أخبار
الثورة السورية

الثورة السورية والفرنسية والأحداث المشتركة

علي الجندي 

بعد ما يقارب الـ 6 سنوات تختلف الهوية المطلقة على الأحداث في سورية بين حرب أهلية ونزاع وتمرد مسلح ويبتعد البعض عن إطلاق صفة الثورة السورية ذاك أن النتائج البشرية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية هي أبعد ما تكون عن أفعال ثورة شعبية هادفة بحسب آرائهم، ويصفونها بأنها ليست سواء غوغاء اجتماعية وانفلات أمني عقبه تدخلات وتصاراعات خارجية. لكن التاريخ يتحدث من ضفة أخرى ويكشف من ملفاته ما يؤكد أن كل التغيرات الاجتماعية التي حدثت تحت عنوان ثورة كانت ذا نتائج مفجعة لا بل أن التاريخ يقارب في الكثير من الإحداث بين الثورتين السورية والفرنسية ويقارن على وجه الخصوص بما حدث في سورية بانتشار مصطلح الإرهاب على ما حدث في فرنسا سنة 1893 الذي انطلق فيه مسمى الإرهاب نتيجة فظائع الثورة الفرنسية.

نشأة وانتشار الإرهاب في الثورتين السورية والفرنسية

إن كانت الثورة السورية هي السبب الأساسي في انتشار ظاهرة الإرهاب مؤخراً نتيجة المجازر وإرهاب المدنيين لفرض آراء دينية وسياسية معينة والتفنن في أساليب القتل وإن كان البعض يقدم “أبو صقار” الذي قام بآكل كبد جندي سوري كنموذج ودليل واضح على ما تحمله هذه الثورة من إرهاب، فأنه لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الإرهاب كمفهوم سياسي ظهر نتيجة أفعال الثورة الفرنسية وقيام المحاكم الثورية في ارتكاب مجازر كبيرة حيث أقيمت في فرنسا ١٨٧ محكمة ثورية، منها ٤٠ محكمة حكمت على مئات الألاف بالقتل، وكانت تنفذ أحكامها في مكان الحكم حالًا. ولم يكن نصيب من أرسلوا إلى محاكم الثورة الفرنسية خيراً من ذلك، فلما أصبحت محاكم الثورة طليقة من قيود القوانين قتلَ في نوار موتيار وحدها ما يقرب من خمسة آلاف شخص من الذكور والإناث والولدان. وقد وردت تفاصيل هذه المذبحة في جريدة المونيتور، فقد قال أحد الناجين في شهادته التي: نشرت في عدد هذه الجريدة الصادر في ٢٢ من ديسمبر سنة ١٧٩٤، شاهدت بعد الاستيلاء على نوار موتيار، رجالاً ونساء وشيوخاً يُحرقون أحياء، ونساء وبنات يقل عمرُهن عن خمس عشرة سنة يقتلن بعد انتهاك أعراضهن، وشاهدت أولادًا يبقرون بالحراب ويطرحون على الألواح بجانب أمهاتهم. ولكن ما وقع في نانت من المذابح وقع مثله في مدن كثيرة، حيث قتل ألفي نفس في مدينة ليون، وبلغ القتل في مدينة طولون مبلغاً أصبح به عدد سكانها سبعة آلاف في بضعة أشهر بعد أن كان تسعة وعشرين ألفًا. هل يُأسف على وقوع الثورة السورية ؟

يرى المتابعون للإحداث السورية إن عواقب تلك الثورة لا تساوي أعباءَها وأن ثمن الحراك كان باهظاً نسبة لما تعاني منه سورية، وفي هذا الصدد يعارض السياسي الفرنسي إميل أوليڤيه الرأي الذي يتهم الثورة الفرنسية بأنها حادثة غير نافعة وأن خسائرها مكلفة، ليقول: “هل يأسف على وقوع الثورة الفرنسية؟، من لا يريد أن يكون مسخَّراً لصيد الضفادع في الغُدران لكي لا تقلق الأمير الإقطاعي في نومه؟ وهل يحزن على نشوبها من لا يريد أن يسجن في البستيل لوَلع رجل من بطانة الملك بزوجته أو لانتقاده أحدُ الوجوه؟ وهل يأسى على اشتعالها من لا يريد أن يبغي عليه وزير أو موظف وأن يكون تحت رحمة أحد من الناس، وأن يؤخذ منه أكثر مما يفرض عليه، وأن يهينه ويشتمه من يدَّعي أنه فاتح؟ — لذلك أشكر، وأنا من الطبقة الوسطى، أولئك الذين أنقذوني، بعد عناء شديد، من هذه القيود التي لولاهم لظلت تقيدني، وأهنئهم على الرغم من زلاتهم. وعلى هذه الحالة وبالرغم من كون الثورة السورية لم تستطع إلى الآن إحداث تغيير جذري في البنية القانونية والسياسية السورية، ألا أن الضغط الشعبي تمكن من إزالة عقدة الحزب الحاكم والنظام الانتخابي في سورية واستطاعت حتى ضمن أواسط مؤيدي وحاضني النظام من تطوير تفكيرهم السياسي الداخلي فأصبح المواطن يعي ويطالب بحقوقه وإن كان بشكل غير مدروس ومنظم.

سفاحي الثورة الفرنسية والسورية

يقول المؤرخ الفرنسي غابرييل هانوتو: “إن الثورة الفرنسية ثمنها غالي وسيتردد التاريخ كثيراً قبل أن يحكم في ذلك”، وعلى هذه المقولة ينطبق الوضع في سورية فأن المحللين والمؤرخين سيترددون كثيراً قبل أن يحكوموا على ماهية الأحداث في سورية وهويتها، غير أن قيام الأشخاص بأفعال تنافي التيارات الإصلاحية لا يمنع أن هذا التغير من كونه حقيقة واقعية ومن كونه تغير سيحدث أثر كبيراً في العقد الاجتماعي الذي تواجد في سورية حتى عام 2010. ففي الوقت الذي يهاجم البعض الثورة السورية ويؤكد قيام قادتها بأفعال إجرامية وسعيها للقضاء على المفكرين إضافة إلى ما فعله النظام بتضيق مسارات الثورة وربطها بمسار ديني أو قومي يجلعها بعيدة كل البعد عن كونه حركة إصلاحية، يؤكد التاريخ أن قادة الثورة الفرنسية ارتكبوا ما هو أفظع من ما حدث مؤخراً في سورية ولكأن التاريخ في فرنسا يعيد نفسه في سورية حيث أن قادة الثورة قد ارتكبوا أفعالًا وحشية كقتل عالم الكيمياء الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه بتهمة ترطيب تبغ الجيش والشاعر أندريه شينيه وهدم قبور سان دِنِي الفخمة، في حين قام زعيم الثورة في فرنسا ماكسيميليان دو روبسبير المعروف بسفاح الثورة الفرنسية والنصير الرئيسي لعهد الإرهاب بإعدام ما يقارب 17 ألف مواطن فرنسي.

التعليقات: 5

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *