أخبار

رغم التهديد والترهيب …السويداء تحتضن السوريين

حمزة السيد

لم تغب السويداء، الحاضرة بقوة في جميع المفاصل التاريخية في سوريا، عما جرى في سوريا منذ أذار من عام 2011، والذي قد يكون أهم حدث في تاريخ سوريا الحديث منذ الاستقلال، حيث بدأ الحراك الشعبي المدني المطالب بالحرية والكرامة، والذي سرعان ما تم مواجهته بالعنف المفرط، وأخذ بالدفع إلى التسليح الذي أزكته العديد من الدول ذات المصالح، ففي الوقت الذي نأت به بنفسها عن الصراع المسلح، كان لها دورها الانساني بالرغم من الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها.

إغاثة

وقال الناشط سميح.د، أحد أبناء ريف السويداء الجنوبي، إن “مجموعات عديدة من شباب المحافظة سارعت في عام 2012، مع اعتماد النظام الحل الأمني العسكري، وخاصة في درعا المجاورة لنا وريف دمشق، حيث بدأت العائلات تنزح باتجاه السويداء، هربا من العمليات العسكرية والمداهمات، بدأت بدافع مساعدة الناس بجمع المواد الغذائية والفرشات والبطانيات، حيث تم توزيعها على كثير من الوافدين، الذين تم إطلاق عليهم اسم الضيوف رافضين أن يعتبروا نازحين في بلدهم”.

ولفت إلى أن “كثير من الأهالي استضاف عائلات لأيام حتى أمنوا منازل يسكنوها، وكان ذلك قبل أن تبدأ المنظمات حملات الاستجابة وعلى رأسها منظمة الهلال الأحمر، ولكن مع مرور الوقت بدأت الحاجات تتفاقم وتفوق امكانيتنا الذاتية، حتى أن أبناء المحافظة المغتربين ساهموا في دعم جهود الاغاثة التي نقوم بها حينها وحتى إلى اليوم وإن كانت بشكل أخر، حيث أصبح يرتبط ببعض المناسبات مثل شهر رمضان الكريم والأعياد وافتتاح المدارس”.

وبين أن “الأمر منذ البداية لم يرق للأجهزة الأمنية حيث بدأت تلاحق الناشطين في مجال الإغاثة، وتستدعيهم للتحقيق، وتبث في المجتمع إشاعات بأن هؤلاء عائلات الارهابيين وأنهم جاؤوا ليخربوا المحافظة، ومن يستقبلهم أو يساعدهم قد يعرض نفسه للمسائلة القانونية، إضافة إلى تخويف الناس أن استقبال الوافدين من مناطق ساخنة، سيشكل تهديد لتغير طابع المحافظة الديمغرافي، لكن كل ذلك لم يغير من توجه أهالي المحافظة بشكل عام”.

الأمان

من جهته، قال أبو أحمد، الوافد إلى السويداء من ريف دمشق، منذ بداية عام 2013، لـ”انا انسان”، “خرجت من بلدتي بعد أن بدأنا نتعرض للتضيق علينا واعتقال الشباب بشكل عشوائي، لم يسمح لي أن أخرج شيء سوى حقيبة ملابس واحدة لعائلة مكونة من 6 أفراد، حاولت الاستقرار بدمشق في الفترة الأولى، لكن التضيق كان شديدا إن كان على الحواجز أو حتى في المناطق التي يمكن أن أجد به منزل للإيجار، نصحني أحد أقربائي بالانتقال إلى السويداء، في البداية كنت متخوفا فهذه هي المرة الأولى التي سأدخل بها السويداء بالرغم أن عمري تجاوز الخمسين”.

ويتابع “بالفعل ذهبت إلى السويداء زرت لدى أحد أقربائي، بحثت عن منزل وسألت عن فرص العمل، فأنا كنت أعمل حداد، كان غالبية من قابلتهم إيجابين، حاولوا أن يساعدوني، حتى من استأجرت منه المنزل، عندما علم قصتي حفض لي الإيجار”، وأضاف “بالطبع لا يخلوا الأمر من وجود بعض الأشخاص العدائيين الذي يمكن أن تقابلهم هنا أو هناك، ولكن أعلم أن لديهم أسبابهم وقد يكون ما يسمعونه من هنا وهناك هو السبب، ولكن كثير منهم بعد أن تعاملت معهم غيروا أرائهم”.

أما أبو فهد، وهو وافد إلى السويداء من دير الزور، قال لـأنا إنسان”، أتيت إلى السويداء في عام 2014 عقب أن سيطر تنظيم داعش على بلدتي، نجونا بعد رحلة مليئة بالخوف والمخاطرة، قطعنا بها البادية”، ويضيف “عندما وصلت لم أكن أملك شيء سوى ثيابي، حتى أني أنفقت كل ما لدي من المال في الطريق، كانت تغطيني أنا وعائلتي الغبار والأوساخ، وصلنا إلى إحدى القرى في الريف الشرقي من السويداء، منهكين جياع، سألت أحد الأهالي إن كان هناك مكان نأوي إليه، لم يكن في هذه البلدة مكان لنازحين، كان الأهالي فتحوا للوافدين صالة البلدة الاجتماعية لكي يستريحوا بها قبل أن يكملوا الطريق، إلا أن حظي كان جيدا”.

وتابع “أحد الأهالي عندما رأى وضعنا السيء وخاصة أن معي أطفال أصر علينا أن يستضيفنا في منزله، كانت دعوة من الصعب أن أرفضها، وبالفعل ذهبنا إلى منزله اغتسلنا وبدلنا ثيابنا ونمنا من التعب، لم يقبل أن أرحل في الصباح فبقينا ليوم أخر، وعندما قررنا المغادرة قام بإيصالنا إلى الحافلة، وأعطاني مبلغ من المال، وعندما وصلت مدينة السويداء وجدت أن هناك مدرسة مخصصة للإيواء المؤقت فتوجهت لها، بقيت بها نحو 15 يوما، علمت خلالها أن الهلال الأحمر لم يكن لديه تعليمات باستقبالنا وتقديم المساعدة لنا، وأنه ممنوع أن نتوجه إلى دمشق”.

وذكر أنه “وجدا عملا بعد أيام من وصوله في البناء، بمساعدة من الأهالي، حتى أنه استأجر منزلا من شخص دون عقد إيجار، لأن عقد الايجار بحاجة إلى موافقة أمنية، ولم يرد أن يعرضنا لأي مخاطرة، واليوم أنا مستقر وعائلتي وأصبح لدي أصدقاء وزملاء في العمل وأعيش حياة طبيعية”.

ثائرة بصمت      

من جانبه، قال الناشط الاجتماعي، مأمون.ح، من أبناء السويداء، لـ”أنا انسان”، إن “المحافظة طوال سنوات كانت ثائرة بصمت، فقد استقبلت نحو 400 ألف مدني لجأوا لها ضيوفا مرحب بهم، من مختلف المناطق السورية بدأ من درعا ودمشق وريفها إلى حمص وحلب وادلب وديرالزور، في حين استقر بها نحو 18 ألف عائلة بشل دائم، ومنهم من أسس عمل له واندمج بالمجتمع”.

وأضاف “يتعرض الوافدين إلى المحافظة إلى العديد من حملات التحريض، مستغلين الأجواء المشحونة في البلاد وأفعال التنظيمات الاسلامية المتشددة كتنظيم داعش والنصرة، إضافة إلى بعض حوادث الخطف، التي وقعت في البلدات القريبة من درعا”.

وتابع “كما يحاول النظام تحميل الوافدين مسؤولية غلاء المعيشة وإيجارات المنازل، متغافلا عن الأتاوات التي تتقاضاها حواجزه على طريق دمشق السويداء، وفصل المئات من الموظفين من أعمالهم لرفضهم الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، ناهيك عن حصاره أكثر من 40 ألف من أبناء المحافظة داخلها بسبب امتناعهم عن الخدمة العسكرية كذلك”.

ولفت إلى أنه “بالرغم من كل الظروف الاقتصادية الصعبة والغلاء الفاحش في المحافظة، مازالت إلى اليوم تشكل المنفذ الرئيسي للمواد الغذائية والوقود للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا، ومخيمات النازحين في البادية الشامية شرق السويداء”

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *