أخبار

القتل بحجة الـــ «شرف» .. قتل عمد

 

 

ضحية جديدة تضاف إلى ملف ما يسمى بــــ «جرائم الشرف» قتلت يوم الثلاثاء الماضي 18 حزيران/يونيو، القاتل شقيق الضحية سلم نفسه للشرطة مدعياً أنها «جريمة شرف»، والضحية الشقيقة الأرملة تبلغ من العمر 43 عاماً، وأم لثلاثة أطفال، فتاتان في الصف التاسع الاعدادي، وشاب في الصف السادس الابتدائي، توفي زوجها منذ 10 سنوات، وتعمل في البيوت لتعيل أطفالها.

تبين بعد نقل الجثة إلى المشفى والكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي ألا وجود لآثار علاقة جنسية في يوم الجريمة، وأنها بريئة من التهمة. وبين مؤيد ومتعصب للقتل بحجة غسل الشرف، ومعارض للقتل بكل أنواعه، تبقى جرائم الشرف وعقوباتها موضع خلاف كبير، لكن المدافعين عن حقوق المرأة والحياة، يعلو صوتهم بشكل مستمر لكي تأخذ العدالة طريقها وتنصف النساء، وتحميهم من الموت المجاني الذي يسانده قانون ضعيف وضعه رجال السلطة الدينية المخترقين للحياة السورية بكل تفاصيلها.

تقول الناشطة “أحلام بو غازي” بعد مقتل عدد كبير من النساء في مناطق متفرقة من سوريا بحجة الشرف: «العذر المخفف لجرائم ما يسمى بالشرف تخفض العقوبة من السجن المؤبد أو عشرين سنة إلى مدة لا تتجاوز خمس إلى سبع سنوات، وهذا الذي وصلت إليه عشرات المناضلات السوريات على مدى سنوات طويلة من العمل، حيث يحكم القاتل بخمس سنين سجن، وهي عقوبة الجنحة وليس الجريمة، وأحياناً بالاحتيال على القانون يتم تخفيف العقوبة إلى سنتين، فلماذا لا يقتل أخته في حال كانت عائقاً بينه وبين ميراث كبير، أو يقتل زوجته بحجة غسل شرفه لكي يتزوج من غيرها دون أن يعيبه أحد؟».

المحامية “سامية عمار” تحدثت عن مواد قانون العقوبات السوري بالقول: «أقر المشرع السوري في المادة 192 بتخفيف العقوبة على كل من يرتكب جريمة بدافع الشرف. أما المادة 548 فأوردت أنه يستفيد من العذر المحل من فاجئ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو أحد منهما بغير عمد. أي لا جرم عليه».

والذي أرادت “عمار” التأكيد عليه أنه ليستفيد الجاني من العذر المخفف يجب أن يتوفر  شرطين أو عنصرين هما الشرف والمفاجئة، ومن وجهة نظرها أن نص هذا القانون هو شكل من أشكال العنف ضد المرأة. موضحة في ردها على “أنا إنسان” أن القانون غير عادل أبداً، وأعطى القاتل مجالاً كبيراً للقيام بجريمته، وربما يكون حكم القانون والتخفيف من العقوبة سبباً في التحريض على ارتكاب هكذا جرائم. ومن ناحية أخرى؛ لا يحق لأي إنسان إنهاء حياة شخص لمجرد أنه يعتقد أنه أخطأ بقيامه بفعل ما، حتى لو كان الأمر متعلقاً بالشرف، وأستغرب لماذا لم ينظر إلى زنا الرجل على أنه جريمة أصلاً، وأن الأمر متعلق بالمرأة فقط. كما أن هناك الكثير من الممارسات في المجتمع، والتي تعتبر بمثابة جريمة ولا يعاقب عليها القانون، كترك الوالدين في كبرهما دون معيل مثلاً، وأعتقد أنها جريمة شرف أكثر من التي نتحدث عنها.

الناشطة الشابة “لينا مسعود” قالت عن هذه الجرائم: «لا يحق للرجل القيام بجريمة ضد المرأة من خلال إقامة الحد عليها. فمن ناحية دينية؛ كل تعاليم الأديان المختلفة تؤكد على فكرة القصاص هي من حق الله فقط. القصاص بالدنيا هو شريعة الغاب، ويجب إلغاء قانون “جريمة الشرف” الذي يسمح للقاتل بارتكاب جريمته دون عقاب رادع، ويخرج بعد فترة قصيرة من السجن ليكمل حياة طبيعية، فالجريمة ليس لها مسميات أخرى ولا تتجزأ، وكل من يخطئ يتحمل نتيجة ذلك، سواء كان أبيها أو أخيها أو زوجها».

وأضافت: «لماذا نسمع بجرائم الشرف مع الأنثى، ولم نسمع مرة عن مقتل شاب لأنه ارتكب معصية، وهتك شرف فتاة؟. وهل غشاء البكارة يحدد الشرف؟!. هناك الكثير من الفتيات يمارسن الجنس بعيداً عن الغشاء فهل هن شريفات؟!.  باعتقادي هذا الغشاء لا يحدد شرف البنت، وهي مسؤولة عن حياتها وتصرفاتها، وعلينا المطالبة بالكفاف عن محاسبة الخلائق من مبدأ شريعة الغاب. أما بالنسبة لتعريف الشرف، فهو باعتقادي لا يرتبط بالجنس، إنما يرتبط بالأخلاق والنزاهة والصدق في التعامل. وأنا أحترم بنات الليل اللواتي يعرضن أجسادهن مقابل مبلغ مالي، فهنا الغاية صريحة، وهن أشرف من اللواتي يمثلن الحب والمشاعر على شباب أغنياء لكسب المال، فمن الشريف بينهن؟. فالشرف إذاً هو الإنسانية والأخلاق والصدق والكرامة، ولا يعتمد على ممارسات الشخص النفسية أو الجنسية».

ويذهب المدافعون عن حقوق المرأة بمثال صارخ عن قتل المرأة لزوجها عندما ضبطته متلبساً بجريمة الزنى؛ فيطبق عليها قانون العقوبات وبجريمة القتل التامة.

المعطيات غير الرسمية تذهب أن جرائم الشرف في سوريا تحتل المرتبة الخامسة عالمياً، وهناك من يصنفها بالمرتبة الثالثة بعد اليمن وفلسطين، وذلك بسبب التشريعات التي أسست بيئة مناسبة لهذه الجريمة، خصوصاً عندما يعلم مرتكبها أنه يمكنه  التنصل من العقوبة.

ومن الأرقام الملفتة وغير الرسمية أيضاً، أنه كان يقتل كل عام ما بين 200 و300 جريمة شرف في سوريا قبل الحرب، ولكن مع انتشار الفوضى والسلاح العشوائي، والغنى الفاحش نتيجة التهريب والتجارة غير المشروعة، والبحث عن الملذات، بات القتل وسيلة سهلة للتخلص من أي عائق أمام الرجل، خاصة أن الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم يعرفون تماماً بأن عقوبتها مخففة، فالقوانين الرخوة تصنع قاتلاً محترفاً لا يخاف العاقبة. فالكثير من الأشخاص يستغلون هذا التراخي للتخلص من زوجاتهم أو قريباتهم، بشكل لا علاقة له بالخيانة وإقامة علاقات جنسية غير شرعية.  ورأت المحامية “عمار” أن تفسير النصوص كما يحلو للرجل هو وراء تحليل وهدر دم الأنثى.

في حين قال أحد رجال الدين الذي رفض ذكر اسمه أنه يحق للرجل المساكنة والمصاحبة وتعدد الزوجات، وهذا ما أحله الدين والشرع، لكن لا يمكن للمرأة القيام بذلك لأنها مؤتمنة على عرضها.

المحامي نبيل ضو قال «إن من يقتل بحجة الدفاع عن شرفه أو شرف العائلة هو مجرم وقاتل بكل المقاييس القانونية والإنسانية، هي جريمة بشعة مكتملة الأركان وغالباً ما تكون عمداً مع سبق الإصرار والترصد، فالقاتل أيا كان هو مجرم ويستحق العقاب، ومن يدافع عن الفاعل والفعل هو محرضٌ على الجرم وشريك فيه بشكل أوبآخر، ومن يساهم في تقزيم هذه الجريمة بحجة أنها تتماشى مع قيم المجتمع والعادات والتقاليد هو أيضاً يكرس استمرار هذه الجرائم التي غالباً ما تكون مبنية على الشك والتخمين وليس على الحقيقة واليقين، ومن يحاول أن يخفف من وقع هذه الجريمة على المجتمع فهو مروج لها. إن القتل هو القتل وليس هناك قتل شريف وقتل آخر غير شريف، وإن وعينا لازل عاجزاً وقاصراً عن فهم معنى الشرف الحقيقي».

 

سامر النجم أبو شبلي

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *