أخبار

زواج السوريات من المقاتلين الأجانب.. مستقبل مجهول وأطفال دون هوية

سونيا العلي

تزوّجت نسرين من أبي قتيبة التابع لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وهو أحد المهاجرين المصريين إلى الشّمال السّوري، لكنّ زواجهما لم يستمرّ أكثر من خمسة شهور، لأنّه تركها وذهب للقتال بريف حلب.

نسرين (١٥عاماً) من ريف إدلب تتحدّث عن قصّتها والدّموع تنهمر من عينيها قائلة: “أعيش في أسرة فقيرة، فقد توفي أبي نتيجة مرض عضال ألمّ به، تاركاً خلفه تسع بنات وصبيّ واحد، فأجبرني أخي على الزّواج من أبو قتيبة لما له من السلطة والمال، إضافة لأنّه أحد المسؤولين في الجبهة”.

نسرين ليست الحالة الوحيدة في إدلب وريفها، فقد انتشرت ظاهرة زواج السّوريّات من الأجانب في الشّمال السّوري لأسباب عدة، في طليعتها الجهل وقلّة الوعي، إضافة إلى الفقر والعوز، وانتشار العنوسة بعد هجرة الكثير من الشباب السوريين إلى خارج البلاد بحثاً عن العمل والأمان وإكمال الدراسة.

الكثير من الأزواج الأجانب يختفون فجأة، فمنهم من يعود إلى بلاده أو ينتقل إلى جبهة قتالية في مكان آخر، فيما يقتل الكثيرون خلال العمليات العسكرية تاركين زوجات وأطفال قد لا يتسنى لهم أن يعرفوا أسماء آبائهم الذين يفضلون عادة عدم الكشف عن أسمائهم.

فاطمة الحسن (٢٢ عاماً) لم تكن أفضل حظاًّ فقد نزحت من ريف حماة إلى أحد المخيّمات الحدوديّة، تتحدّث لـ “أنا إنسان” قائلة :” بعد وفاة والداي في الحرب أصبحت أعيش أنا وإخوتي الصّغار مع أخي الأكبر، وبعد مدّة تقدّم لخطبتي شاب تونسي غنيّ يقاتل مع الفصائل العسكريّة، ووعد أخي بأن يشتري له بيتاً ويقدم لي الكثير من الحلي، فما كان من أخي إلا الموافقة طمعاً بالمال ورغبة بالخلاص من مسؤوليتي”.

وتوضّح فاطمة بأن تردّي الأوضاع في سوريا جراء الحرب المشتعلة كان سبباً في قبولها، فتزوجت به مع أنّها لم تعرف من اسمه غير أنّه يكنّى بأبي عبد القادر التونسي، وتحمّلت مزاجه العصبي وأخلاقه السيئة، فهو متعصب ولا يقبل المناقشة والحوار، وأجبرها على وضع النقاب بحسب تعبيرها.

تضيف فاطمة :” بعد عام من زواجنا رزقنا الله بطفلة، لكنّ الهاجس الأكبر بالنسبة إليّ هو خروج زوجي من المنزل دون عودة، وعندها سيضيع نسب ابنتي وتضيع حقوقنا”.

المحامي حسين أبو الشيخ من معرة النعمان يحدّثنا عن مخاطر زواج السوريّات من الأجانب قائلاً :” الزواج يجب أن يكون مبنيّاً على العلم والوضوح، ومعرفة الزوجين وتعيينهما، أما في حال الزواج من المقاتلين الأجانب فيتم كتابة العقد باسم أبو فلان الليبي أو أبو فلان المصري، دون الإفصاح عن الاسم الحقيقي للزوج، متذرّعاً بالدواعي الأمنيّة التي من شأنها الحفاظ على حياته، حيث لا يتمّ إبرام عقد الزواج بموجب وثيقة رسمية يحملها هذا الزوج”.

ويوضّح أبو الشيخ بأنّ ما يحصل غالباً هو استغلال المهاجر لظروف الحرب وأوضاع الفتاة العائلية الفقيرة، حيث يقوم برفع مهرها وإغراء أهلها بالمال، وإن كانت عانس أو أرملة أو مطلقة فيتمّ تزويجها للتخلص من عبئها المادي والاجتماعي على عائلتها، إضافة إلى لجوء بعض العائلات إلى القبول لقناعات فكرية أو خوفاً من تسلّط المهاجر وسطوته ونفوذه .

المرشدة الاجتماعية منى العمر من مدينة إدلب تتحدث لـ “أنا إنسان” عن مخاطر الظاهرة بقولها: “زواج السوريّات من مقاتلين أجانب ظاهرة انتشرت مع تحوّل الثورة السوريّة من مسارها السلمي للمسلح عام ٢٠١٢، وتوافد مقاتلين من جنسيات مختلفة للمشاركة في القتال، وقد ازدادت نسبتها تبعاً لسيطرتهم على مساحات واسعة في الشّمال السّوري، حيث تعتبر ظاهرة غير مقبولة دينياً ولا اجتماعياً، لأنها تثمر أطفالاً لا يمكن تسجيلهم في سجلات الأحوال المدنيّة، فتكون النساء هنّ الضحية، وكذلك الأطفال باعتبارهم لا يعلمون نسبهم وبالتالي لن يعترف بهم المجتمع.

الطفل وليد من مدينة إدلب لم يستطع الالتحاق بالمدرسة مثل أقرانه، وعن سبب ذلك تقول والدته: “تزوجت من رجل قطري بعقد شرعي خارج إطار المحكمة، وبعد إنجاب ولدنا الأول قتل زوجي في ساحات المعارك وبقي ولدي دون قيود أو ثبوتيات، لأنّ الجنسية السّورية تنتقل إلى الأبناء من خلال الأب فقط، أما الطفل الذي يولد لأم سورية وأب أجنبي لا يحصل على حقوق ومميزات المواطن السوري”.

من جانب آخر، حارب المجتمع الظاهرة بإطلاق حملة(من زوجك؟)في الشّمال السوري، وذلك من خلال توزيع اللافتات في الشوارع وعقد الندوات التوعوية، بهدف توعية النساء السوريّات من مخاطر الزواج من المقاتلين الأجانب، ومساعدة الأطفال الناتجين عن تلك الزيجات على الاعتراف بهم من قبل المجالس المحليّة والحصول على وثائق لتلقي اللقاحات ودخول المدارس.

قاسم زيدان مدير الحملة يتحدث عنها بقوله: “ركزت الحملة بشكل رئيسي على نشر الوعي من خلال الرسائل السلبية كنتيجة منطقية عن زواج السوريّات من المهاجرين، كما ركّزت على مستقبل الأطفال كثمرة لهذا الزواج والعوائق المؤثرة في مستقبلهم”.

ويضيف زيدان: “رصدت الحملة ١٧٥٠ حالة لسيدات من إدلب وغرب حلب تزوجن من مقاتلين أجانب، ١١٢٤ امرأة منهن أنجبن أطفالاً”.

النساء لسن الضحية الأولى للزواج من أجانب بل الأطفال أيضاً، حيث سيظهر جيل من الأطفال مجهول النسب من جانب والدهم، وسيجدون أنفسهم أمام كارثة اجتماعية ستؤثّر على تقبلهم للمجتمع وتقبل المجتمع لهم، إن لم يتم اتخاذ التدابير التي من شأنها الحد من انتشار الظاهرة .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *