أخبار

المخدرات تنتشر بين الشباب في إدلب

هنادي درويش

يتعاطى الشاب “سامر” دواء “الترامادول” المخدر بكثرة، ظناً منه بأنها الوحيدة التي باتت تساعده على الهروب من واقعه المؤلم، خاصة بعد خسارته لقدمه اليسرى في القصف الجوي الذي طال مدينة “معرة النعمان”، والذي جعله غير قادر على الحركة، ولا حول له ولا قوة بعد أن كان يحمل الكثير من الطموحات.

 

يقول سامر عن عاداته الجديدة: «لقد وجدت فيها ضالتي بعد أن كدت أفقد عقلي، فأنا لا أحتمل أن أرى نفسي وقد غدوت محط عطف الناس وشفقتهم، فنظراتهم كانت تدمرني من الداخل».

فكر “سامر” بالانتحار؛ لكنه كان يتراجع لخوفه من خسارة دنياه وآخرته على حد تعبيره، وهو ما دفعه لحل بديل تجلى بتعاطيه المواد المخدرة، رغم علمه بأنها مواد تفتك بصحته.

 

ظهرت في مناطق المعارضة مؤخرا أنواع من المواد المخدرة كالحشيش والأفيون والهيروين والكبتاغون وحبوب الهلوسة، ترافق ذلك مع الانفلات الأمني وانعدام الرقابة لتكون فئة الشباب واليافعين أكثر الفئات المتضررة من انتشارها بسبب الضغوطات النفسية وضعف الرعاية والإرشاد.

 

الطبيب وائل العلي من مدينة “سرمين” بريف إدلب يضع لومه على انتشار الصيدليات الغير مرخصة فيقول: «النسبة الأكبر من ضحايا المخدرات هم من فئة الشباب دون سن الرابعة والعشرين، وساعد الانفلات الأمني على انتشار بائعي الدواء الذين لا يمتون إلى مهنة الصيدلة بأي صلة، ويتركز همهم الوحيد على الكسب المادي، فهم يبيعون الأدوية المخدرة والمهدئة دون أي وصفات طبية كالترامادول والأوبرفال، علما أننا نحن الأطباء لا نصف هذه الأدوية إلا للضرورات القصوى».

ويضيف الطبيب العلي بأن المخدرات تجعل الإنسان يعيش تحت رحمة إدمانه لها؛ وتأثيراتها السلبية على النفس والجسد، فهي تؤثر على الجملة العصبية وتؤدي إلى الوفاة عند تعاطيها بكثرة، وأنها إحدى أهم مسببات انتشار الأمراض الخطيرة كالتهاب الكبد الوبائي والأمراض القلبية، عدا على أنها تعمل على خلق مجتمع مضطرب بكل المقاييس؛ وعلى مختلف الأصعدة، حيث تكثر الجرائم بكل أنواعها.

 

النظام السوري لم يمكن بمنأى عن المساهمة بانتشار المواد المخدرة في مناطق المعارضة، عبر تسهيل دخولها وبيعها بأسعار زهيدة ما جعلها في متناول الأيادي كإحدى الأسلحة الفتاكة للقضاء على السوريين وتدميرهم، وهو ما يؤكده النقيب “عبد الرحمن البيوش” من شرطة إدلب الحرة الذي قال: «إنه من خلال اعترافات معظم الذين تم إلقاء القبض عليهم بتهمة تعاطي المخدرات أو الترويج لها؛ تبين أن هنالك عدة مصادر لهذه المواد، فمعظمها تأتي من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وذلك عن طريق بعض من وصفهم بضعاف النفوس الذين يقومون بدفع مبالغ مالية للضباط العاملين على الحواجز لقاء تسهيل مرورها، ذلك أن نظام الأسد وخلال السنوات الخمس الأخيرة شدد قبضته الأمنية للحفاظ على حكمه مقابل إطلاق يد الضباط ومن يسمون “الشبيحة” لارتكاب كافة الجرائم والتجاوزات».

وأكد “البيوش” أن ثمة مصدر آخر لانتشار تلك المواد، ومنها زراعة القنب الهندي في مزارع صغيرة ضمن حدائق المنازل؛ وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات الحماية الكردية، إضافة لبعض المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة قرب الحدود التركية. موضحاً بأنهم في مركز الشرطة الحرة نظموا أكثر من عشرة ضبوط لمتعاطي ومروجي المواد المخدرة، وكلهم تذرعوا من خلال تعاطيهم بمحاولة الهروب من الواقع المأساوي التي تعيشه البلاد، ومحاولة نسيان أقارب لهم خطفتهم الحرب وتسببت بوفاتهم.

وفي محاولة للحد من انتشار المخدرات قال “البيوش” بأنهم أنشأوا عدة دورات حول مكافحة المخدرات وأنواعها وطرق تهريبها للعاملين في الشرطة الحرة، وقد أشرف على تلك الدورات ضباط منشقون من ذوي الخبرة في مجال مكافحة المخدرات.

كما وأطلق ناشطون في مناطق ريف إدلب حملة تحت عنوان “لا للمخدرات”، بهدف توعية الأهالي من مخاطر المخدرات وأضرارها الكبيرة على المجتمع، وما يمكن أن يسببه الإدمان من دمار للشباب.

 

وقال “محمد حاج بكري” المسؤول عن الحملة بأن الهدف من الحملة يتركز على توعية الناس من مخاطر المخدرات والابتعاد عنها والحد من انتشارها، واستهدف فريق الحملة المؤلف من ٢٢ شخصاً؛ المدنيين النازحين من بلدات ريف الساحل وجسر الشغور، والمقيمين في مخيمات ريف إدلب الغربي، ضمن الفئة العمرية المحددة فوق سن الثالثة عشرة.

 

ولاقت الحملة ترحيباً واسعاً داخل الأوساط الشعبية التي شجعت على توسيع الحملة واستمراريتها.

 

أحد المستفيدين من الحملة، ويدعى “مهند الأسمر” (٢٥عاماً) أثنى على ما قدمته الحملة من معلومات وجلسات حوارية بالتأكيد: «كان لها دور كبير في بناء مجتمع سليم يدرك مخاطر المخدرات بما تكرسه من وعي في عقول الشباب للابتعاد عن هذه الآفة الخطيرة، التي باتت كالنار في الهشيم داخل المجتمع السوري بعد أن وفرت ظروف الحرب البيئة الخصبة لتداولها من تجارة وتعاطي، ليكون الشباب ضحيتها بعد أن جعلهم الإحباط وفقدان الأمل أكثر عرضة للوقوع في براثن هذه الآفة الخطيرة».

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *