أخبار

لم كل هذه الحفاوة بمعبر القائم-البوكمال الحدودي؟

افتتاح معبر القائم-البوكمال الحدودي بين العراق وسوريا، هو الحدث الأبرز الذي تهلل له ماكينات نظام الأسد الإعلامية، إذ وصفته صحيفة “الوطن” التي تصدر من دمشق بأنه “انتصار حدودي سوري”، ويعد “انتصاراً اقتصادياً، يضاف للانتصارات العسكرية والسياسية التي تحققها سورية”.

المعبر توقف عن العمل منذ العام 2014، عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على قضاء القائم في محافظة الأنبار إلى أن تمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة عليه، ورغم وجود 3 معابر رئيسية في المنطقة الشرقية، إلا أن هذا المعبر الوحيد من جهة الحدود السورية بيد قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية في تلك المنطقة شرقي سوريا، في حين أن معبر “اليعربية-ربيعة” يخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بينما يخضع معبر “التنف-الوليد” لسيطرة جيش مغاوير الثورة المدعوم من التحالف الدولي.

وتطرح تلك الخطوة العديد من التساؤلات حول الغاية المرجوة من إعادة فتح هذا المعبر سواء اقتصادياً أو عسكرياً بالنسبة لنظام الأسد والميلشيات الإيرانية وحتى بالنسبة للعراق.

 

هل سينقذ المعبر الاقتصاد المنهار؟

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة والمعارضة بهذا الحدث، ففي وقت اعتبرت فيه وسائل موالية للنظام أن “هناك آمالاً كبيرة معقودة على النتائج الاقتصادية للبلدين جراء ذلك”، رأى معارضون للأسد أن الهدف من هذا المعبر هو تسهيل حركة خروج ودخول الميلشيات والأسلحة منه من وإلى الأراضي السورية لدعم الميليشيات الإيرانية.

وفي هذا الصدد غرد الإعلامي المعروف فيصل القاسم على حسابه الرسمي في تويتر قائلا” إعادة افتتاح معبر القائم -البوكمال بين سوريا والعراق الغرض منه تأمين نقل الأسلحة والمرتزقة من إيران الى سوريا! لو كانت إسرائيل تخشى من التغلغل الإيراني في سوريا لتصدت لفتح هذا المعبر. يبدو كمان كانت الكهرباء مقطوعة في الأقمار الصناعية الإسرائيلية عندما فتحت إيران هذا المعبر”.

بدوره نشر الكاتب والمحلل السياسي طه عودة منشور على حسابه الرسمي في فيس بوك قال فيه إنه” في خطوة إيرانية تُنذر بفوضى إقليمية جديدة اتفقت “طهران” و”بغداد” على إعادة فتح معبر “البوكمال” بين العراق وسوريا”.

 

وأضاف أن “تلك الخطوة تنطوي على رسائل عسكرية-سياسية قبل أن تكون اقتصادية حيث تعمل إيران جاهدة للحفاظ على هذا المعبر السوري-العراقي الوحيد الواقع تحت سيطرتها بهدف تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط والتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية”.

ولفت الانتباه، إلى أن “المعير تم فتحه بأمر من خامنئي وقاسم سليماني وليس بأوامر من عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي، لكن هذا التطور يسلط الضوء مجددا على إمكانية فتح ثغرة جديدة في جدار التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة، التي ستحاول جاهدة قطع طريق طهران-بغداد- دمشق”.

وتابع بالقول “وفقا للخبراء، يخطط الإيرانيون لاستخدام هذا المسار الجديد في عمليات التهريب التجاري والنفطي لتفادي الحصار الأمريكي في محاولة مستميتة لضخ الحياة في شريان الاقتصاد الإيراني المريض”.

وأضاف ” وإذ تتجه المؤشرات نحو صراع أمريكي-إيراني مرتقب على الحدود السورية-العراقية لأهميتها الجيوسياسية، تسعى إيران بكل قوتها لإحكام السيطرة على معبر البوكمال بهدف إدخال الأسلحة والذخائر والآليات إضافة للمواد النفطية لدعم ميليشياتها الموجودة في مدينة البوكمال”.

وختم بالقول “بينما تستعرض إيران عضلاتها إقليميا، فإن اختبار فتح معبر “البوكمال” سيكون حاسما بالنسبة للإدارة الأمريكية التي يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستتمكن من التعايش مع جسر بري يصل إيران بالبحر المتوسط ويعزز نفوذها؛ أم أنها ستجهضه بأي ثمن كان”.

ومقابل تلك الرؤية التحليلية للمحلل طه عودة، إلا أن مسؤولين عراقيين موالين للأسد يرون غير ذلك، بل على العكس يحاولون بث المزيد من الانعكاسات الإيجابية لاستئناف عمل المعبر بعد توقف دام 5 سنوات.

وفي هذا الصدد نقلت صحيفة الوطن الموالية لنظام الأسد عن رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية ممثل رئيس الوزراء العراقي كاظم العقابي قوله، إن “افتتاح معبر القائم– البوكمال مع الجانب السوري هو خطوة إيجابية لها أهمية كبيرة فيما يتعلق بالتبادل التجاري، وإنعاش المنطقة اقتصادياً، وسيسهم في توفير فرص عمل لسكان منطقتي القائم من الجانب العراقي، والبوكمال من الجانب السوري”، وأضاف أنه “كلما تحسن الوضع الأمني على الحدود العراقية السورية، سيتم افتتاح معابر إضافية بين البلدين”، على حد زعمه.

 

معبر قديم ومتهالك

ووسط الأخذ والرد بين المعارضة والنظام بخصوص المعبر والأطراف المستفيدة، كان للباحث والمستشار الاقتصادي يونس الكريم رأي آخر، حيث قال الكريم في تصريحات خاصة لـ “أنا إنسان”، إن “المعبر قديم جدا وغير فعال منذ زمن الأسد الأب وحاليا في زمن الأسد الابن، وتم لقاء واحد فيه فقط ما بين إدارة صدام حسين إذ جرى لقاء بين عدي صدام حسين وبشار الأسد إبان حرب الخليج الثانية وسقوط العراق 2003، وكانت هذه المرة الوحيدة التي استخدم فيها بشكل دبلوماسي عالٍ، حتى استقدام نظام الأسد للميليشيات الإيرانية كان عن طريق معبر اليعربية وليس معبر القائم”.

وأشار إلى أن “معبر القائم معبر صغير طرقه سيئة جدا وغير مخدم ببنية تحتية ويبعد عن مدينة دير الزور نحو ساعتين بالسيارة، وهذا المعبر بعيد عن مراكز التصنيع والأسواق في حمص أو حلب أو دمشق والتي تعتبر بعيدة عن بغداد ومناطق الجنوب والشمال العراقية، حتى أن طريق النفط الذي يمر من وسط العراق يعتبر مثلث موت ذو بيئة إسلامية مشددة، وبالتالي أي عملية وصول للنفط من ذلك الطريق محفوفة بالمخاطر سواء من الجهة السورية أو الجهة العراقية، أي أنه ليس هناك أي استقرار أمني للجهتين”.

ويرى الكريم أنه “لا يمكن لهذا المعبر أن يدعم اقتصاد نظام الأسد ولا يمكن أن تتم أي عملية تبادل تجاري عن طريقه، ولا يمكن أن يشكل نقطة جذب للسياحة ولو كانت سياحة دينية بسبب طبيعة المناطق القريبة من المعبر السّنية ذات التوجه الديني السلفي، وبالتالي هذا المعبر القصد منه الاستخدام العسكري فقط”.

وختم بالقول ” أن إيران تحاول أن تتحدى أمريكا وإيصال رسالة لها أنها غير قادرة على فعل أي شيء، وهي تريد أن تهدد قوات قسد بأن حلفاء النظام باتوا على أبواب قسد وأن مناطق دير الزور ستعود للنظام، وبالتالي الهدف الرئيس هو إظهار أن النظام وإيران تعملان وسط انفراج في العقوبات الاقتصادية، وأن الإدارة الذاتية وهي جوهر الدعم المالي ستعود للنظام بمساندة حلفائه الإيرانيين”.

 

معبر عسكري إيراني

وبالعودة إلى نقطة تفاؤل الموالين لنظام الأسد بالنتائج الإيجابية لافتتاح هذا المعبر بين العراق وسورية، أعرب المحامي الدولي بسام طبلية عن عدم اقتناعه بتلك الادعاءات وأن ليس هناك أي شيء يدعو للتفاؤل من وراء تلك الخطوة على صعيد دعم الاقتصاد السوري المنهار.

وقال طبلية لـ إنا إنسان “لا يمكن لإيران في الوقت الحالي القيام بأعمال اقتصادية تنعش سوريا لأن رأس المال السوري غير موجود، وبالتالي لن يكون فتح هذا المعبر إلا لمصالح عسكرية بالدرجة الأولى، وفي الوقت الحالي لا يهم إيران أو حتى الدول الأخرى الجانب الاقتصادي السوري، وإنما ما يهمهم إبقاء الأسد في سدة الحكم من أجل محاولة أخذ الشرعية والسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه من الأراضي السورية والاقتصاد السوري والثروات الباطنية”.

 

علاقة لبنان بالمعبر

في الـ 16 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، نشر الرئيس اللبناني ميشال عون تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر قال فيها” الرئيس عون: مرتاحون لفتح معبر نصيب ونتمنى أن يستعيد معبر “البوكمال” حركته الطبيعية”.

وما إن تمت إعادة فتح المعبر إلا وبدأت أصوات المسؤولين اللبنانيين تتعالى مطالبة بضرورة إعادة العلاقات مع نظام الأسد من بوابة هذا المعبر، والذي يشكل ممرا رئيسا للبضائع اللبنانية باتجاه العراق والخليج العربي.

وفي هذا السياق نشر وزير الدولة للتجارة الخارجية في الحكومة اللبنانية حسن مراد، تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها” بعد أن فتح معبر نصيب سابقاً، واليوم تم فتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق، فهذا يستوجب أن نتواصل بشكل رسمي مع الجهات السورية المختصة لإيجاد التسهيلات أمام المنتوجات اللبنانية للعبور إلى الأسواق العراقية ومنها إلى الأسواق العربية وبذلك نخفف من أزماتنا الاقتصادية”.

ووسط تلك التغريدات القديمة المتجددة بخصوص المعبر، إلا أن الآراء الأخرى جاءت متباينة فيما يخص الفائدة التي ستعود على لبنان من عدمها من وراء افتتاح معبر (البوكمال-القائم).

ففي وقت أكد فيه عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمود عبد الله مطر في حديثه لموقع” LEBANON” “ECONOMY أن “إعادة فتح معبر البوكمال – القائم بين سوريا والعراق يشكل خطوة بالغة الأهمية ومنعطفاً أساسيا في سياق حل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن غياب تصريف الانتاج اللبناني وتصريفه عبر البر، خاصة أن تلك الخطوة تأتي قبل شهر من بدء فعاليات معرض بغداد الدولي، والذي يشارك لبنان فيه بجناح كبير يضم عددا من المصانع والشركات والمؤسسات المهمة”.

رأى من جانبه أمين سر نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان إبراهيم ترشيشي، وفق ما نقل موقع قناة ” MTV ” اللبنانية، أن هناك “معوقات ومطبات تعترض هذا الأمر وأهمها الرسوم المفروضة من الجانب السوري على السيارات اللبنانية وفق معادلة قائمة على ضرب المسافة التي تريد السيارة اجتيازها بوزنها وبنسبة 10%، وفي هذه الحال تقدر المسافة إلى البوكمال بحوالي الـ 400 كم أي ثلاثة أضعاف المسافة المجتازة للوصول إلى معبر نصيب”.

وأضاف أنه “في حين كنا ندفع بحدود الألف دولار على المعبر الأخير باتت الكلفة على معبر البوكمال تلامس الـ 3000 دولار، وهذه المبالغ تقف عائقا في وجه المنافسة اللبنانية للوصول إلى الأسواق العراقية، بخاصة أن دولاً أخرى تصدّر إليها من دون إثقالها بهذه الضريبة”.

وحسب الموقع ذاته، فإن ترشيشي “ناشد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة اللبنانية، لمساعدة القطاع لإتمام الفرحة بالتخلص من هذه الضريبة، كون الجانب السوري ليس في وارد إلغاء هذه الضريبة التي أزيلت عن بلدان أخرى إلا من خلال تكليف وفد رسمي لمفاوضته”.

وبعيدا عن الأهمية الاقتصادية للبنان من وراء هذا المعبر، خرجت أصوات تشيد بفتح المعبر كونه يسهل الطريق الإيراني نحو بيروت، إذ غرد النائب اللبناني السابق فارس سعيد على حسابه في تويتر بالقول “معبر البوكمال يربط بريّاً طهران ببيروت من دون “حواجز” حمى الله لبنان”.

يذكر أنه في شهر أذار/مارس 2013، وقع المعبر تحت سيطرة مقاتلي جبهة النصرة، ثم ما لبث أن وقع تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، إلى أن  استعادت قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية  السيطرة بالكامل على مدينة ومعبر البوكمال في صيف 2017.

 

أحمد زكريا

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *