أخبار

الاجهاض بين المواجهة والانكار .. وجه آخر من وجوه الحرب في سوريا ..

سعاد خبية

” هذه المرة الثالثة التي اجري فيها عملية كورداش (اجهاض ) خلال الأربع سنوات الأخيرة ، لانكاد نجد مانأكل ونطعم به ولديّنا ، لانستقر في سكن او مكان ” ، وتختم  – صفاء –   وهي معلمة نازحة من محافظة دير الزور  تقيم في منطقة جرمانا حديثها بالقول ” لا أريد أن انجب أحد لأعذبه مجددا يكفي مالاقاه ولدانا معنا من عذاب في هذا البلد ”

بحذر ودون أن تسمح لنا بنشر اسمها الحقيقي تسرد لنا سارة ( 27 عاما ) تفاصيل تجربتها القاسية مع الاجهاض، لاتزال عازبة ، تقيم مع والدتها في مساكن برزة وتعمل في احدى المحال التجارية تقول  ” اعرفه منذ سنة ، وقد حدث بيننا ماحدث وحملت ، لم يرغب بالطفل كونه متزوج ولديه زوجة وأطفال ،رفض الاعتراف به أو تثبيت زواجنا اضطررت أن اجهض الجنين في بداية الشهر الثالث ، تناولت حبوبا حصلت عليها من احدى الصيدليات بصعوبة بالغة كوني عازبة ، ولكنها تسببت لي بنزيف حاد كاد أن يودي بحياتي لولا لجوئي لعيادة خاصة في الوقت المناسب ، كانت كلفتها جميع ما كنت ادخر ” .

فقدت نسرين ذات الثلاثين ربيعا زوجها وابنها البكر منذ خمس سنوات بقصف استهدف منزلهم في احدى مناطق جنوب دمشق  ، قتل أخوها الشاب ايضا على احدى الجبهات ، وبقيت مع امها وطفلتين تعيلهم وحدها ، تزوجت نسرين منذ سنتين في السر من رجل يكبرها بخمسة وعشرين عاما كان صاحب مصنع للزيوت تعمل عنده ، لم يكن زواجا مسجلا ، هجرها بعد أربعة أشهر لتكتشف ارتباطه بعاملة أخرى لديه وتركها حاملا في شهرها الثالث ، تعرضت للضرب والعنف لأجل أن تسقط حملها حين حاولت اجباره على الاعتراف ،ولكنها في النهاية اذعنت و لجأت كما تقول لأحد مراكز الإجهاض لتتخلص من بذرته(النجسة )حسب تعبيرها  ، تخبرنا نسرين أنها تحتاج لرجل في حياتها يساعدها في اعالة عائلتها وتلبية حاجتها وهذا ما ورطها مجددا بعملية اجهاض اخرى وتعريض حياتها للخطر مرتين في مركز تديره ممرضة غير مختصة ،  كانت الفاتورة  تهتك في الرحم  وفقدانها القدرة على الانجاب كليا .

 

أسباب وخلفيات  ..

كلما توغلت في البحث والتعمق حول ظاهرة الاجهاض في سوريا إبان الحرب وحاولت مقاربة هذه الظاهرة وسبر اغوارها ، أجدني أتفرع عنها يمنى ويسرى بقضايا وزوايا تتداخل معها و ترتبط بها عضويا حتى أنه يصعب علينا مقاربة الظاهرة اليوم مع غياب كامل لأي ارقام أو احصاءات حولها سوى الشهادات والمشاهدات التي يتم الحديث حولها وارتباطات القضية بنواح مختلفة منها القانوني والاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، واقع لايمكن النظر إليه الا كونه أحد مفرزات الحرب الدائرة في سوريا منذ ثمان سنوات والذي كانت المرأة السورية كما الرجل وبالتالي العائلة المستهدف الاساسي فيه .

ففي حين خسرت معظم العائلات السورية ابناءها وخاصة الذكور منهم بفعل التهجير واللجوء والقتل والقتال والاعتقال والهرب خارج الحدود رفضا للتجنيد  ، تراجع عدد الذكور بما لايقاس بعدد الاناث ، ناهيك عن الخلل الاجتماعي والقيمي الذي كرسته مستويات غير مسبوقة من العنف والخوف والفساد الإداري وغياب الرقابة والتفكك الاسري والقيمي وغياب المرجعيات القانونية العادلة ، وماترتب عن ذلك من أزمات اجتماعية عديدة تأتي العنوسة والترمل و الزواج العرفي وتعدد الزوجات والعلاقات خارج مؤسسة الزواج في مقدمتها ، ومع التراجع الاقتصادي الحاد والفقروالنزوح وهبوط مستوى الدخول وغياب المعيل الذكر وجدت المرأة السورية نفسها أمام أدوارمختلفة ،  وواقع جديد فتح أمامها وبشكل مضطرب مساحات أوسع ومستوى علاقات أكثر تعقيدا ، وكسر حالة العزلة والنمطية السابقة ، وفتح امامها افاق ارحب بضوابط أقل في مجتمع اهتزت قوانينه الاجتماعية وأعرافه ، وكُشف فيه الغطاء عن كل محرم سابق ، عوامل متداخلة وضعت كثير من النساء أمام مناخ مختلف من العلاقات خارج مؤسسة منضبطة تحفظ حقوق المرأة وبالتالي حقها في الانجاب وتُدخل البعض منهن راضيا أو كارها في أتون بازار الإجهاض .

 

هل تحول الاجهاض الى ظاهرة ؟

 

 ترد – سلوى وهي باحثة مهتمة بشؤون المرأة  تقيم  داخل دمشق  – على سؤالي حول الاجهاض بسؤال آخر ” ماهو قصدك تحديدا هل تعنين  اجهاض المتزوجات أم العازبات او المتزوجات اللواتي اجبرن على العيش دون ازواجهن منذ وقت طويل أم الارامل المحوجات ؟  ” ، إذا هن عدة شرائح مستهدفة بالبحث حين النظر لظاهرة الاجهاض اليوم كواحدة من افرازات سبع سنوات من الحرب والاضطراب والعنف ، فما الدوافع وما الاسباب التي تقف خلف هذا الفعل الذي يجرمه القانون السوري صراحة ويغض عنه الطرف في ذات الوقت .

تشير الباحثة إلى أن ظاهرة الاجهاض ليست جديدة في المجتمع السوري رغم كونه ممنوعا قانونا ، ولكن الفرق حسب رصدها أنها باتت أكثر جرأة  وأوسع لناحية العدد ، وارتفاع الكلفة، وتعداد المراكز و العيادات الخاصة بها وأخير لناحية غض الطرف الرسمي عنها .

ينظر المجتمع السوري عامة بعين الريبة لممارسي الاجهاض لارتباطه في العقلية الجمعية بالعلاقات الغير شرعية وبالكفر ومخالفة تعاليم الأديان تارة وبالقتل ومخالفة القانون أخرى ، وغالبا ماكانت العيادات النسائية التي تقوم بتلك العمليات تبرر قبولها لاجراء الاجهاض للعازبات بأنه حماية لهن من جرائم قتل محققة (بدافع الشرف ) قد يتعرضن لها في مجتمعاتهن المحافظة  وبأنه حاجة وتلبية لرغبة المتزوجات في تحديد عدد الأولاد وتنظيم اسرهن ولكنها اليوم أخذت طابعا مختلفا كما يشار .

مجموعات منظمة للدعارة واستغلال الفتيات ، علاقات جنسية مختلطة وواسعة خارج منظومة الزواج منها بالتراضي لأسباب اقتصادية او عاطفية ومنها بالاكراه والابتزاز ايضا لأسباب اقتصادية وغيرها ، اغتصابات واسعة واعتداءات جنسية على النساء بهدف الاذلال أو الترهيب يمكن أن تطال المختلفين سياسيا أو دينيا  كعقاب ، صور ظهرت خلال سنوات الحرب خلقت الحاجة لمنظومة صحية رديفة تعمل على التخلص من الأجنة الناتجة عنها وهنا ظهرت أو صنعت مراكز خاصة للاجهاض ليس بالضرورة أن تكون مرخصة أو يديرها أطباء .

 

المحامي هشام  – (اسم مستعار ) متخصص في قضايا الاحوال شخصية  يتحدث عن استخدام الاجهاض للمساومة والابتزاز كونه خارج أي رقابة  ، يشير إلى وجود تغطية  رسمية  غير مباشرة  لمراكز الاجهاض الغير مرخصة ، مشيرا إلى أنه في منطقة صغيرة مختلطة كمنطقة جرمانة مثلا يوجد أكثر من خمس مراكز بعضها يعمل تحت مسمى مراكز تجميل ناهيك عن العيادات الخاصة ، ولايفترض حسب مشاهداته أن يكون من يقوم بتلك العمليات طبيبا مختصا فقد يدير المركز  ممرض أو ممرضة أو أي شخص تدرب على القيام بذلك  ، ويشير المحامي إلى أن  الشرطة تنفذ حملات دهم وتفتيش لتلك المراكز او العيادات بهدف الضغط على القائمين عليها وقبض (المعلوم) دون أن تقوم بأي اجراء اخر ، أما في حال وصول ادعاء رسمي عليها فيتمكن أصحابها من لملمة الأمر بدفع مبلغ معين حسب قوة الشكوى وفي حال لم يتم الاتفاق والدفع تضطر الشرطة لتنظيم ضبط  لينتقل الأمر للقضاء وهنا تصبح حسب توصيفه (اللقمة أكبر).

يشير المتحدث الى انه في صيف 2017 تمت مداهمة احد المراكز الارضية في المنطقة المشار لها سابقا تحت مسمى عيادة تجميل وتم توقيف الطبيب والكادر ليتبين خلال التحقيق انهم يقدمون خدمات ( الترميم والاجهاض معا) والمقصود بالترميم أعادة صناعة غشاء البكارة من جديدة للراغبات بطمس أي أدلة حول فقدان عذريتهن أو اجراءهن عمليات اجهاض وكل ذلك معروف ويجري تحت أعين الأمن و الشرطة ولو عن بعد.

 

وسائل عدة للإجهاض حسب شهادة الباحثة سلوى منها دوائية ( الحبوب الاربعة المجهضة ) تلجأ اليها الفقيرات في معظم الاحيان نظرا لعدم قدرتهن على دفع تكاليف اجراء العملية في العيادات او المشافي الخاصة ، وغالبا مايتم  ذلك دون استشارة طبية ودون معرفة بآثارها على أجسادهن ما يتسبب بالكثير من الحوادث وتشير إلى أن كثيرات دفعن حياتهن ثمن استخدام  تلك الحبوب دون ضوابط بفعل النزيف الحاد أو التعفنات و تلف الرحم ، وتشير معلومات إلى أن آلية تقطيع الجنين داخل الرحم ومن ثم اخراجه قطعا صغير لتسهيل عملية الاجهاض بغض النظر عن عمر الحمل احدى الوسائل المتبعة .

 اسباب عديدة تدفع بعضهن إلى هذا المصير حسب رأي الباحثة ” تنصل الرجل من تبعات علاقته بالحمل وخاصة في العلاقات خارج الزواج او الزواج العرفي أو العلاقات القائمة على فكرة الجنس مقابل المساعدة ، وبالتالي فهو يترك المرأة تواجه مصيرها بنفسها فتلجأ للتخلص من الجنين عبر أي وسيلة .

 

تطالعنا صفحات التواصل الاجتماعي  رغم حساسية الحديث حول هذه المسألة عادة بكثير من القصص حول حالات الاجهاض ، هذه مقالة نشرت بتاريخ 4 يونيو /2018ع في موقع يدعى (سوريا ايفري داي ) حملت عنوان – ماذا يحدث في السكن الجامعي؟-  تحدثت عن عشرات الحالات التي تم رصدها في السكن الجامعي في عدة مدن سورية تنتهي بعمليات اجهاض نجمت عن مااسماها الموقع علاقات جنسية غير شرعية وأشارت  المادة الصحفية إلى أن الاضطراب الاجتماعي والنفسي والكبت والتسيب والانفلات والفساد الاداري داخل تلك التجمعات تودي بعدد ليس قليل من الطالبات إلى الحمل ومن ثم تضطر الى الاجهاض لمعالجة المشكلة .

ومنه هذا المقطع ((حالات الإجهاض في السكن كثيرة ولكن يغلب على الكثير منها الغموض والسرية عدا تلك التي تقيمها الفتيات مع أعضاء الهيئة التدريسية فهؤلاء (لا تنبل بفمهم الفولة) حيث يتباها الواحد منهم بإنجازاته وبعدد الطالبات اللواتي يقيم علاقة معهن وأكثرها مفاخرة تلك التي تحمل منه وبالتأكيد نهايتها الإجهاض )).

 

 

تناقض في القانون ..

ترى المحامية السورية شيرين ناصر سعيد  بعد دراستها أجرتها مؤخرا ضرورة أن يصار إلى إعادة  النظر في المواد القانونية التي تجرم الاجهاض لأنه كما تقول ”  واقع موجود بشكل فعلي وعلينا مواجهته بدل ترك كثير من النساء ضحايا لذلك الابتزاز والذي يمكن أن يدفعن حياتهن بسببه ، ومن الخطأ الجسيم ترك المسألة لتحكم السوق السوداء دون ضوابط ودون شروط واضحة وقوننة فعلية تنظمها وتحمي النساء” وتضيف  ” بعد الحرب ازدادت عمليات الاجهاض ، الوضع الاقتصادي صار أسوء ، اضافة للحالات الناتجة عن العنف أو الاغتصاب وحالات جديدة  لم تكن موجودة سابقا ،  القانون السوري جرّم الاجهاض بكل حالاته  دون مراعاة للواقع ” .

 

وترى المحامية   بأن الاستغلال يطال الجميع متزوجات او غير ذلك لأنه يجري في الخفاء ضمن ظروف  صحية غاية في السوء  و من الافضل شرعنة  قوانين جديدة  بحيث تتم عملية الاجهاض بشكل آمن ” في سيدات توفوا أثناء عملية الاجهاض ولا أحد يعلم عنهن أي شيء والسبب أن الجميع متورط في العملية أمام القانون والكل معاقب الطبيب والمريضة والزوج وكل من له صلة لذلك تتم لملمة الموضوع وطمس القصة حتى لو كانت اسباب التقصير واضحة لتمضي  دون أي محاسبة ” .

تلفت المحامية إلى أن الأمر لم يعد يُمارس بذات الدرجة من السرية بحيث أن العمليات التي كانت تم بالعيادات او اماكن مغلقة صارت تجري بمشافي خاصة تحت مسميات وتخريجات مختلفة ، وتشير إلى تناقض واضح في التعامل الرسمي مع موضوع الاجهاض (موانع الحمل ممنوعة حسب القانون السوري يتعاقب الطبيب الذي يصفها أو يروج لها، والصيدلاني الذي يبيعها ، ويجرم اللجوء إلى الاجهاض كليا ، وبذات الوقت يتم توزيع الموانع من قبل جمعية تنظيم الأسرة التي تشرف على عملها الدولة ووزارة الصحة “.

 

لاتوجد احصاءات يمكن أن تعطي اشارة واضحة إلى حجم هذه الظاهرة وتوسعها خلال السنوات الأخيرة لأن هذا الامر برمته يتم خلف ابواب موصدة بدون أي توثيق باعتبار أن الإجهاض محظور في سوريا.

وكانت أخر دراسة استقصائية وطنية حول الاجهاض قام بها فريق من جامعة دمشق بالتعاون مع فريق بحثي  استهدفت النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين ١٥-٤٩ عاماً قد بينت أن أكثر من نصف السيدات اللاتي أفدن بأنهن قد قمن بإجراء إجهاض – سيقمن بآخر إذا احتجن لذلك.

 

 

نصوص قانون العقوبات السوري في مسألة الإجهاض

المادة 527

كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعملة غيرها  برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

المادة 528

الفقرة الاولى من أقدم بأي وسٌيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها  برضاها عوقب بالحبس من 1  إلى 3 سنوات .

الفقرة الثانٌية إذا أفضى الاجهاض أو الوسائل التًى استعملت فًى سبٌيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالآشغال الشاقة من 4 إلى 7 سنوات .

الفقرة الثالثة وتكون العقوبة من 5 إلى 10 سنوات إذا حدث الموت بسبب وسائل أشد خطراً من الوسائل التى رضيت بها المرأة .

 المادة 529

الفقرة الاولى : إن من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة دون رضاها عوقب بالاشغال  الشاقة خمس سنوات على الاقل

الفقرة الثانٌية : و لا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أقضى الاجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة.

المادة 532

الفقرة الاولى : إذا ارتكب إحدى الجنح المنصوص علٌها فىً هذا الفصل طبٌيب أو جراح أو قابلة أو صيدلى أو احد  مستخدمٌيهم فاعلٌين كانوا أو محرضٌين أو متدخلين شددت العقوبة وفقاً للمادة 247 ، و قد تصل للحكم المؤبد .

الفقرة الثانٌية : وٌيكون الامر كذلك إذا كان المجرم قد اعتاد بٌيع العقاقٌير المجهضة وسائر المواد المعدة لإجهاض ، أما إذا نجم الاسقاط عن الضرب أو الايذاء  أو الجرح المقصود كما يٌقع أثناء الشجار وكان الفاعل على علم بحمل المرأة عوقب بالاشغال الشاقة المؤقتة من 3 إلى  10 سنوات حسب المادة 544 ،  أما إذا كان الذي أدى إلى الاسقاط غير مقصود عوقب الفاعل بالحبس من شهرٌن إلى سنة .

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *