أخبار

المخدرات تنتشر بقوة في الشمال السوري

تعاني مناطق الشمال السوري المحرر انفلاتاً أمنياً كبيراً، كان أحد تجلياته انتشار المواد المخدرة، فقد ظهرت أنواع كثيرة من الحشيش والأفيون والهيروين والكبتاغون وحبوب الهلوسة وغيرها الكثير، فكان جل ضحاياها من طلبة المدارس والجامعات ومصابي الحرب.

الشاب “حيان المحمود” لجأ لتفريغ انزعاجه وقهره مما يواجهه من ضغوطات نتجت عن إصابته خلال الحرب والتي تسببت له بإعاقة في قدميه، إلى تعاطي حبوب الترامادول المخدرة، حيث بدأ حيان باستخدم تلك الحبوب  كمسكن للألم، غير أنه سرعان ما غدا شبه مدمنٍ على تعاطيها بعد أن وجد فيها راحة جسدية ونفسية لما يعانيه من آلام، وفي حديثه لموقع “أنا إنسان” يقول: “لا آبه كونها إحدى المواد المخدرة، فكل ما يهمني وأنا بهذا الوضع المزري أنني شعرت معها بنسيان ما أمر به من ضيق  -ويهمس بصوت منخفض – رغم أنني بت مدمناً عليها غير أنها الوحيدة التي غدوت أطلبها برغبة، بعد شعوري بالعجز الذي يلازمني طيلة الوقت”.

المحمود مستسلم لإدمانه لا يحاول البحث عن سبل تنجيه من هذه الآفة الخطرة، عكس الشاب  “علاء الرحمون” الذي استطاع  برغبة كبيرة وبمساعدة أهله التخلص من هذا الوباء، وعن تجربته يتحدث علاء قائلاً:  “كنت في السنة الثالثة من دراستي الجامعية بكلية الآداب في جامعة حلب حين تم اعتقالي من قبل قوات النظام على خلفية مشاركتي بإحدى المظاهرات أواخر عام 2014، واضطر أهلي لدفع مبالغ مالية كبيرة بغية إطلاق سراحي، وفعلاً حررتُ بعد مضي أكثر من سنة على اعتقالي”،  ويتابع حديثه: “تخليت عن دراستي بعد ذلك، خوفاً من معاودة اعتقالي ، واتجهت للعمل في البناء بغية الإنفاق على نفسي. كان العمل صعباً وقليل المردود، شعرت معه بحجم المعاناة بعد أن فقدت دراستي وفقدت معها مستقبلي وطموحاتي وبدا لي كم بت طاعناً في البؤس، الأمر الذي دفعني لتعاطي الهيروين علها تساعدني بالخروج من واقعي المرير”، غير أن “الرحمون” سرعان ما أدرك الحالة السيئة التي وصل إليها، وبأن المخدرات ماهي إلا وهم قاتل، فبدأ وبمساعدة أهله بزيارة أحد الأطباء للتخلص من إدمانه.

أما لؤي العمر 15عاماً فاعتاد سجائر الحشيش، وراح يتباهى بها أمام زملائه في المدرسة غير آبه بوجود المدرسين الذين علموا بالأمر، وتغاضوا عنه لرغبتهم بعدم الوقوع في مواجهة مع طالب مدمن لا يتوانى عن إهانتهم إن شعر بالاهانة من قبلهم، وهو ليس الوحيد فعدداً من زملائه يتعاطون الحشيش أيضاً وهم يحصلون عليه من خلال مروجين على تطبيق الواتس أب.

أسباب عديدة ساهمت بانتشار المواد المخدرة في الشمال المحرر أهمها انتشار بائعي الدواء الذين لا يمتون إلى مهنة الصيدلة بأي صلة، وهمهم الوحيد هو الكسب المادي فحسب، لذلك يقومون ببيع الأدوية المخدرة والمهدئة دون وصفات طبية “كالأوبرفان والترامادول و البالاتال” وغيرها ، علماً أن الأطباء لا يصفون تلك الأنواع للمرضى إلا لدى الضرورة القصوى.

هذا ما أوضحه الصيدلاني الأكاديمي “يوسف علواني” خلال حديثه لموقع “أنا إنسان” حيث يقول: “كثيراً ما يأتيني زبائن غرباء يبحثون عن كميات كبيرة من الأدوية الطبية التي تستخدم لتخدير المرضى قبل إجراء العمليات الجراحية، ولكنني أرفض بيعها لهم لعلمي بأنهم يستخدمونها كبديل عن الحشيش الذي يتعاطاه المدمنون المنحرفون، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تكرار تردد هؤلاء على الصيدليات المخالفة، وحصولهم على تلك الأدوية المخدرة وخاصة مع زيادة انتشار الصيدليات العشوائية في ريف إدلب”.

وكان لنظام الأسد ومن ورائه ميليشيا حزب الله اللبناني يد في إدخال المواد المخدرة إلى المناطق الشمالية المحررة سيما إدلب وريفها عن طريق بعض التجار من خلال تسهيل مرورها عبر حواجزه المنتشرة على الطرقات بهدف تدمير عقول الشباب وتصعيد الفوضى، وفق ما أكده النقيب “عبد الرحمن البيوش” من شرطة إدلب الحرة، مؤكداً بأن إدخال المخدرات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بكثرة وبيعها بأسعار زهيدة ساهم في جعلها بين الأيادي كإحدى الأسلحة الفتاكة للقضاء على الشباب وتدميرهم.

فيما لاينكر البيوش وجود أسباب أخرى ساعدت على انتشار تلك المواد ومنها زراعة القنب الهندي في مزارع صغيرة ضمن حدائق المنازل والتي غالباً تزرع في مناطق قسد، إضافة لإدخالها البلاد من معبر باب الهوى الحدودي من قبل تجار الأزمات.

فيما أوضح مصدر آخر في الشرطة الحرة رفض التصريح عن اسمه لأسباب أمنية، أن ثمة أشخاص يروجون للمواد المخدرة عبر شبكات موزعة بعدة مناطق غالباً ما يستحضرون تلك المواد بشكل سري عن طريق سيارات ووسائط نقل جماعية وفردية بعد إخفائها بين منتجات لا تلفت الانتباه إضافة إلى تهريبها عبر الزوارق عن طريق نهر الفرات ونهر العاصي بحجة صيد الأسماك، ولدى التحقيق مع بعض ما تم إلقاء القبض عليهم تبين أنهم يتبعون للنظام والميلشيات التابعة له.

ومن جهته الطبيب “أحمد منصور” يتحدث “لأنا إنسان” عن مخاطر المخدرات ويقول: “إن الإدمان سلوك قهري يجعل الإنسان يعيش تحت رحمة إدمانه، لما للمخدرات من تأثير سلبي على النفس والجسد، فهي تأثر على الجملة العصبية للإنسان وعند تعاطيها بجرعات زائدة قد تؤدي إلى الوفاة، كما وتعتبر أيضاً أحد مسببات انتشار أمراض خطيرة كالتهاب الكبد الوبائي والاضطرابات القلبية، إضافة إلى ذلك فهي تعمل على خلق مجتمع مضطرب بكل المقاييس وعلى كل الأصعدة حيث يرتبط تعاطي المخدرات بفساد أخلاقي في المجتمع وتكثر الجرائم بكافة أنواعها”.

ولأن الظاهرة لم تردع من الجهات الأمنية المسؤولة ممثلة “بهيئة تحرير الشام” فقد ظهرت حملات مدنية تدعو لتوعية الأهالي من مخاطر المخدرات وأضرارها الكبيرة على الفرد والمجتمع، ومن تلك الحملات حملة ”لا للمخدرات” التي ضمت فريق من الإعلاميين والنشطاء والمعلمين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، فقاموا بمحاولة إيجاد سبل للتعاون مع المؤسسات الصحية والمسؤولة للقضاء على أسباب هذه الظاهرة التي انتشرت، نتيجة تراجع الوعي وضعف المساءلة القانونية، تزامناً مع ارتفاع الضغوطات النفسية التي تدفع الشباب إلى الهروب من واقعهم المؤلم، فعملت على توزيع نشرات توعوية وعقدوا جلسات حوارية وندوات في العديد من المناطق الموزعة في إدلب وريفها، و أرياف حلب وفق ما أشار “قصي المحمد” أحد العاملين على الحملة، ومع ضعف الإجراءات الأمنية الرادعة لاتزال ظاهرة انتشار المواد المخدرة في ظل الحرب والنزوح والبطالة والضغوط النفسية في ازدياد، لتضاف لقائمة الأسلحة الفتاكة التي تساهم في القضاء على السوريين.

خاص _ أنا إنسان

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *