أخبار

من أحرق قمح السويداء؟

 

 

سامر النجم أبو شبلي

 

أكدت مصادر موقع «أنا إنسان» أن عابثين مجهولين قاموا بإحراق مكب النفايات على طريق الحج الغربي، فيما كانت الإشاعات تنطلق من حسابات فيسبوكية عن استهداف المحاصيل الزراعية بعبوات بلاستيكية موضوعة بأكياس نايلون، تبعها إشاعة كبيرة عن تسميم مياه سد الروم، وبات واضحاً إشغال كل الناس وتجميعهم بمكان واحد، وزعزعة حياتهم بشكل كامل، خاصة أن هذا الموسم بالذات بإمكانه حل العديد من المشاكل المعيشية التي تواجه الجبليين. لكن المشكلة يبدو أنها أكبر من ذلك؟، وأعمق من حرق المحاصيل، فالهدف كما يعتقد الكثير من المتابعين للشؤون السورية إقحام المحافظة وإغراقها في المشاكل، ومن ثم اقتحامها وجعلها محافظة منكوبة.

بعد الحرائق التي بدت للوهلة الأولى عشوائية، انتشر مئات الشباب في أرجاء محافظة السويداء لحراسة ما تبقى من محاصيلهم البعلية، وأشجارهم المثمرة والحراجية. كان مئات الأشخاص يحاولون عبثاً إخماد النيران المتنقلة في قرى جبل العرب بكل ما يمتلكون من أدوات، بالتعاون مع فوج الإطفاء ورجال حركة الكرامة.

إلا أن الفاعل لم يبق مجهولاً لفترة طويلة، إذ تناقل أهالي القرى المتضررة خبر قيام عناصر من كتيبة الكيمياء في الريف الغربي للمحافظة بحرق الخصاب (العشب اليابس) المتواجد حول كتيبتهم، وامتد الحريق إلى الأرض الزراعية المجاورة لقرى داما وجرين ولبين وعريقة، رغم تحذيرهم المستمر من أي خطأ قد يسبب بكارثة بيئية واقتصادية، لكن الكتيبة لم تستمع لهم.

فيما أكد أحد العناصر التابع لفصيل محلي في حديث خاص لأنا إنسان: «أن سبب الحريق المباشر في الريف الغربي هي رصاصات خطاطة متعمدة أطلقت على الحقول الجاهزة للحصاد، ومن المعروف أن الرصاصة الخطاطة قادرة على إشعال أي شيء تسقط عليه».

صفحة قرية ريمة اللحف على الفيسبوك حذرت أفراد قطعة عسكرية تعسكر بالقرب منها من إشعال النار داخل قطعتهم وحولها، لأنها السبب المباشر بإشعال الحرائق في المحاصيل الزراعية، وأكد المنشور أن الأهالي حذروا قائد القطعة في السنة الماضية من الأمر نفسه عندما استطاعوا وأد حريق في أراضيهم الزراعية، لكن عبثاً كان تحذيرهم بعد أن وصلت النيران مجدداً إلى سهول القمح في المنطقة نفسها وللسبب نفسه.

التهمت النيران أكثر من 10 آلاف دونم في قرى الريف الغربي، فيما تمكنت فرق الإطفاء والأهالي من السيطرة على الحريق الذي امتد على نطاق واسع بين الأراضي الزراعية التابعة لقرى لبين وجرين وداما في ريف السويداء الغربي، فيما خسر المزارعون مئات الدونمات يوم 31 أيار في قرى صلاخد وتعارة والدور، وفي منطقة اللجاة شمال غرب السويداء بين قرى الخرسا وداما وعريقة وصميد. ليتبعه حريق ضخم في منطقة “مقني” شمال بلدة قنوات، ليلتهم أشجار الزيتون، وبيارات العنب.

إلا أن ضريبة النار كانت باهظة حيث ودعت السويداء شهيد القمح الشاب عمران القنطار، الذي عثر على جثته وهي تأكلها النيران في قرية داما مساء الأربعاء 29 أيار 2019، وهو ما أعاد الأذهان إلى شهداء القمح في بلدة شقا قبل ثلاثة سنوات، والذين قتلوا بدم بارد على يد داعش.

وقال أهالي قرية مردك القريبة من مدينة شهبا، أنهم راقبوا محاصيلهم الزراعية عن كثب، وعندما اشتعلت النيران أول مرة بداية الأسبوع الماضي تمام الساعة 12 ليلاً استطعنا السيطرة عليها بفضل الأهالي وفوج الإطفاء، واعتبرنا الحادثة عن غير قصد، وفي اليوم الثاني وفي نفس الموعد الثانية عشر بعد منتصف الليل اشتعلت النيران مرة أخرى، ولكننا علمنا أن هناك من يتقصد إحراق المحصول.

يرى الخبير الزراعي “معتصم العنداري” أن أول وأهم نقطة في السيطرة على الحرائق هو الإنذار المبكر، والتدخل السريع في الوصول إلى بداياته، مع استخدام الماء لأنه المادة الأهم والأكثر شيوعاً في إطفاء حرائق النباتات. وقال في تصريحه لموقعنا: «أن ميزات جهاز رش المبيدات الزراعية عالية جداً لإطفاء الحرائق كجهاز مكمل لدور الصهريج والإطفائيات، فمزارعي سوريا يمتلكون أكثر من مئة ألف مرش زراعي، ويمكنه أن يساعد في الوصول بسرعة كبيرة إلى مكان الحرائق، وبزمن قياسي مع الصهريج والإطفائيات، كما أنه يمتلك ميزة الضغط العالي أكتر من الإطفائية، فالمرش ٤٠ بار، بينما أجود إطفائية ١٦ بار. كما أنه يتميز بخرطوم طويل يتحمل الضغط العالي، ويمكن أن يصل إلى مئتي متر، ما يؤهله للدخول إلى مناطق لا يستطيع الصهريج الدخول إليها».

ويعتبر الخبراء الزراعيين أن القمح الجبلي من أقسى أنواع الأقماح في العالم، وبالتالي من أجود الأنواع على الإطلاق، خاصة وأنه يحتفظ بكل عناصره الغذائية المتكاملة. ولكن الشيء الذي يجعله مطلوباً بكثرة هي زراعته بأرض خالية من التلوث، وهي ميزة إضافية لا تقل أهمية عن الأولى. ويطالب العاملين في الطب البديل وفي الأعشاب الطبية بكثير من دول المنطقة بالاعتماد على قمح السويداء في غذائهم، وكذلك في إنبات القمح المخصص للعلاج.

وكان الشيخ “ركان الأطرش” قد طالب عبر موقع أنا إنسان قبل أربعة أشهر من الجبليين الصمود في أرضهم، وزراعة القمح وتخزينه جيداً، وعدم بيعه، لأن المنطقة تمر بمخاض عسير، والقمح هو السلاح الأول لمواجهة أي طارئ يتعرض له سكان السويداء.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *