركات تختار موظفيها،

 هل رأينا في حياتنا ثورات تعلن عن وظائف شاغرة تشترط على شاغليها أن يكون لديهم مثلاً (خبرة 5 سنوات بقيادة الثورات وزعامتها) ، أو (إتقان فنون قيادة الجماهير وتوجيه الوعي العام) أو (إجازة جامعية في إشعال الثورات على الطغاة والديكتاتوريات)؟!!

وهل من جامعة أو مدرسة أصلاً تقدم لمنتسبيها علوماً تتعلق بهذه الأمور؟

هل للثورات من امتحانات قبول ليكون الثائر فيها مقبولاً؟

هل تشترط عليه أن يقدم لقبوله سيرة ذاتية؟

هل تغلق الثورات أبوابها عن الانتساب إليها؟ أم أن الرموز الذين يسطع نجمهم بين الجماهير الثائرة لم يكونوا أكثر من أشخاص لديهم أفكار ورؤى تفاعلوا مع حركة مجتمعاتهم الثائرة، وأوقدت الثورات جذوة أفكارهم ورؤاهم، ومنحتهم القوة والشجاعة والثبات فكانوا ثواراً مميزين، فارتفع صوتهم بين الجماهير ، ولمعت أسماؤهم وصاروا أعلاماً ورموزاً وأيقونات؟

حتى إن هؤلاء الرموز ليس بالضرورة أن يبقوا رموزاً، وأن يحافظوا على مكانتهم بين الجماهير ذلك لأن الثورة مراقب شديد، تستمد شدتها من صحوة الجماهير التي أشعلتها، فإن حادت عن روح الثورة وأهدافها فإن الثورة سرعان ما تلفظهم وتستبدلهم.. وخصوصاً إذا جعلوا من الثورة مطية لهم لاستبداد جديد يعتلون عرشه،

فهاهو “روبسبير” الذي لمع نجمه في الثورة الفرنسية بخطبه الحماسية وأحاديثه البارعة، حتى صار بلا منازع القائد الأبرز بين قادة الثورة، هاهو يسقط بجدارة على أيدي الجماهير الثائرة أنفسهم، وذلك عندما استأثر بقيادة الثورة لنفسه، وأخذ يتخلص من جميع منافسيه بإعدامهم بتهم خيانة الثورة، فإذا به بعد أقل من عام تقتحم الجماهير الثائرة عليه دار البلدية وتقتاده إلى المقصلة وتعدمه بتهمة الخيانة العظمى.

 والثورة السورية ثورة حرية وكرامة أشعلتها الجماهير ومهما لمعت فيها أسماء وخفتت تبقى منهجاً ودرباً معبّداً ممتداً يتجه نحو الواقع الأفضل الذي ابتغيناه مستقبلاً لنا…

ثورتنا لا تُختزل بأشخاص فتعيش إن عاشوا وتموت إن ماتوا، ولا تعلو إن علوا وتسقط إن سقطوا، بل هي حية تستمد أنفاسها من كل قطرة دم بُذلت فيها،

وحتى الأنبياء الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى للناس بالهداية أمر الناس أن يقتدوا بـــ (هداهم) بطريقهم بنهجهم بالدين الذي أتوا به وليس بهم –أنفسهم!- فقال سبحانه: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ …. (90) ) الأنعام (بهداهم وليس بهم)

 

سهير أومري – كاتبة وإعلامية سورية 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *