أخبار

تفاقم ظاهرة تعدد الزوجات في إدلب….والمرأة الضحية الأولى

سونيا العلي

لم يكن من السهل على أم عمر أن تتلقى خبر زواج زوجها من الثانية بعد أن شاركته الحياة بحلوها ومرها، الأمر الذي جعلها تترك المنزل وتطلب الانفصال، ولكن وجود الأطفال وحاجتهم الماسة إليها جعلها تتراجع عن قرارها وترضى بنصيبها على حد وصفها .

فقد فرضت الظروف المتغيرة في سوريا بفعل الحرب واللجوء حاجات ملحة وانتشار عادات كانت على نطاق ضيق، ليصبح تعدد الزوجات أمراً ضرورياً رغم الفقر وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني في البلاد، فقد انتشرت الظاهرة في إدلب وريفها بشكل خاص من خلال إقدام الرجل على الزواج من ثانية وثالثة وحتى رابعة نتيجة حتمية لازدياد عدد الأرامل بعد موت الكثير من الرجال واعتقال البعض الآخر إضافة لهجرة عدد كبير من الشبان إلى خارج البلاد .

أم عمر (٣٥عاماً)من معرة النعمان تعترض على وجود  الزوجة الثانية(الضرة)في حياتها وعن ذلك تقول :”بعد رحلة كفاحي مع زوجي وصبري على ظروفه الصعبة، كافأني بزوجة ثانية دخلت إلى حياتنا لتأخذه مني ومن أولادي، وتدمر حياتنا واستقرارنا، وقد هددني بالانفصال إذا لم أتقبل الأمر .”وتضيف وكأنها تريد أن تبث الألم المتزاحم داخلها من خلال كلماتها:”لم يعد بيني وبينه أي ألفة أو محبة، ووجودي معه هو جسد بلا روح .”

أبو عمر يبرر زواجه الثاني بالقول:”ليس كل من يتزوج بأخرى أنانياً، فقد تكون الظروف هي التي دفعته لذلك، وفي ظل الحرب يجب أن يعمد كل رجل إلى الزواج الثاني والثالث للتخلص من ظاهرة العنوسة في المجتمع، ومن الطبيعي أن ترفض الزوجة الأولى ذلك في البداية لكنها سرعان ما ترضى وتتقبل الواقع  .”

أما آمنة (٣١عاماً)وهي الزوجة الثانية تقول:”لجأت للزواج من رجل متزوج هرباً من نظرات المجتمع القاسية لي بعد أن تعديت سن ال٣٠عاماً، وخشيت أن يمضي بي قطار العمر وأحمل لقب عانس للأبد، لذلك قبلت الزواج من رجل يكبرني ب١٠سنوات رغم كونه متزوج ولديه أولاد .”

وليست ظاهرة تعدد الزوجات بجديدة في المجتمع السوري، حيث كان ولازال الرجل يتزوج إذا كانت زوجته الأولى لا تنجب أطفالاً أو تنجب الإناث فقط أو كان العريس ميسور الحال، ولكن الظاهرة تفاقمت بعد الحرب السورية التي اندلعت منذ ١٥آذار/مارس٢٠١١، والتي خلفت آلاف النساء الأرامل في مواجهة أعباء الحياة بمفردهن، فبرز دور رجال الدين في الحث على الزواج من النساء الأرامل وأمهات الأيتام ذوات الحاجة المادية، حيث ازدادت حالات تعدد الزوجات في إدلب وريفها بشكل خاص بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على معظم المناطق فيها، والتي تشجع بدورها على تعدد الزوجات من خلال الخطب والندوات والدورات الشرعية، كما تعرب عن استعدادها لتقديم مساعدات مادية للشخص الذي يتزوج من أرملة حرب ويتكفل بأولادها، وهي غالباً ١٠٠ألف ليرة سورية وراتباً شهرياً يصل إلى حوالي ٢٠ألف ليرة سورية لمن تكون أوضاعه المادية متردية .

أبو البراء أحد القياديين في هيئة تحرير الشام يتحدث عن ضرورة تعدد الزوجات بقوله:”بسبب كثرة عدد أرامل الحرب يجب أن يقدم الرجال على الزواج تطبيقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية التي سمحت بتعدد الزوجات حتى الزوجة الرابعة، وذلك إنقاذاً للمجتمع من مشاكل أخلاقية قد تؤدي إلى انهياره .”

أم وائل من ريف إدلب تشكو زوجها الذي أقدم على الزواج من أرملة صديقه بحجة الستر عليها والرغبة بتربية أبنائها الأيتام وعن ذلك تقول :”كانت حياتي مع زوجي سعيدة ملؤها المحبة والتفاهم، ولكنه تغير كثيراً بعد انضمامه لفصيل(جبهة النصرة)، ولم أكن أتوقع يوماً أن يتزوج من أرملة صديقه بحجة أنه يرغب بالحفاظ عليها وعلى ولديها اليتيمين طالما الشرع يسمح بذلك ويشجع عليه .”

تؤكد أم وائل بأنها آثرت تقبل الأمر حفاظاً على أبنائها الخمسة من الضياع وظلم زوجة الأب بحسب تعبيرها، رغم أن زوجها بات يهتم بزوجته الجديدة أكثر من اهتمامه بهم .

لكن الكثير من حالات تعدد الزوجات في إدلب أصبحت استغلالاً لعوز المرأة وفقرها وتشردها، فيتزوجها الرجل لفترة محددة ثم يطلقها .

ومنهن فاطمة(٢١عاماً) التي لم تكن أوفر حظاً من سابقاتها، إذ تزوجت من رجل يكبرها بتسع سنوات لكنها اكتشفت بأنه اتخذ من النساء سلعة وتجارة تناسب مزاجه وأهواءه وعن ذلك تقول:”لم يمض من الوقت على زواجي به سوى خمسة أشهر حتى أخبرني بأنه سيتزوج من أخرى وبأنه مستعد للطلاق إذا كنت سأعترض على زواجه، كما اكتشفت بأنه كان متزوجاً من امرأة قبلي، وقد عمد إلى تطليقها بحجة أنها عنيدة ولم تتوافق مع عقله وآرائه .”وتضيف فاطمة بحزن والدموع تملأ عينيها :”لقد طلبت الطلاق وحصلت عليه، فأنا لا أستطيع أن أعيش مع رجل خائن يتعامل مع الزوجة وكأنها سلعة وفريسة ليس لها أي قيمة في نظره، رغم أنني في الشهر الثالث من الحمل وأنتظر مولوداً سوف يكون ضحية هذا الزواج الفاشل والخاسر الأكبر فيه .”

الشيخ أحمد العكل من معرة النعمان بريف إدلب يتحدث عن تعدد الزوجات بحسب الدين الإسلامي بقوله:”سمح الشرع بتعدد الزوجات، لكن الله أمر بالعدل بينهن من حيث المسكن ومستوى الإنفاق والوقت الذي يمضيه الزوج عند زوجته، وإن لم يستطع الزوج أن يعدل فواحدة تكفي ولا يجوز له الزواج من أخرى .”مضيفاً أن زواج الرجل من امرأة ثانية في حال لم يكن مقتدراً مادياً فهو حرام شرعاً، أما في حال كونه مقتدراً فيصبح الزواج واجباً مع ضرورة العدل بين الزوجات .”مبيناً أن نسبة تعدد الزوجات في إدلب بحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية وصلت إلى نحو ٣٠بالمئة فيما كانت قبل اندلاع ال

المرشدة الاجتماعية غالية التيزري من معرة النعمان تتحدث عن أسباب تعدد الزوجات وانتشار العنف الأسري بقولها :”شهدت المناطق المحررة حالات تعدد زوجات أكثر من مناطق سيطرة النظام بسبب تزايد نسب القتلى وتدفق الفتاوي الشرعية التي توجب ذلك، بغض النظر عن كون الزواج الثاني الذي يبني بيتاً يتسبب بالمقابل بخراب بيت آخر، فثمة زوجات لا يتقبلن الموضوع، مما سيؤثر على الأطفال الذين يكونون الضحية عادة، كما أن الكثير من الرجال يتخلون عن مسؤولياتهم تجاه أسرهم في حال زواجهم الثاني، ويحاولون التحرر من أعباء إعالة الأطفال مما أدى إلى تضخم ظاهرة العنف الأسري، وازدياد حالات الطلاق، وذلك بسبب قلة الوعي المتمثل بجهل الكثيرين بحقوقهم وواجباتهم .”مشيرة إلى ضرورة أن تعمل الجهات الفاعلة في إدلب على توعية المرأة بحقوقها واستقبال شكاويها وإلزام الرجل بتحمل مسؤولياته تجاه أسرته وأولاده وتأمين حياة كريمة لهم .

كما أن انتشار الفقر والعوز وفقدان الأمان وتراجع مستوى التعليم في إدلب وريفها دفع عائلات كثيرة من مقيمين ونازحين إلى القيام بتزويج بناتهم والموافقة على أي عريس يتقدم لهن ليتخلصوا من مسؤولياتهن ونفقاتهن .

عبير (١٨عاماً)من مدينة التمانعة بريف إدلب تتحدث لأنا إنسان عن معاناتها قائلة :”كنت في الثالث الثانوي ومتفوقة في دراستي عندما قرر أخي الأكبر أن يجبرني على ترك المدرسة بسبب فقدان الأمان والفلتان الأمني الحاصل في المنطقة، كما قرر لاحقاً  أن يزوجني من صديقه الذي أبدى رغبته بالزواج بي، فوافق أخي على طلبه دون أن يأخذ موافقتي علماً بأن العريس متزوج سابقاً ولديه ثلاثة أطفال .”

كما يعتبر الزواج المبكر أحد أهم أسباب تعدد الزوجات، أم عامر (٤٠عاماً)من معرة النعمان تشكو زوجها الذي مل منها بعد أن كبرت برفقته، ويحتاج إلى فتاة صغيرة وجميلة كاللواتي يظهرن في التلفاز بحسب وصفه، لذلك يهددها بشكل دائم بالزواج من امرأة أخرى وعن ذلك تقول :”بلغ زوجي الخمسين عاماً لكنه يسعى للزواج من فتاة صغيرة تكون بعمر بناته، ويبرر للناس بأنه يسعى لتطبيق السنة النبوية  .”

الزواج ظاهرة اجتماعية جليلة تتطلب قدراً كافياً من الوعي والنضج والقدرة على تحمل المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية لبناء أسرة مستقرة، لكن ظاهرة تعدد الزوجات ترخي بآثارها السلبية على المجتمع السوري بعد أن بات انتشارها كالنار في الهشيم وخاصة في الأرياف والقرى نظراً لانخفاض وسائل التوعية الاجتماعية وانعدامها في بعض المناطق .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *