أخبار

حفار قبور يدلي بشهادته حول جثث المعتقلين خلال محاكمة أنور رسلان

أثارت شهادة “حفار القبور” التي أدلى بها في الجلسة 31 الأخيرة الأسبوع الماضي، لمحاكمة مسؤولين سوريين على ارتكابهم جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، في مدينة كوبلنز غرب ألمانيا، كثيرا من الصدمة داخل قاعة المحكمة، خاصة بعد حديثه عن أعداد الجثث وكيف تم تشويها بسبب التعذيب ووجود أطفال ونساء بينها.

وخلال جلسة المحاكمة روى “حفار القبور” والذي لم يكشف عن هويته، تفاصيل مرعبة حول جثث المعتقلين التي كان ينقلها من أجل الدفن، حيث شارك في دفن عشرات الآلاف منها.

الشاهد سرد للمحكمة معلومات عن كيفية تطويعه مِن قبل ضباط السلطة السورية لـ تشكيل مجموعة تتراوح بين عشرة إلى 15 شخصا مِن أجل نقل الجثث إلى المقابر الجماعية، وذلك أربع مرات في الأسبوع، حيث كان يعمل قبل بداية الثورة السورية في مجال دفن الموتى بمدينة دمشق.

ففي يومي 30 و31 من محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب استدعت محكمة كوبلنز الشاهد للإدلاء بشهادته، حيث قال إنه تم تزويده بسيارة نوع “فان” لا تحمل أي أرقام وتم تزينها على جميع جهاتها بصورة رأس السلطة، بشار الأسد، كي تتمكن من التنقل من خلال حواجز التفتيش دون مساءله.

وأضاف، كانت القافلة التي تنقل الجثث تتكون في أغلب الأحيان من ثلاث برادات نقل، تحتوي نحو 300 جثة تسلك الطريق من مستشفى “تشرين العسكري” في حرستا بريف دمشق الشرقي، إلى مقبرتين جماعيتين كبيرتين في القطيفة شمال دمشق وفي نجها جنوب العاصمة.

وحدّد الشاهد المستشفيات التي تُنقل منها الجثث وهي “مستشفيا حرستا وتشرين العسكريان، ومستشفيا المواساة والمجتهد المدنيان”، وعن المشافي المدنيّة قال إن هناك مَن أخبره مِن داخل مشفى المجتهد أنهم “لا يقومون فقط باستقبال الجثث مِن الأفرع الأمنيّة، بل هناك عمليات قتل داخل المشفى أيضاً

وحين تأتي شاحنة التبريد التي تنقل الجثث، يتسلق رجال الشاحنة، ينتشلون الجثث، ثم يقومون برميها فوق بعضها في القبر بواسطة جراف، بحسب الشاهد الذي أشار إلى أن القبر يكون بعمق ستة أمتار ويمتد مسافة 100 متر، أي يأنه تسع للعديد من الدفعات من الجثث، إذ تنقل الدفعة الأولى ثم الثانية وهكذا، ويحتاج أحيانا 50 دفعة حتى يمتلئ.

وأكد الشاهد، أن الجثث كانت تأتي من سجون مختلفة من مختلف الأجهزة السرية، بما في ذلك سجن الخطيب التابع لجهاز المخابرات العامة وسجن صيدنايا العسكري، وكانت تأتي عارية ومشوهة وعليها علامات زرقاء، وبعضها بلا أسنان ولا أظافر أو من غير جهاز تناسلي، والوجوه مشوهة كأنها سقيت بسائل حمضي لكي لا تعرف.

وشدد أن جميع الأفرع الأمنية كانت ترسل جثثها إلى هذين المكانين، ما عدا الجثث القادمة مِن “الفرقة الرابعة” (التابعة لـ ماهر الأسد)، حيث تدفن الجثث في مطار المزة العسكري تحت مدرّج الطيران، وفرع المخابرات الجوية التي تدفن الجثث داخل الفرع نفسه.

وبين عامي 2011 و2017 كان هذا عمل الشاهد، بحسب إفادته داخل المحكمة، ثم انتقل ليعمل مرافقا في مكتب ضابط لم يسمه، لتنظيم قوائم الموتى، والتي لا تحمل سوى اسم الفرع القادمة منه وأرقاما دون أية أسماء.

ولفت إلى أنّ عدد الجثث خلال الأعوام الستة التي عمل فيها بلغ – وفق تقديره الشخصي، مليون إلى مليون ونصف المليون جثة، ثم أردف قائلا: “ربما 2 أو 3 أو حتى 4 مليون جثة، لا أدري ولكن العدد كبير جدا”.

وذكر الشاهد حصة فروع أمن الدولة (فرع الأربعين والخطيب وإدارة المخابرات العامة) من الجثث، فقد بلغت – حسب تقدير الشاهد – 50 ألف جثّة مِن الشهر العاشر 2011 وحتى نهاية العام 2012،وأن العدد بعد ذلك أصبح يقدّر بنحو 25 ألف جثّة سنويّاً مِن أفرع أمن الدولة فقط.

ومن المشاهد التي لا تغيب عن ذاكرة “حفار القبور” جثة تلك المرأة التي كانت في أسفل ردمة الجثث التي كان ينقلها لدفنها في مقبرة جماعية في دمشق، فالمرأة كانت لا تزال تعانق طفلها الميت بين ذراعيها. يتذكر الشاهد الذي كان حتى تلك اللحظة يتمالك نفسه، تلك الصورة، وينهار بالبكاء. تطلب القاضية الألمانية في محكمة كوبلنز التي تستمع لشهادة الرجل، استراحة ريثما يستعيد أنفاسه ويتابع بالقول إنها ما زالت عالقة في ذهنه أكثر من غيرها.

وأيضا تذكر تلك اللحظات التي شاهد فيها رجلا بين كومة من مئات أو آلاف الجثث، ما زال يتنفس، حتى أمر الضابط السوري المسؤول، بسير المجرفة التي كانت تحفر القبور الجماعية، فوق جسده، لتحوله جثة بين كومة من الجثث.

وتتميز هذه الجلسة عن بقية الجلسات، بأنها كانت مترجمة إلى اللغة العربية، بامتثال محكمة كوبلنز لقرار المحكمة الدستورية الاتحادية في 18 من آب الماضي، وبحضور صحفيين سوريين معتمدين داخل قاعة المحكمة، وفق ما نشره “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”.

وفي نهاية الشهر الفائت بدأت جلسات محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب في ألمانيا، ويتهم القضاء الألماني رسلان بالمسؤولية عن مقتل 58 شخصا وعن تعذيب ما لا يقل عن أربعة آلاف آخرين من نيسان/أبريل 2011 إلى أيلول/سبتمبر 2012، في فرع الخطيب، الذي كان يديره في دمشق.

أمّا إياد (43 عاما)، متهم بالتواطؤ في جريمة ضد الإنسانية لمشاركته في توقيف متظاهرين تم اقتيادهم إلى هذا السجن بين الأول من أيلول/سبتمبر و31 تشرين الأول/أكتوبر 2011.

يشار إلى أن هذه المحاكمة غير متعلقة بالدولة الألمانية، لكن وحسب قوانين حقوق الإنسان المطبّقة في ألمانيا، يمكن إثبات انتهاك حقوق الإنسان مِن خلال الأدلة والشهود، لهذا لا تهدف هذه المحاكمة فقط لإدانة المتهمين، ولكن لإدانة نظام الأسد بالكامل.

انتهاء الجلسة السابعة لمحاكمة أنور رسلان وإياد غريب والكشف عن تفاصيل مهمة 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *