أخبار

الدور الإيراني في مشروع القانون 16 الصادر من وزارة الأوقاف

بعيداً عن الجدل القائم منذ أيام حول مشروع القانون 16 لعام 2018، المتعلق بوزارة الأوقاف، والتفسيرات المتوالية التي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي، والتحشيد الإعلامي الحكومي المتعمد ضد المعارضين له. تبرز أسئلة كبيرة بعيداً عن كل ما قيل ولم يكن لأحد القدرة على طرحها، أو الجرأة على ملامستها، مثل العلاقة التي تربط هذا القانون مع حزب البعث، وكذلك مع التغلغل الديني الإيراني في سوريا، ومستقبل اللحية الحاكمة بعد سنوات من تطبيقه. لتصبح المعادلة الجديدة لا تتعلق بثالوث الدين المرأة السياسة، بل يضاف عليها المال لتكتمل صورة الهيمنة ما لم يجرؤ أحد على التحرك.

وبعيداً أيضاً عن دفاعات وزير الأوقاف في أن النسخة الأصلية للقانون الموزع المنشور مزيفاً ومزوراً كما ادعى يوم الاثنين على شاشة التلفزيون الحكومي (تظليل إعلامي) فإن أي قانون يطرح للتداول في سوريا يجب أن يسبك ويحبك أولاً في القصر الجمهوري لكي يلائم التطوير والتحديث الذي ينشده النظام، ويفصل على مقاساته، كيف إذا كانت إيران الدولة الدينية المتطرفة هي من تتحكم الآن في “سوريا” خلافاً لما يعقده الناس بأن روسيا ونظامها العسكري هم الأقوى.

بدأ التغلغل الديني الإيراني في سوريا منذ سنوات طويلة مع شراء المزارات والأراضي لبناء الحسينيات وإغراء الناس بالتشيع عن طريق المال والمخدرات، ما جعل أمرهم واقعاً رغم رفض الغالبية لوجودهم، غير أن الفقر والحاجة كانتا وراء انضمام الشباب لهم، وهو ما يريدونه كخطوة أولى. ليأتي القانون الجديد الذي قيض له أن يكون غولاً تحت عناوين الوهابية ونظام الأمر بالمعروف، وفتاوى القمع حتى يلمع صورة على حساب أخرى، (التشيع بدل السنة)، ويفتح الأبواب بقوة لرياح إيران الراغبة بالتمركز طويل الأمد في سوريا مفاتح البحر والبر.

هذه الرؤية تبدو للكثيرين ساذجة وبعيدة عن العقل في وطن كان يعتقد أنه بعيد عن التغلغل الديني والطائفية والصراعات، ولكن الذي حدث أثناء هذه السنوات الثمانية لا يجعله كذلك على الرغم من أن المجتمع السوري غير قابل للتطويع بهذه الطريقة، خاصة وأن ما يعادل 70 % من السكان ينتمون إلى الطائفة السنية، والباقي أقليات، لكن إلى متى؟.

إذن ما هي العلاقة بين كل ذلك وحزب البعث؟. وصل القانون إلى مجلس الشعب الذي يسيطر عليه بشكل مطلق حزب البعث، وكالعادة فإنه مر بهدوء ودون ضجيج كون الذين انزلوه بالأصل هم بعثيون لا جدل حول فهمهم وأحقيتهم بالتشريع!. لكن الذي حدث وأشعل الدنيا هذه المرة قيام نائب مستقل يتمتع بعلاقات كبيرة مع السلطة ورأس الهرم “نبيل صالح” بإثارة الموضوع والهجوم بشكل غير مسبوق على الوزارة ووزيرها الذي يتمتع بحصانة جعلته الرقم واحد في حكومة “خميس”، فانتبه الناس للقانون، وحاربوه دون أن يقرأوه مستندين على رأي النائب الذي فنده فقرة فقرة، وكانت النتيجة أن تقوم جريدة الوطن المحسوبة على النظام بالرد عليه عن طريق خبير قانوني وديني دون أن تسميه، لكن الجريدة بدل أن تخفف من هول الصدمة زادتها طيناً..

بنى “حافظ الأسد” الرئيس الأطول مدة في تاريخ سوريا الحديثة آلاف المساجد قبل أن يرحل، وجعل بين المسجد والمسجد مدرسة دينية، أو معهداً، وعين لكل مسجد إماماً يمارس بها طقوسه الدينية ودروسه لتلامذته وحلقاته، وكانت بداية حكمه سنة 1970 وما تلاها تعقيدات طائفية في لبنان، ما جعله يدعم الموارنة ضد الدروز، وهو ما جعل علماء السنة يجتمعون به ليخبروه أنهم قبلوا به علوياً، ولا يمكن أن يقبلوا به مسيحياً. وأثناء ذلك بدأت علاقته مع الإيرانيين الذين قاموا بثورتهم ضد الشاه، وتحالف معهم في حربهم ضد العراق، ولتصاعد هذا التحالف بعد ذلك في لبنان، من خلال احتضان حزب الله الذين باتت سوريا مشرعة أمامهم بالطول والعرض.

مات الأسد الكبير الذي حول سوريا إلى كانتونات طائفية بعد أن كانت هذه القضية لا تشغل أحداً من السوريين، ولا اعتبارات عملية لها إلا ما ندر، وقسم الإدارات والوزارات وحتى حزبه الذي سيطر بقوته الأمنية على البلاد بصيغة طائفية ضيقة ومحكومة بيد من حديد.

تسلم ودله الأوسط الحكم بعد مباركة أمريكية ليتحول النظام إلى حكم طائفي كرس من خلاله أقاربه في مفاصل الدولة والجيش، واستولى على الاقتصاد والتجارة التي كانت بيد السنة، فكانت الضربة الكبرى لهؤلاء الذين وجدوا أن الفرار هو الحل الوحيد لانهيار أعمالهم.  وفي آذار من العام 2011 بدأ الحراك في “درعا” وكانت الملاحظة التي لم يلمسها الكثيرين أن البعثيين في المحافظة التي استولى أبنائها على مفاصل عديدة في الدولة من وزراء ومدراء وحتى في القيادات البعثية، ولكن المفاجأة أنه لم يتصدى بعثيي درعا للمتظاهرين بل على العكس انضموا إليهم، وهو ما كان في باقي المحافظات التي تحركت؟.

ومن هنا كان لا بد من التحرك لصناعة خليط إسلامي بعثي قادر على التصدي لأي حراك مسلح أو سلمي بدأ بدعم وزارة الأوقاف وعلمائها، وجلب الوزير الحالي القادم من محافظة “طرطوس” والمتعايش مع العلويين، والمتفاهم مع المؤسسة البعثية إن لم يكن من صلبها. وانتشرت القبيسيات وتم دعمهن بالخفاء حتى أصبحن ظاهرة بالأمر الواقع.

دخلت إيران الحرب بقوة، وكذلك كان حزب الله، وبدأ الجميع بضخ الأموال واجتذاب الشبان من كافة الطوائف للعمل تحت بند “محاربة الإرهاب”. ودعم هؤلاء الدفاع الوطني الذي كانت فكرته إيرانية بحتة تتمثل في رعاية وجذب الخارجين عن القانون والزعران، وتأسست جمعية البستان، وكان لهؤلاء دور مهم في الاقتحامات، وانتشرت المخدرات وحشيشة الكيف بكثافة، وبات هؤلاء أحد الزبائن الدائمين، وباتت سوريا مسرحاً للمهربين الكبار، وممراً نحو الخليج العربي. كان المال يتحرك بكل الاتجاهات لشراء الولاء والذمم والتشيع، وباتت الأراضي تباع بشكل كبير للإيرانيين تحت عناوين عديدة، فيما كانت نفوذ الطائفة السنية الأكبر في البلد تتقلص، وزاد عليها النزوح ومن ثم الهجرة نحو تركيا ولبنان أو أوروبا.

وجاء البعث لكي يقطف منجزاته على الأرض، فبدأ بإنشاء اتفاقات بين الجامعات السورية ووزارة الأوقاف، وظهرت إلى العلن التوافق بين الوزارة الحزب ليخرج القانون الجديد من رحم المنطلقات النظرية الثورية للبعث الحاكم. ودليلنا أن القيادة البعثية قررت مناقشة القانون بهدوء وتروي بعد حالة السخط الكبيرة الذي واجهه القانون.

الخبير القانوني “عصام التكروري يوضح جانباً من الانتهاكات القانونية والدستورية للقانون 16 حيث قال: نص المرسوم على أن أرباب الشعائر الدينية سيتم اختيارهم وفقا لمعايير سيتم تحديدها لاحقاً بقرار من وزير الأوقاف، أما بخصوص رواتبهم (البدل النقدي) ـ والتي سيتم تحديدها بقرار من وزير الأوقاف أيضاً ـ فاللافت أن المرسوم لم يُعرف مصطلح (البدل النقدي) مع العلم انه من المصطلحات الأساسية الواجب تعريفها على غرار ما فعل النظام الأساسي للعاملين في الدولة. استخدام مصطلح (البدل النقدي) بدل مصطلح (الأجر) يؤدي إلى تكريس التهرب الضريبي الذي تسعى الدولة لمكافحته حتى تتمكن من الإنفاق على المشافي والمدارس و دعم الجيش ، فالمادة 29 من المرسوم نصت على إعفاء (البدل النقدي) من أي ضريبة، هذا الأمر يُشكل انتهاكاً صريحا لمبدأ المساوة في التكليف و تحمل الأعباء، ويخلق نوعين من العمالة في الدولة: العمالة المدنية حيث يخضع العاملين في قطاع الدولة لضريبة الدخل وفقاً لنظام العاملين الأساسي في الدولة ولقانون الضرائب النافذ، والعمالة الدينية حيث يتقاضى العاملين في القطاع الديني راتبهم (البدل النقدي) بقرار من وزير الأوقاف، ولا يخضعون لأي ضريبة.

 لقد غاب عن ذهن واضعي المرسوم أن ذلك يُشكل انتهاكاً لأحكام المادة 18 الفقرة 2 من الدستور السوري والتي نصت على ما يلي “يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية”.

 إذاً فالعامل المادي هو الحاكم هنا، وعليك أن الإقبال على الوظائف وسط هذا الكم من الجوع والفقر.

ويقول النائب “نبيل صالح”: ورد في الباب الأول (التعاريف): ـ مديريات وشعب الأوقاف: يعني مديريات وشعب الأوقاف في الوحدات الإدارية. وبتفصيل أكبر يرد في الفصل الثاني ـ المادة 97 الفقرة أ التي تقول: تحدث شعب للأوقاف في المدن والبلدات والبلديات والمناطق والنواحي بقرار من الوزير. لتؤكد الفقرة ج: تتمتع كل شعبة من شعب الأوقاف بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي.

وبالطبع فإن كل شعبة سوف يرأسها مفتي في كل وحدة إدارية والتي يبلغ عددها 1355 وحدة، ولا نعرف بعد الغاية من إحداث هذا العدد الكبير من الكانتونات السلفية في الوحدات الإدارية، وما هو عمل المفتي فيها طالما أن العقارات الوقفية لا تحتاج أكثر من محاسب وجابي؟.

وكذلك ورد في الفصل الأول (مهام الوزارة واختصاصاتها) ـ الفقرة ط: اعتماد الفريق الديني الشبابي التطوعي في الوزارة أداة لتمكين وتأهيل النسق الشاب من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم (التسمية التي يطلقها وزير الأوقاف على القبيسيات)!

هل هناك علم ديني شبابي وإيمان شبابي وحج شبابي وصلاة شبابية !؟ نحن نظن التسمية للتعمية ونرى في هذه الفقرة شرعنة لعمل جماعة دينية تدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر.

وكان أهم ما جاء في القانون بحسب “صالح” فالفصل الأول ضمن مهام الوزارة الفقرة ـ ي: ضبط الفتوى والإشراف على شؤون القائمين عليها. وبتفصيل أكبر ورد في الباب الخامس ـ الفصل الأول-المادة 51: يشكل في الوزارة مجلس يسمى مجلس الأوقاف الأعلى، ويكون الوزير رئيسه ومعاونوه أعضاء، حيث يستولي فيها وزير الأوقاف على صلاحيات المفتي لعام للجمهورية، مخالفاً بذلك تاريخ المؤسسة الدينية الإسلامية السنية في البلاد منذ الاستقلال. وفي الواقع فإن هذا الباب يعلن خاتمة صراع الوزير مع المفتي بالضربة القاضية.

وورد في الفصل الأول مادة 2 فقرة م: تعزيز دور فريضة الزكاة، والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها، والفقرة الأخيرة تجعل من الزكاة أشبه بالضريبة الإجبارية بدلاً من أن تكون عملاً خيرياً يقوم به المسلم طواعية؟.

ويختم “صالح” عن أكثر المقاطع في القانون إثارة ما في الفصل الثاني المادة 4: التي تتحدث عن اختصاصات الوزير على امتداد صفحة كاملة، وتجعل منه كما لو أنه الحاكم الواحد المستبد بأمره.

إذاً فكل ما سبق يثبت كيف تغلغلت إيران إلى الجهات النافذة في سوريا، ومنها وزارة الأوقاف، من دون أن يدري أحد، أو يدري وهو جاهل بما تخطط له، ولا أعتقد أن للسعودية دور في ذلك حتى لو كان القانون بمجمله يتحدث عن الطائفة السنية والإفتاء والشباب السني؟.

سامر النجم أبو شبلي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *