أخبار

الطلاق في الشمال السوري بلاء إضافي ينخر جسد الأسرة

 

هاديا منصور

لم تعد هيفاء القاسم (٣٠عاماً) تحتمل تجاهل زوجها لها بعد رحيله إلى أوربا، فقد وعد بلم الشمل، وبدل أن يساعدها ويقدر انتظارها له أكثر من خمس سنوات من الهجر والفراق، فقد عمد إلى الزواج بأخرى وهو مادفعها لطلب الطلاق.

تشكي هيفاء الغدر بقولها «لقد غدر بي حين أتيحت له الفرصة، وبدل أن يسعى لتحسين حياتنا عمد الى تخريبها»، وتضيف «صحيح أننا تطلقنا غير أنه من المستحيل أن أتخلى عن أولادي كما فعل»، وعن كيفية الطلاق تقول «لجأت لمحكمة مدينة معرة النعمان ورفعت قضية تفريق، وكسبت القضية بعد أن تنازلت عن كافة حقوقي مقابل احتفاظي بأولادي الأربعة». هيفاء تعمل اليوم في مجال بيع الألبسة لتتمكن من إعالة أبنائها.

قصة هيفاء واحدة من قصص كثيرة تغزو المجتمع السوري، إذ زادت نسبة الطلاق في المجتمع السوري لاسيما في مناطق الشمال السوري في الآونة الأخيرة ، وهو ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها المجتمع في ظل غياب استقرار العائلة السورية نتيجة النزوح المستمر والهجرة والفقر والتشرد.

في السياق نفسه تعزو سناء الأم لطفلين وتبلغ من العمر 35 عاما سبب طلاقها من زوجها لتفاقم المشاكل بينهما، بعد أن تهدم منزلهما بفعل القصف وانتقالهما للعيش في منزل أهله حيث تقول «أصبحت حياتي مع زوجي جحيما لا يطاق. تغيرت طباعه وأصبحت حادة وكأنه يريد أن يظهر “رجولته” في إهانتي أمام أهله، ليس ذلك وحسب، بل سمح لكل أفراد عائلته بالتدخل في حياتنا»، وتتابع بحزن «ليست الرجولة بالصوت العالي، وفرض السيطرة، والقسوة والإساءة إلى الزوجة وإستعبادها. إن الرجولة هي أن يكون الرجل رجلاً بالحكمة والعقل وحسن التصرف وإحتوائه لزوجته وإحترامها وتقديرها وحفظ كرامتها». عانت سناء الضرب والإهانة، ولم يعد بمقدورها التحمل بعد 4 سنوات إلا أن تطلب الطلاق، وفعلا حصلت على طلاقها، وطالبت بحضانة أولادها وهم يعيشون معها، وتنفق عليهم من خلال عملها بالخياطة.

وسائل التواصل الاجتماعي كانت هي الأخرى إحدى مسببات الطلاق بين الأزواج، حيث تحدث الخيانات الزوجية بإنشاء علاقات غير شرعية من قبل أحد الزوجين باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، حيث لم يتردد عامر طعمة (٣٩عاما) بطلاق زوجته بعد أن اكتشف أنها على علاقة مع رجال آخرين، وتتواصل معهم عبر الفيس بوك إذ يقول موضحا «كنت كلما دخلت المنزل أشعر بإرتباكها دون معرفة السبب، إلى أن دخلت خلسة ذات يوم وسمعتها تتكلم وتضحك مع أحدهم فلم أتمالك أعصابي وطلقتها فورا». الطعمة ليس نادماً على قراره، فهو يعتقد أنه فعل الصواب، لأن الزوجة التي «لا تحترم علاقتها مع زوجها لا تستحق ثقته، ولا أن يجعلها أميرة منزله وأم أبنائه» بحسب تعبير الطعمة .

وعن دور المحاكم الشرعية في الشمال السوري يقول المحامي فؤاد الإسماعيل لموقع أنا إنسان «إن المحاكم الشرعية في تسعى لمحاولة الصلح بين الأزواج قبل منح حكم الطلاق الذي زادت نسبته مؤخرا»، مشيراً إلى أن معظم حالات الطلاق تتم نتيجة للفقر والبطالة وعدم قدرة الزوج على الإنفاق، ويضيف «في حال الخلاف بين الأزواج صغار السن نأخذ حكما بالخلع بين الطرفين، لإحتمال عودتهما في حال نضوجهما، أما في باقي الحالات وقبل إتخاذ أي حكم فإننا نحيل الواقعة إلى محكمة الصلح، حيث يتم اللجوء إلى أهل الطرفين لتهدئة النفوس وتوضيح مساوئ الطلاق وإصلاح ذات البين»، ويكمل الإسماعيل أنه وفي حال عدم التراجع عن قرار الطلاق فيتم «تحويل القضية إلى محكمة الأحوال الشخصية وهناك يتم البت بالحالة فإما التفريق أو الطلاق أو الخلع، وفي حال كان الزوج هو من أراد الطلاق فيترتب عليه النفقة على الأبناء الصغار بسن الحضانة، ودفع مهر الزوجة، أما في حال كانت الزوجة من طلبت الطلاق فيتم إجراء عقد خلع مقابل التنازل عن شيء من حقوقها في كثير من الحالات»، وأكد الإسماعيل بأن أغلب حالات الطلاق تتم خارج المحاكم الشرعية التي عادة ما تأخذ وقتا طويلاً، وذلك بالتفاهم بين الطرفين وبإشراف أحد الشيوخ، وهو مايحصل في حال العقود غير المسجلة في المحاكم والتي كثرت خلال سنوات الثورة في ظل شبه غياب المحاكم المدنية.

وعن الطلاق وتأثيراته السلبية على الحياة الأسرية تتحدث المرشدة الإجتماعية فاتن السويد قائلة «للطلاق تأثير كارثي على مستقبل الأطفال الذين يصبحون عرضة للجهل والفقر والتسرب من المدارس وحتى الانحراف الذي يغدو نتيجة طبيعية لغياب رعاية وتوجيه الأهل، وقد يؤدي ذلك الى تفاقم المشاكل النفسية التي يعيشها الأطفال من حزن وعزلة وعدوانية وتدني المنسوب الدراسي وإضطرابات النوم والإكتئاب»، وترى السويد أنه من الضروري العمل على الحد من الظاهرة من خلال رفع مستوى الوعي الفردي والأسري عبر إقامة حملات ومبادرات وتسويق إعلامي للكشف عن مخاطر العلاقات غير الشرعية وأهمية التماسك الأسري بالنسبة للأسرة والمجتمع بشكل عام وذلك كخطوة مبدئية للحفاظ على ما تبقى من توازن اجتماعي ونفسي في ظل الظروف الصعبة الراهنة .

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *