أخبار

العمل يسرق أحلام الأطفال السوريين

نور ابراهيم

في جرمانا على أطراف العاصمة دمشق، يعمل منير 12 عاما في ورشة تصليح سيارات ليستطيع إعالة أمه وأخوته.

منير الذي ترك المدرسة بعد مقتل والده في انفجار قذيفة هاون في دمشق، بدأ العمل في الورشة الصغيرة منذ قرابة العامين، يعمل فيها من الصباح حتى المساء بأجر زهيد لا يتجاوز الألف ليرة سوريّة يوميا.

اضطر منير إلى ترك المدرسة فلا وقت للعلم أمام المسؤوليّة التي حملها مبكّرا، فهو أكبر أخوته الذين لا يستطيعون تحمل مصاعب العمل ولا يملكون معيلا سواه.

يقول منير: “صحيح أنّ عمري 12 عاما لكنني أشعر بأنني كبير جدا فأنا المسؤول عن أمي وأخوتي، إذا لم أعمل لن نتمكن من تناول الطعام”.

يتعرّض منير لمعاملة قاسية من صاحب الورشة، لكنّ أبو مروان صاحب الورشة يقول بأنّه يقسو عليه ليعلّمه المهنة، مضيفا بأنّه قبل بتشغيله عنده تعاطفا مع وضعه الصعب.

تسبّبت الحرب في سوريا بفقد العديد من العائلات لمصادر رزقها، ما دفع الملايين من السوريين نحو الفقر وقاد الكثير من الأطفال إلى العمل حتّى لو كان شاقا نتيجة الظروف المعيشيّة السّيئة، ولا سيما الذين تراوحت أعمارهم بين 10 إلى 16 سنة وجعل معدلات عمالة الأطفال تصل إلى قرابة 49%.

وبحسب إحصائيّات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فإن أكثر من مليون طفل سوري فقدوا أحد والديهم أو كليهما بسبب الصّراع الدّائر في البلاد منذ العام 2011، سعيد 13 عاما هو واحد من هؤلاء إذ اضطر إلى ترك المدرسة حين كان عمره 10 سنوات بعد مقتل والده برصاص قنّاص في الغوطة الشرقيّة، حتّى يعمل في مشغل للحلويّات ويؤمّن قوت يومه وأهله.

تمكّن سعيد من شراء ملابس جديدة له ولأخوته في عيد الأضحى الماضي، بعد أن ادّخر لذلك طيلة العام، رغم أنّ المال الذي يحصل عليه والذي يعطيه لوالدته لتنفق على المنزل بالكاد يكفيهم وخاصّة أنّه يحصل على خمسة آلاف ليرة أسبوعيا.

تنظر والدة سعيد على ابنها بحسرة، يحزنها ما آل إليه، لكنها لا تستطيع فعل شيء فهي تعمل من الصباح على المساء في بيع الخبز وهذا العمل لا يكفيها لإعالة أسرتها الصغيرة فيبدو عمل سعيد خيارا صعبا لكن “ما باليد حيلة”.

إنّ ظروف الحرب وقلّة فرص العمل، دفعت الأطفال، نحو العمل في مهن صعبة حيث تزايدت أعدادهم في ورش الحدادة وتصليح السّيارات، كما دخلوا مجال إعادة تدوير البلاستيك، البيع في الشوارع، التّسول، الزّراعة، وغيرها من المهن التي توصف بالخطرة.

يعمل عليّ 14 عاما مع أطفال آخرين في جمع البلاستيك لإعادة بيعه من جديد، يتحمل عليّ مصاعب العمل ليتمكن من مساعدة والده في جمع المال لإجراء عمل جراحي لأخيه، علّه يستعيد بصره الذي فقده بعد انفجار لغم بجانبه حين كان يلعب بالقرب من منزله في ريف دير الزور.

عليّ الذي نزح مع أسرته إلى ريف دمشق أملا بعلاج أخيه وهربا من الوضع الأمني المزري في دير الزور قبل عامين، لم يعد يفكر باللّعب مع أقرانه في الشارع فالهمّ الذي يحمله جعله يكبر أعواما كثيرة قبل الأوان.

يقول عليّ: “حين أتينا إلى هنا وبدأت العمل وجدت صعوبة كبيرة بسبب طبيعة العمل القاسية، لكنّني اضطررت لتحمّل ذلك وحاولت أن أقوى لأجمع المال وأستطيع تأمين مستقبل أفضل، أعمل أنا ووالدي لنتمكّن من إجراء عمل جراحيّ لأخي أشعر بالحرقة كلما نظرت إليه”.

حوّلت المأساة الانسانية النّاجمة عن الحرب السوريّة الأطفال إلى رجال كبار، بعدما سرقت منهم أحلام الطفولة وبراءتها وبلادا أحرقتها الحرب ودمرت معظم مؤسساتها التعليمية، لكنّ لهؤلاء الأطفال أحلامهم الصغيرة الذين يتمنون أن تتحقق يوما فمنير يتمنى العودة إلى المدرسة وسعيد يتمنى ألا تضطر والدته إلى العمل ببيع الخبز مجدّدا وأن يتمكن من العمل حتى لا تحتاج أحدا، أمّا عليّ فكل أمله أن يتمكن أخيه من الرؤية مجددا.

تطرق روان 12 عاما أبواب المنازل في إحدى الأبنية في ريف دمشق تسأل قاطنيها إن كانوا يرغبون بتنظيف الدرج، عند موافقتهم تحمل دلو الماء الكبير وتبدأ بالتنظيف، “ألا يبدو ثقيلا عليك؟” تقول لها إحدى القاطنات، متأسّفة على طفولتها المهدورة في هذا العمل الشاق فتقول روان “لا أنا معتادة على ذلك”.

لا تحلم روان بالكثير، جلّ ما تحلم به عودة أبيها الذي فقدوا الاتصال به قبل أربعة أعوام أثناء عودته من عمله، ورغم محاولاتهم اليائسة في معرفة مصيره، لا خبر عنه حتى الآن.

اضطرت روان إلى العمل في تنظيف الأدراج كما اضطرت والدتها لتنظيف المنازل، ليستطعن تدبّر أمورهنّ دون الاعتماد على عطيّة من أحد، ورغم الحزن الذي يسيطر على حياتهن لا يمنعن نفسهن من الخروج مساء ليتمشّين في الأسواق ويحصلن على بعض المرح.

بحسب تقارير لـ “الأمم المتحدة” فإن عدد الاطفال العاملين حول العالم يبلغ نحو 168 مليون طفل أعمارهم بين 10 سنوات حتى 18 سنة يعملون، والنسبة الأكبر من هؤلاء الأطفال في مناطق تشهد نزاعات مسلّحة أو اضطرابات، وقدّرت نسبة الأطفال السّوريين العاملين بـ20% من إجمالي نسبة العاملين، مقارنة بـ10% قبل الحرب السوريّة.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *