أخبار

وحدهن… وجوهن وعتم الطريق

يارا مطر

إلى لفحات الهواء الباردة… إلى عجلة الصباحات الراكدة… إلى ظلمات سحب ترجم بحنق خصلات الشمس المجهدة… إلى هنا… أجل هنا… حيث التيه المجنون منحوت على مراكب القدر… حيث المطر المثقل بلعنة تقيحات الضجر… وحيث يجتر العالم الأحمق على جثتي طقوس العربدة…

هزمني الحنين… أشعر بكفيه يطوقان ذاكرتي المشربة بضحكات البن والياسمين… أتحسس خطواته تصلب فؤادي بأوتاد سهاد تعهدته الشياطين… وأتتبع أنفاسه تسترق دعائي على عتبات رب العالمين… فألوذ ببركات المآذن تهمس بحي على الصلاة… وأنبس بخفقات رجاء أودعه السماوات… وأغفو على صبح يلوح في عتمة غدي الشاحب الحزين…

هنا، في منفاي القسري لا شيء يشبهني… هنا تشيح تباشير الحياة بناظريها عني… هنا أرسم الشام على وجنة الغربة فتصفعني… وهنا أجري خلف مرآتي الخرقاء فتهرب مني… أتفرس في قسمات وجهي التي باتت تعبر السنوات ما انكفأ الليل وطلع النهار… أحدق في شرود عيني وأحصي عمري الذي تجاوز القرن على طعنات الأقدار… وأتساءل ماذا يفعل هيكلي الطاعن في زمن أرعن تاه مني؟…

وأبحث عني… أجل عني… أتتبع بهلع سراب ظلي… ولا أجدني… أتقصى أحرف اسمي في الأزقة، في الطرقات… في الأروقة، في الشرفات… في وجوه باهتة مزقتها المتاهات… ولا أجدني… أعاود الجري خلف ظلي فيسبقني… أتوسل إليه فيزجرني… أتشبث بإزاره فينهرني… أوقن أنه لم يعرفني… أدرك أني ضعت مني…

وتبقى هلوساتي المجنونة تزفر حممها في براكين أعصابي… وتبقى عينياي صريعتا عراكي الأخرق مع غدي الضبابي… وتبقى نوبات الهذيان تتهيأ لتجهز على هشيم صوابي… فأستجدي ملامح المبعثرين من ذاكرتي إلى شتات الشطآن… أتأبط صدى ضحكاتهم المشبعة بنوار نيسان… وأتوسل ومضات لقاء يبلسم تقرحات عتابي… فتتسلل فيروز المتشحة بحرقة أمل قوضه الحرمان… تفكك بعينيها طلاسم قهوتي المتناثرة على جنبات الفنجان… وتهمس في مسامعي المتسمرة على عتبات محرابي: “وحدن بيبقوا، متل زهر البيلسان… وحدهن، بيقطفوا وراق الزمان… بيسكروا الغابي… بيضلهن متل الشتي يدقوا على بوابي على بوابي”…

يا زماااااان…

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *