أخبار

الخيام التعليمية… بديل عن المدارس وبريق أمل لأطفال النازحين في إدلب

سونيا العلي

نزح الطفل يوسف مع أسرته من ريف إدلب الجنوبي، وكان أوّل ما حمله من منزله حقيبة كتبه أملاً بالانضمام إلى مدرسة أخرى في مكان نزوحه، كانت فرحته كبيرة بعد افتتاح المدرسة في المخيّم الذي نزح إليه لأنه سيواصل تعليمه على الرّغم من الظروف السيئة وكل ما يفعله النظام في إدلب لتدمير كل أشكال الحياة والاستقرار.

يوسف ابن العاشرة هو واحد من الأطفال الذين أصبحت فرصتهم في بناء مستقبل ناجح ضئيلة، بعد أن أجبرتهم ظروف التهجير على ترك مدارسهم والسكن في المخيمات، لكنهم وجدوا في الخيام المدرسية فرصة لمواصلة تعليمهم وتلقي دروسهم، وذلك بعد أن قام تجمع “غوث” التطوعي بنصب عدد من الخيام لتكون مدرسة للأطفال في أكبر تجمّع للنّازحين شرقي مدينة إدلب.

مدير التّجمع أسعد فلاحة يتحدث لـ”أنا إنسان” عن المبادرة قائلاً: “شهد ريف حماة الشرقي وريف إدلب الجنوبي الشرقي حركة نزوح هي الأكبر في المنطقة منذ اندلاع الثورة عام ٢٠١١، لذلك ومن خلال الجولات الميدانية على النّازحين لاحظنا وجود عدد كبير من الأطفال دون سن الثانية عشرة، لذلك قمنا بافتتاح المدرسة حرصاً منا على أهميّة التعليم وضرورة مكافحة الجهل”.

ويبيّن الفلاحة بأنّ عدد الطلاب في المدرسة وصل إلى حوالي ١٠٠ طالب وطالبة، في حين تطوّع أربعة معلمين من النّازحين لتدريس الأطفال وتعويض ما فاتهم إيماناً منهم بأن مهنة التعليم رسالة سامية ورغبة في رسم البسمة على وجوه الأطفال وإعادة الأمل إلى جيل بات على وشك الضياع.

أمينة رسلان إحدى المعلمات التي تطوعت لتدريس الأطفال في المخيم تتحدّث عن ذلك قائلة: “بدأت أعمل في المدرسة لسدّ النّقص في الكادر التعليمي، فعلى الرّغم من ضيق العيش نحرص على تعليم الأطفال محاولين التكيف مع مآسي الصراع، متلافين النقص في مقومات العملية التعليمية ومستلزماتها لإنقاذ الجيل القادم من الجهل والأمية، حيث تم اتخاذ عدد من الخيام كمدرسة ليقوم أطفال المخيم بالمواظبة على الحضور إليها لتلقي دروسهم ومواصلة تعليمهم”.

وترى رسلان أنّ الحصول على التعليم حقّ لكلّ طفل مهما كانت الظروف ويعتبر أولوية حتى في ظل الحرب، لأن التسريع في معافاة المجتمع يتطلب كوادر متعلمة قادرة على النهوض به، كما يعتبر التعليم من أهم عناصر الحياة التي تعطي الإنسان معنى لوجوده، وتمكنه من اكتساب المهارات والخبرات والمعلومات التي يحتاج إليها ليكون قادراً على الإبداع والتطوير . وتضيف بأنها تحاول في هذه المدرسة مع زملائها مساعدة التلاميذ على استذكار دروسهم حتى لا تصبح طي النسيان نتيجة الانقطاع الطويل.

وفي السياق، يحرص معظم سكان المخيم على إرسال  أطفالهم إلى المدرسة حتى لو كانت خياماً حتى يخففوا من حجم الخسائر الفظيعة التي تسببت بها الحرب، ومنهم أم مناف التي نزحت إلى المخيم من بلدة سنجار بريف إدلب الجنوبي وعن ذلك تقول لأنا إنسان: “نعيش في النزوح أوضاعاً كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فلا مأوى ولا غذاء ولا رعاية صحيّة، لكنّ هذه المدرسة التي قوامها الخيام منحت أطفالنا بريق أمل في التعلم وفرصة في حياة أفضل”.

الطفلة مروة العبد نزحت مع أسرتها من مدينة جرجناز بريف إدلب وكان أكثر ما يحزنها هو توقفها عن ارتياد المدرسة، وعندما انضمّت إلى رفاقها في المدرسة الجديدة كانت بغاية السعادة والتفاؤل وعن ذلك تقول: “أحبّ معلمتي الجديدة، وجميع رفاقي، وأتمنى أن تصمد هذه الخيام في وجه الرياح والأمطار، وأن أستمر بالدراسة حتى أحصل على أعلى مراتب العلم”.

الطفل أحمد الجمعة أتاحت له مدرسة المخيّم فرصة العودة إلى مقاعد الدّراسة بعد انقطاع، يقول أحمد: “عندما كنّا في بيتنا الواقع بريف حماة الشرقي كان والدي يعتبر التّعليم للأطفال نوعاً من المخاطرة والتهور في ظل الحرب، كما أجبرني على ترك الدراسة والتوجه نحو العمل للمساهمة في تأمين احتياجات أسرتي المعيشية، وبعد نزوحنا إلى المخيّم وافتتاح المدرسة أصريت على متابعة دراستي لكي أتعلّم وألعب مع رفاقي بعيداً عن العمل والتعب”.

أبو وائل هو أحد النّازحين المقيمين في المخيّم وأب لخمسة أطفال انضمّوا إلى أقرانهم للدراسة في الخيام المدرسيّة، يحزن لما آل إليه واقع التعليم في إدلب يقول لـ”أنا إنسان”: “أمام مدارس مندثرة اضمحلت أحلام أطفالنا بإكمال مسيرتهم التعليمية، فقد باتوا يتلقون تعليمهم داخل الخيام، أما المدارس التي من المفترض أن تكون منهلاً للعلم باتت شاهداً على الموت والدماء والأشلاء المتناثرة، هذه المدرسة التي تشكلت في أصعب الظروف جاءت كواحة في صحراء حياتنا، ولاقت استحساناً كبيراً من الأهالي والتلاميذ على حدّ سواء”.

تعاني الخيام التعليمية الكثير من الصعوبات والعوائق نتيجة قلّة الدّعم المادّي وصعوبة المواصلات للتلاميذ والمعلمين لكن الأمل سيبقى حتى وسط الأهوال، وإرادة هؤلاء الأطفال ستنتصر على أسوأ الظروف في سوريا التي تعد من أكثر مناطق العالم اضطراباً ويأساً .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *