أخبار

الصراع الإسرائيلي – الإيراني على الأراضي السورية يحتدم.. النهاية لصالح من؟  

يبدو من التصريحات والأفعال الإسرائيلية الأخيرة على الأرض  في سورية خلال الفترة الفائتة، أن إسرائيل مصممة على إنهاء الوجود الإيراني، والذي قالت مرارا وتكرارا إنه يتعارض مع أمنها ومصالحها، ومن الواضح أن الرسالة وصلت إلى طهران كما تريدها تل أبيب،  فالتحركات الإيرانية على الأراضي السورية اختلفت، وخاصة بعد مقتل قائد “فيلق القدس”، على يد الأمريكيين، وتأثر إيران بشكل واضح بالعقوبات المفروضة عليها، ناهيك عن التصريحات التي تتحدث عن أن رأس السلطة السورية بدأ يفهم أن الإيرانيين يشكلون خطرا على حكمه

تصاعد عمليات القصف.. هل ستنجح إسرائيل بإنهاء التواجد الإيراني في سوريا؟

منذ العام 2011، شن الجيش الإسرائيلي مئات الغارات في سوريا، استهدفت بشكل أساسي مواقع لقوات السلطة السورية، وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني، لكن إسرائيل نادرا ما تبنت هذه الغارات، ولكن خلال الفترة الفائتة كثّفت إسرائيل من غاراتها بشكل كبير جدا مقارنة مع السنوات الفائتة، وطال القصف مواقع في جنوب وشرق ووسط وشمال سوريا.

وفي آخر قصف شنت طائرة حربية مجهولة غارات مقرات لميليشيا “لواء فاطميون” في منطقة الثلاثات الواقعة جنوب غرب مدينة البوكمال، والبادية أيضا شرق مدينة دير الزور، والتي تضم موقعا عسكريا لميليشيات إيرانية وعراقية، كما طال القصف مناطق شمال غرب مدينة البوكمال التي تضم معسكرا لميليشيا “زينبيون”، واستقبل مشفى “القدس” سبعة جرحى من “حزب الله العراق و”زينبيون” أغلبهم بحالة حرجة، وسبق ذلك قصف على مواقع في ريف حلب ودير الزور والبادية السورية قرب تدمر ومناطق بريف دمشق والقنيطرة، وأسفر ذلك عن دمار هائل في المقرات ومستودعات الذخيرة وخسائر في الأرواح سواء في صفوف الميليشيات أو قوات السلطة.

وجاء القصف تزامنا مع تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي،  نفتالي بينيت، قال فيها إنّ “إسرائيل انتقلت من مرحلة إيقاف التموضع الإيراني في سوريا، إلى مرحلة إخراجها بشكل كامل”.

وأضاف خلالها قائلا: “ستسمعون وسترون أشياء، فنحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا فحسب، بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد، أقصد طرد إيران من سوريا”، وأكد أنه سيتم إزالة إيران خلال 12 شهرا.

واعتبر “بينيت” أن إسرائيل ستنجح في تحقيق هدفها هذا، لكون القضية بالنسبة لإسرائيل هي مصلحة أمنية أساسية أما بالنسبة لإيران فإن سورية لها أهمية ثانوية فقط.

وجاءت تصريحات وزير الدفاع، تأكيدا على ما قالته إسرائيل على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، في حزيران / يونيو العام 2018، أن على إيران مغادرة سورية وكل سورية.

الرسالة الإسرائيلية وصلت؟

في الأيام الأخيرة نقلت مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام عن مسؤولين إسرائيليين لم تحدد أسماءهم تحديد أدلة على أن هذه الإستراتيجية تؤتي ثمارها وأن إيران بدأت في تقليص وجودها في سوريا نتيجة الغارات الإسرائيلية.

وقال مصدر لموقع “والا” الإسرائيلي: “للمرة الأولى منذ دخول إيران سوريا فإنها تخفض قواتها هناك وتجلي القواعد”.

وجاءت هذه التصريحات تزامنا مع حديث بعض الناشطين في دير الزور، عن انسحاب الميليشيات الإيرانية من عدة مواقع من ريف دير الزور، وتسليمها للقوات الروسية، مرجحين أن ذلك جاء بسبب الخوف من الاستهدافات المتكررة التي تقوم بها إسرائيل.

هل ستتخلى السلطة السورية عن إيران؟

قال جنرال إسرائيلي إن رئيس السلطة في سوريا بشار الأسد، بدأ يفهم أن الإيرانيين الذين جاؤوا لمساعدته في سورية، يشكلون خطرا على استمرار حكمه.

وأضاف رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال أهارون حليوة، في حوار مع موقع “واللا”: “الرئيس السوري بشار الأسد يفهم، أو بدأ يفهم أن الإيرانيين الذين جاؤوا لمساعدته بالحرب ضد تنظيم داعش بهدف إنقاذه، هم أنفسهم اليوم الذين يشكلون خطرا على استمرار حكمه، خصوصا وأنهم يشكلون خطرا كبيرا على قدرته لإعادة إعمار سوريا”.

وأكد أن الأنشطة السرية الإسرائيلية في سوريا مستمرة، وقال إنها “تنجح بشكل كبير في العمل على إخراج الإيرانيين منها، كما أشار إلى أن تقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان مستمر والوجود الإيراني لم يخفف.

وقال أحد المصادر المقربة من نظام الأسد للمؤلف مؤخراً: “إنهم مرضوا وتعبوا من الإيرانيين” ومع كل هذا هناك سبب للشك الكبير.

ويرى مراقبون أن هناك عناصر قريبون من السلطة السورية يتعبون من الوجود الإيراني، وسبق أن قال مصدر مقرب من السلطة في تصريحات صحيفة، إنهم مرضوا وتعبوا من الإيرانيين.

ويبدو أن ما مرت به إيران خلال الفترة الفائتة كان له تأثير جلي عليها، فالحملة الإسرائيلية الطويلة ضد المحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا كانت ناجحة جزئيا وتوضح هذا من خلال عدم وجود نوع من البنية التحتية للصواريخ الإيرانية في البلاد، كما أن المشروع الإقليمي الإيراني يواجه اليوم صعوبات كبيرة، وخاصة مع تأثره بالعقوبات الأمريكية، ومقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني والذي ترك فراغا كبيرا، ومن الواضح أن خليفته لم يستطع ملأه، كما فشلت الجهود الإيرانية لبناء موقف مشابه للوضع في لبنان في سوريا

الوجود الإيراني انخفض على الأرض.. ولكن بصمة طهران عميقة!

إن الوجود الإيراني التقليدي على الأرض في سوريا في انخفاض منذ عام 2018، وذلك لأن معظم العمليات القتالية الرئيسية في سوريا انتهت في ذلك العام، هذه الحقيقة ليست مثيرة للجدل،

ولكن الوجود الإيراني في سوريا عميق ولا يقتصر فقط على القوى العسكرية، بل عمدت إيران لتعميق بصمتها في كافة المجالات التي أتيحت لها.

أولا: قامت إيران بإنشاء  قوات بالوكالة داخل قوات السلطة السورية مثل “الدفاع الوطني” و”قوات الدفاع المحلية”، وتضم الميليشيات غير السورية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، وهناك تواجد مباشر لأفراد “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”، وهناك تشكيلات محلية من نمط “حزب الله السوري” يتم تجنيدها محلياً، مثل الكتيبة 313.

وهناك أيضا ترتيبات من النوع المختلط، إذ إن مواقع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله توجد ضمن المنشآت التابعة لقوات السلطة و يتم استخدامها بشكل رئيسي كموقع لجمع المعلومات الاستخباراتية والتنصت.

ثانيا: إيران لها استثمارات كثيرة في سوريا، وسبق أن وضعت يدها على كثير من الشركات والمفاصل الاقتصادية المهمة، بعد أن أغرقتها السلطة السورية بالديون وجعلتها مرهونة للقوى الأجنبية التي تتصارع لتضع يده على ثروات السوريين.

وفي آخر تطور  ناقشت السلطة السورية مشروع القانون الذي يتيح لإيران استثمار النفط في آبار بريف دير الزور، ويتضمن المشروع الذي ناقشته اللجنة البرلمانية تصديق عقد استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال، وهذا العقد هو نفطي لصالح سداد الدين الانتمائي طويل الأجل.

وقالت “مجلس الشعب” على “فيسبوك”، إن لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة ناقشت مشروع العقد لاستكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال مع ملاحقه (A-B-C)، حيث أشار وزير النفط علي غانم إن مساحة البلوك رقم (12) في البوكمال بدير الزور تبلغ 6,702 كيلومتر مربع.

وأضاف أن الاتفاقية استندت إلى الاتفاقية الاقتصادية الموقعة بين سوريا وإيران في 16 آذار 2015، والهدف منها زيادة عمليات الحفر والاستكشاف والتنمية والتطوير، وتحسين مردود الحقول النفطية والغازية.

وأردف: ”الاتفاق هو عقد نفطي لصالح سداد الدين الائتماني طويل الأجل، ومن الناحية القانونية ستكون المحاكم السورية هي المسؤولة عن كافة الأمور القانونية في حل الخلافات و النزاعات”.

وليس ذلك فقط ربما العامل الأخطر الذي عملت عليه الميليشيات هي توطين عوائل لها في مناطق سورية عدة، والاستيلاء على ممتلكات المدنيين وشراء العقارات، وافتتاح مراكز ثقافية و”حسينيات” لنشر الفكر الإيراني فيه، وجر الشباب إلى صفها عن طريق افتتاح مراكز انتساب لهم وإغرائهم بالمال، وكذلك إنشاء مركز خدمية عدة للأهالي، وفي بعض المناطق أخذت هذه الميليشيات دور الدولة داخل الدولة كما في دير الزور، وباتت تأخذ أوامرها بشكل مباشر من إيران.

ويبقى السؤال، هل ستستطيع إسرائيل فعلا إنهاء الوجود الإيراني في سوريا بشكل كامل، ربما ستكون الإجابة مع انتهاء مهلة الـ 12 شهرا التي أعطاها وزير الدفاع الإسرائيلي.