أخبار

تفاصيل تنشر للمرة الأولى.. حكاية “ماما نوال” التي أبكت لجنة تحكيم “صنّاع الأمل”

رامي زين الدين

لم يكن حصول نوال صوفي على جائزة “صنّاع الأمل” مفاجئاً لمن يعرفها، آلاف اللاجئين الذين ساهمت بإنقاذهم يدعون لها في كل مناسبة (الله يوفقك يا نوال ويعطيكي ع قدر ما بتعطي حب وأمل).  الأمل الذي تمنحهم إياه بعد مغامرة محفوفة بالموت، جعلهم يصفونها  “ماما نوال”. بالنسبة لهم،  قلب كهذا، يفيض عاطفة وإنسانية جدير أن يوصف بـ “ملاك اللاجئين” وهو ما جاء في عنوان كتاب بالإيطالية تناول سيرة حياتها.

قهر.. ودموع

في الـ 16 من إبريل الفائت قابلتْ نوال لجنة تحكيم جائزة “صناع الأمل” في دبي، وضمّت اللجنة الإعلامي السعودي أحمد الشقيري وعلي جابر عميد كلية محمد بن راشد للإعلام والوزيرة الإماراتية نورة بن محمد الكعبي. تأثرت اللجنة بما روته نوال من مآسٍ وكوارث كانت شاهدةً عليها، حكايا أفقدتهم السيطرة على دموعهم. مشاهد القهر أكبر من أن توصف!.

أكثر ما شكّل صدمة للجنة وكان ذا وقعاً مؤلماً عليها، حكاية اللاجئة السورية الواصلة عبر أحد القوارب من ليبيا، عندما طلبت من نوال، التي كانت في استقبال القارب، أن تتحدث معها على انفراد. ودار بينهما هذا الحوار..

اللاجئة: أنا حامل!

نوال: ما المشكلة أنتِ وصلت بسلام وكل شيء سيكون بخير.

اللاجئة: ليست هنا المشكلة، أنا حامل من أحد المهربين!

نوال: ماذا تقولين؟ كيف حصل ذلك؟

اللاجئة: عندما كنا في ليبيا تجمّع عدد من المهربين وقاموا باغتصابي عنوةً وقد حملت من أحدهم!

نوال: “صمت مطبق”.

اللاجئة: لا أدري ماذا أفعل بهذا الطفل!

نوال: بماذا تفكّرين؟

اللاجئة: لا أدري. هل أنا مذنبة؟

نوال: بالتأكيد لا ذنب لك ولا ذنب للجنين، أنتِ ضحيّة.

تعيش اليوم تلك اللاجئة مع مولودها في ألمانيا، وقد تجاوزت ذلك المنعطف الموجع في حياتها، وتربّي طفلها بشكل طبيعي مثل غيره من الأطفال، دون أن يحمل وزر الظلم الذي ارتكبه والده البيولوجي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زهد..

لا تسعى نوال صوفي لنيل الجوائز ولا تضعها أولوية أو نتيجة لنشاطها الإنساني، إنما التكريمات هي من تسعى إليها، البرلمان الأوروبي منحها الجنسية الأوروبية الفخرية، وفي المملكة الغربية، وطنها الأصلي، تسلّمت وسام العرش الملكي من محمّد السادس. وحديثاً نالت المركز الأول في جائزة “صناع الأمل” التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مكالمة طارئة!

التقيت بنوال في السابع عشر من إبريل الفائت، خلال زيارتها الأولى لدولة الإمارات التي استغرقت يومين فقط. تثير نحافتها الانتباه، كأنها لا تأكل، أغلب الظن هي الرشاقة التي أرادها الله لها  حتّى تتنقّل بين موانئ وشواطئ القارة الأوروبية لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم.

أسرّت لي عدم راحتها في الفندق الفخم الذي تم استقبالها فيه، نادراً ما نسمع من الناس مثل هذه الانطباعات،  لكن نوال مختلفة، تفضّل الحياة البسيطة التي اعتادتها، كثيراً ما تضطر خلال مهمة إنسانية أن تنام مع مجموعتها في العراء، المهم إنجاز العمل، لا أهمية لأي شيء آخر.

بينما كنا نتمشى على كورنيش إمارة الشارقة، تلقّت نوال رسالةً صوتية عبر برنامج “واتساب”، مصدرها أحد السوريين في تركيا، ومضمونها أنهم مجموعة من اللاجئين الذين يريدون الإبحار باتجاه الشواطئ الأوروبية طلباً للجوء، ويريدون التواصل معها لمساعدتهم لدى الوصول. إجابتها كانت حاسمة وجادّة: (أخي الكريم في الأمس كان هناك 37 قارباً عالقاً قبالة شواطئ إيطاليا، إياكم الإقدام على هذه المغامرة المميتة.)

يخلط البعض بين مساهمة نوال بإنقاذ اللاجئين عبر البحر وموقفها من اتباع هذه الطرق الخطرة، إذ  ترفض أي مغامرة تعرّض الإنسان وأطفاله لمخاطر جسيمة، الحل بالنسبة لها هو معالجة أزمة اللاجئين بالطرق الآمنة، كتأمين ممرات إنسانية برعاية منظمات الأمم المتحدة، حيث تعمل نوال بين الفينة والأخرى على إخراج مصابين أو عائلات منكوبة من لبنان باتجاه بعض دول أوروبا.

بداية..

أثارت شخصية نوال الاستثنائية فضولي وشهيّتي الصحفية منذ العام 2014، لكثر ما سمعت عنها من أصدقائي الذين لجؤوا إلى أوروبا، الكلمة الدائمة على ألسنتهم “نوال ملاك اللاجئين”، فيض إنساني عابر للحدود تبثّه الشابة العشرينية.

بدأت بجمع المعلومات عنها بغية كتابة “بورتريه صحفي” للموقع الالكتروني الذي كنت أكتب له آنذاك، تواصلنا وتحدثنا مطولاً، ولمست سريعاً مدى تواضعها وبساطتها، لا سيّما هجرها للنزعة المادية التي تسيطر على معظم البشر اليوم، فضلاً عن تفرّغها التام للعمل الإنساني عن حب وإيمان وقناعة، علماً أنها متوسطة الحال، وتنفق على نفسها من عملها في مجال الترجمة لصالح المحاكم الإيطالية في قضايا اللاجئين. واستمر تواصلي معها لمتابعة أحوال اللاجئين ورصد القصص ذات الطابع المختلف.

دفق إنساني نادر..

تمنح هذه المرأة دفقاً إنسانياً نادراً، هي نموذجٌ فريدٌ للإنسان الذي يهب نفسه لمساعدة الآخرين، ولو كان ذلك على حساب راحته وطمأنينته وحقه بالعيش كغيره من الناس، إنها حالةٌ قلما نراها في هذا الكوكب الموحش. . وهو ما يجعلها، لا صانعة أمل فحسب، بل صانعة حياة أيضاً.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *