أخبار

“القيصر” ينتظر تزامناً مع تفشّي العقوبات الاقتصاديّة

دفع رجل الأعمال السوريّ “رامي مخلوف” في الآونة الأخيرة علينا ثلاث مقاطع مصوّرة يتحدّث فيها بصوتٍ غريب مقارنةً بمكانته في السوق السوريّة عن الخلاف الحاصل مع الدولة السوريّة التي تطالبه بدفع ضرائب اتصالاتيّة مفروضةً على شبكة الاتصالات السوريّة “سيرياتيل”، فمخلوف المساهم في شركاتٍ سوريّة وعالميّة لم يتوانى عن دفع ضرائبه طوال المدّة الأخيرة بحسب قوله. يبدأ الفيديو الأوّل بلهجةِ عامل و”خادم” للدولة السوريّة بحسب وصفه ليحوّلها لعتب كبير على اعتقال موظفيه في الفيديو الثاني حتّى تباين بعض التهديدات بين السطور في الثالث، ثمّ فجأة تضربه الدولة السوريّة بقرار حجز أملاكه وأملاك عائلته كافّة لامتناعه عن دفع الضرائب.

 الغريب في قرار الحجز بأنّ غالبيّة أملاك عائلة مخلوف في الخارج، وتحديداً في روسيا ودبي، حيث قاموا بحسبان هكذا خلافات ليشتروا عقارات ويودعوا أملاكهم في الخارج، ثمّ إنّ الطرفان – رامي مخلوف والدولة السوريّة- يملكان بيانات لا تكذّب ما أقرّه كلاهما، فمخلوف لديه وثائق تبيّن دفعه للضرائب المترتّبة على شركته طوال السنين الأخيرة، والدولة السوريّة تملك وثائقاً معاكسة للطرف الأوّل، وبذلك جلسنا نحن كسوريين نراقب ارتفاع سعر صرف الدولار مع كلّ ظهور حقّقه السيّد مخلوف، لنجلس كمراقبين خارجيين يعدّون المتأثّرون الأوائل بخلافاتٍ لم نجد لها تفسير لعدم ظهور وجهٍ حكوميّ يفسّر على الإعلام ما الذي يحدث ولماذا!.. لماذا لم يحاسب كلّ الفاسدين مثل هذه المحاسبة!!

في مقابل الصمت الكامل للإعلام السوريّ؛ تحدّثت عدّة مصادرصحفيّة غربيّة عن أسباب الخلاف الحاصل والذي بالمحصّلة يرتبط بالدَين السوريّ لروسيا بعد مشاركتها اللافتة في الحرب السوريّة ودفع مبالغ طائلة تقدّر بالمليارات (من عتاد عسكريّ وجنود وطيران إلخ..)، تشير بعض المصادر إلى أنّ أميركا قد حذّرت روسيا منذ البداية إلى التراجع عن التدخّل العسكري في الحرب السوريّة لتفادي هذا الصرف الكبير لعتادها وأموالها، فبعد خمس سنين استفاقت روسيا لتطالب الدولة السوريّة بدين المشاركة الحربيّة والذي يبلغ 3 مليار دولار، فبدأت قرارات فرض الضرائب بالهطول على “رامي مخلوف” الذي رفض مبدأياً دفعها فارتأت زوجة الرئيس السوريّ “أسماء الأسد” بطلب المساعدة من ابن خالتها  “الدباغ” صاحب شركة تكامل للبطاقات الذكيّة في سوريا إضافةً لتسجيل الحصّة الكبرى لشقيق “أسماء الأسد” -وقد حصّلت هذه الشركة العديد من الملايين بعد بدء العمل بها-  حسب هذه المصادر الصحفيّة، وبذلك بدأت “أسماء الأسد” بحربٍ مع مخلوف حتّى قرار الحكومة السوريّة بحجز أملاكه، فظهرت منذ فترة على الإعلام لتقديم “منحة ماليّة” على جرحى الجيش السوريّ لتنافس الأعمال الخيريّة التي ادعاها مخلوف، لتبدي لفتتها السياسيّة ضدّ رجل الأعمال السوريّ “رامي مخلوف” بعدما شارك بنشر فضائح –لم يؤكّد صحتها حتى اليوم- بشراء الرئيس لوحة تقدّر ب 30 مليون دولار لزوجته، إضافةً لوجود خلافات بين الرئيس بوتين والأسد والذي كذّبته كافّة مصادر الحكومة الروسيّة مقابل التجاهل السوريّ.

تلعب روسيا اليوم على كافّة الأطراف والحلفاء، فبعد اجتماعها الأخير مع إيران وتركيا تناقضت الآراء الصحفيّة والسياسيّة عن نتيجة هذا اللقاء وخاصّةً بعد زيارة مسؤول إيرانيّ لسوريا في ظلّ أزمة كورونا! كما أنّ الاحتفالات الروسيّة بمناسبة ذكرى انتصارها على النازيّة خارج حدودها وتحديداً فوق بحر اللاذقيّة “بقنابلٍ مضيئة” تعدّ إيماءاً سياسيّاً قويّاً يشير للسيطرة الروسيّة على الأرض السوريّة والذي لا ينفصل عن سابق ما ذكر في المقال.

على جانب الشعب السوريّ الذي لم يطاله من هذا الخلاف شيء سوى الغلاء الكاسر لليرة السوريّة والمعد لأيّامٍ سوداء ستجرفه لانحدار اقتصاديّ لم تشهده البلاد سابقاً بهذا الحجم، حيث كنّا نتخوّف من النزول للمستوى الاقتصاديّ اللبنانيّ إلّا أنّنا سنسبقه لنخيّم في قاع المجاعة الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وعلى كافّة الأصعدة، فالسوريّ اليوم لم يصمت على واجهات مواقع التواصل الاجتماعي وبدأ الخوف ينحسر تجاه موجة الفقر المحلّقة فوقه.

وفوق كلّ ما سبق سيفاجئ السوريّون بقانون “سيزر\ قيصر” الأميركيّ والذي سيبدأ العمل به في بداية الشهر السادس من العام الحاليّ، ليترأس “القيصر” المجاعة السوريّة ويفرض عقوبات اقتصاديّة على الدولة السوريّة لمنعها من استيراد أيّ مادة كانت، إضافةً لفرض العقوبات على الدولة التي ستعطيها أو تمدّها بأيّ شيء، وبذلك لا روسيا ولا أيّ حليف سيستطيع انقاذ السوريّ من الانحطاط الاقتصاديّ الذي بدأ آنفاً، لنبدأ مرحلةً جديدة من الموت بكافّة ألوانه، لم تقارن بحقبةٍ سابقة.

إذاً هل درست روسيا نتائج الحرب الاقتصاديّة الجديدة التي قد تطالها مع بدء “القيصر” بعد خساراتها في الاقتصاد الداخليّ نتيجة فايروس كورونا إضافةً لمشاركتها في الحرب السوريّة؟

تترابط جميع الخلافات السابقة والاجتماعات السياسيّة وقانون “سيزر” ترابطاً متيناً، حيث تبيّن أميركا نيّتها من خلال القانون لفرض حلّ سياسيّ سلميّ يناسب السوريون بحسب تعبيرها، ولكن لم تطال هذه العقوبات سوى السوريّ ولم تفرض سوى بدء جنوناً مجاعيّاً جديداً داخل الحدود السوريّة المقسّمة على “الحلفاء”، لتعلن بدء حقبة جديدة في تاريخ المعارك الحربيّة والسياسيّة والاقتصاديّة السوريّة.

 

نسيم النعمان – صحفية سورية 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *