أخبار

شخصيات من الطائفة العلوية تطالب بالتقسيم والانفصال عن سوريا

حيدر محمد

ارتفعت أصوات عديدة في الطائفة العلوية بشكل علني مطالبة بالتقسيم، والتخلص من النظام الذي أفقرهم، وقتل زهرة شبابهم، ونهب ثرواتهم، وجلب الأعداء والغرباء إلى ديارهم.

ورأى هؤلاء أن الطائفة العلوية المنقسمة أصلاً منذ زمن بعيد؛ كانت الخاسر الأكبر من الحرب السورية الطويلة، خاصة أنها تعرضت لكل أنواع القتل والوحشية والسبي بسبب عقيدتهم، وما جلبه النظام المحسوب عليهم من ويلات وكوارث لهم، وكان هو المستفيد الوحيد منها، كونه الأداة التي أشعلت الحرب، وقسمت المقسم للمحافظة على ثرواته وامتيازاته التي يحفظها أصلاً اللاعبون الدوليون له، مثل روسيا وأمريكا وإسرائيل، وخرجوا بقناعة تامة أن التقسيم هو الحل الوحيد للابتعاد عن ثقافة القتل وسفك الدماء والسبي، وقد بات واضحاً للجميع أن النظام شريك مع داعش من أجل استمراره في الحكم.

وكانت أكثر الأصوات العالية التي صدرت منذ فترة طويلة، وزادت خلال الأيام القليلة الماضية، تلك الصادرة عن الدكتور المعارض ناصر النقري الذي يتحدث باسم الغالبية المقهورة من أبناء الطائفة العلوية، موقناً أن التقسيم ينقذ قسماً ليس بقليل من السوريين، ويعزل الأقليات عن التوحش والإجرام، وهو بر الأمان للذين يريدون العيش بكرامة، بعيداً عن العرعور والجولاني، والبغدادي والنظام الفاسد الذي باع الأرض وأدخل الغرباء للمحافظة على مكتسباته التي كفلها اللاعبون الدوليون له طوال عقود.

وأكد النقري على صفحته الشخصية، وفي فيديوهات مباشرة: «أن النظام أقل ما يقال عنه أنه حثالة منضوية تحت سلطة مافيوية، والثمن هم الأقليات ضحايا التطرف والنظام معاً».

 

وفيما راقب موقع “أنا إنسان” الحراك في المناطق الساحلية عن كثب، والذي اكتسب صفة السرية، وفي أحيان كثيرة الخجل والخوف من القتل، كان عدد من الإعلاميين والمثقفين والمسحوقين في الأرياف والجبال يراقبون تطورات الأوضاع في الشمال والشمال الشرقي التي تسيطر عليها “قسد”، ودعموها بمناشيرهم على وسائل التواصل، باعتبارها تجربة رائدة في الحكم، وتوزيع الثروات، وحقوق المرأة. تلك المرأة في المناطق العلوية التي تعيش اليتم والترمل والعنوسة، ولم تستطع حتى اللحظة استيعاب أنها باتت بلا رجل أو ولد، بعد أن بات عشرات الآلاف من الذكور تحت التراب.

وأكد الناشط “علي محمد علي” (اسم مستعار) أن هناك عدد كبير من الضباط الكبار الذين ما زال بعضهم على رأس عمله، ووجوه اجتماعية نافذة قد ضاقت من تصرفات رأس النظام وشقيقه وأعوانه، وأنهم يخططون فعلاً للانشقاق والعودة إلى مناطقهم، وهم على قناعة تامة بالتقسيم؛ بعد أن باتت السيطرة على سورية كاملة أمر مستحيل، وبعد أن توضحت الصورة أمامهم بأن النظام يعمل فقط من أجل بقائه في الحكم على حساب الناس والأرض.

“علي” الذي خسر اثنين من أشقائه كان أكثر المتحمسين للدفاع عن سوريا، وعدم التفريط بأي شبر منها، مهما كانت التضحيات، اكتشف مع غيره سذاجة تفكيره، مؤكداً أن شقيقيه راحوا فداء اللا شيء، وكانوا ضحية عصابات إسلاموية وكذب النظام وشعاراته الجوفاء، «فأنا علوي، وقد عشنا سنوات طوال بخدعة أننا أخذنا حقوقنا بعد مئات السنين من القتل والجوع والنفي والعبودية، لنكتشف أننا كنا وقوداً لكي يصعد السفهاء على ظهورنا، وأن لا شيء تغير.. كل الشباب في قريتي إما ماتوا، أو باتوا مشوهين جسدياً ونفسياً، والنساء أصبحن متع للمتنفذين ورجال الدين الذين يفتون بأن ترضى النساء بأي رجل وبلا شروط؛ حتى ينجبن».

ومن الأسباب التي جعلت الكثير من العلويين يطالبون بالتقسيم بعد أن كانوا ضد هذه الفكرة بالمطلق، كان المراهنة على النخب السنية المثقفة، ولكن هؤلاء انبطحوا تحت سنابك داعش والنصرة، كما حصل في “إدلب”، فحتى الذين كانوا قياديين في حزب البعث باتوا قياديين عند هؤلاء، ولذلك فهم في خندق واحد ضد الناس البسطاء، والأقليات هم الضحية الأولى كما يعتقدون.

“فاديا” التي تنتمي إلى عائلة كانت على الدوام نافذة في السلطة، وتنافس آل الأسد ومخلوف، اكتشفت أن ما حصلت عليه لا يتعدى القشور، ووقعت مع عائلتها البسيطة مع أول حصار بالجوع والعوز، لتتيقن بعد خطف النساء العلويات واغتصابهن وقتلهن أن الذي حصل لا يمكن إصلاحه، خاصة أن النظام العلوي كان حريصاً على عدم الدخول في مفاوضات لتحرير السبايا. وتقول: «إذا عادت سوريا جغرافياً، هل ينسى العلويين اغتصاب بناتهم وقتل أبنائهم»؟.

يقول النقري”: «لا شيء أجمل من الوطن، ولا شيء مقدس أكثر منه، لكن عن أي وطن نتحدث إن كانت مكوناته تنظر للوطن، وتفهمه بصورة متناقضة كلياً لفهمنا له. ويوماً بعد يوم؛ تترسخ لدينا القناعة بضرورة التقسيم للحفاظ على الجميع أو على من تبقى داخل سورية. لا أحبذ فكرة التقسيم، وأمقتها، لكن لا بديل مقبول يحل محلها، وأمام هذا التفسخ الأخلاقي والانحلال الديني – المذهبي لا حل أفضل من الطلاق». مؤكداً أن تواجد روسيا في الساحل بات خطراً وجودياً على الساحل وحمص، خاصة بعد أن بات النظام السوري رهينة بيد “روسيا”، تتلاعب به وتتحكم به خدمة لمصالحها ومصالح إسرائيل.

ومن أسرار الحرب السورية الطويلة، أن هناك أعداد كبيرة من الشباب العلويين قد رفضوا الخدمة في جيش النظام، حيث تقول مصادر “أنا إنسان” أن ما يزيد عن الثلاثين ألف شاب في سهل الغاب ذو الغالبية العلوية كانوا قد امتنعوا عن الخدمة، وهرب غالبيتهم من الجبهات بعد أن اكتشفوا أنهم ليسوا أكثر من سلعة للبيع. فيما امتنع أكثر من 16 ألف شاب علوي من منطقة القرداحة عن الالتحاق بالجيش، وقد شجعهم على ذلك الوجهاء ورجال الدين الذين وجدوا أنفسهم بلا حماية على الرغم من أنهم أحد أذرع النظام الإعلامي المبني على الخوف والترويع.

 وبعد دخول روسيا بمباركة من النظام، تنفس العلويين الصعداء بعد آمال عريضة بالخلاص. لكن الذي اتضح بشكل جلي أنها ليست قادمة من أجل عيون السوريين، وراحت تستخدم ورقة الإرهاب لجعل النظام يوافق على إعطائها كل شيء تريده مجاناً. وبعد قصة تأجير المرفأ في طرطوس، علا صوت العلويين للدفاع عن وجودهم قبل أن تحلب روسيا الساحل كاملاً، ولا يتسع حتى للحلم العلوي، وتتم معاملتهم كغرباء في أرضهم؟.

ويطمح العلويون في حال تمت مطالبهم بالانفصال بالتخلص من “إيران”، و”روسيا” معاً، ومنهم من دعا إلى المقاومة لإخراج الروس من أراضيهم مهما كانت النتيجة، كون القوات الروسية مكشوفة أمامهم، وبنفس الوقت فهم يرفضون الوجود الإيراني بالمطلق لأسباب عقائدية دينية؛ على الرغم من زواج المتعة الذي تم لأسباب وجودية، وهم ما ينطبق على حزب الله أيضاً. وهو ما يدفعهم للتفكير بالتحالف مع إسرائيل إذا لزم الأمر، وبمعادلة بسيطة فإن كل الأطراف بما فيهم روسيا تعمل لصالح إسرائيل، فما المانع من التعامل معها إذا كان الجميع يخدمها من تحت الطاولة، بشرط أن يكون النظام وأعوانه خارج المعادلة.

 يقول “النقري” مخاطباً العلويين: «يجب عليكم فتح قنوات تواصل خلفية مع الدول الأخرى بعيداً عن روسيا، وعن النظام الساقط المتعفن لمنع “روسيا” من الاستمرار بتجارتها الرخيصة بكم، لفرض هيمنتها على مناطقكم، والتحكم بكل شيء، ومن ثم التضحية بكم لقاء منافعها الخاصة. يجب بقوة العمل فوراً على وقف أي تعاون مع روسيا، وحرمانها من كافة المكتسبات التي حصلت عليها سواء في القواعد العسكرية، أو عقود النفط والفوسفات؛ على الأقل في مناطقكم. واستمرار روسيا بسياستها الرخيصة الحالية يجب أن يكون سبباً لشن هجمات عسكرية على قواتها في مناطقكم أن بقيت على وضاعتها الحالية».

 الأيام القادمة كفيلة بإظهار هذا الحراك العلوي، الذي سوف يصدم الجميع، ويزيد الضغط على اللاعبين الدوليين للإسراع بالتقسيم أو الفيدرالية التي قد تحافظ على ما تبقى من حياة في بلد دمرته الحرب، ونخره سوس النظام.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *