أخبار

ظاهرة العنف ضد الأطفال في سوريا

 سونيا العلي

يتعرض الكثير من الأطفال السوريون للعنف اللفظي والجسدي في البيت والمدرسة، وأسواق العمل في ظل ظروف الحرب القاسية، وما خلفته من آثار سلبية على نفسياتهم وشخصياتهم، ما استدعى عدد من الأهالي للجوء نحو العلاج النفسي لإنقاذ ما تبقى من طفولة فقدت الأمان والحنان.

فالطفل “أحمد” من مدينة “معرة النعمان” تحدث عن العنف الذي تعرض له قائلاً: «بعد انفصال أمي عن والدي؛ وزواجه من أخرى، تقوم خالتي بضربي وأخي باستمرار، وتحرمنا من تناول الطعام، كما تشكونا لوالدي الذي يضربنا بدوره ويقسو علينا، لذلك هربنا إلى منزل جدي، ونرفض العودة إلى البيت ثانية».

الطفلة “أمل معراتي” في العاشرة من عمرها؛ من مدينة “إدلب” لا تزال تتلقى علاجاً نفسياً بسبب تعرضها للتوبيخ المستمر والضرب من قبل والديها، وعن ذلك تتحدث والدتها بالقول: «كنا نعتقد بأن الضرب هو أفضل وسائل التربية، ولكننا اكتشفنا لاحقاً بأننا كنا مخطئين، حيث انتسبت ابنتي إلى أحد مراكز الدعم النفسي في المدينة، وقد لاحظ المشرفون بأنها شديدة الخجل وسريعة البكاء، ويجدون صعوبة بالغة في دمجها ضمن نشاطات الأطفال، وقد أكد أحد المختصين النفسيين الذي قام بمعاينتها بأنها في بداية إصابتها بنوع من الصرع، وتحتاج لمتابعة طبية وعلاجاً بالأدوية».

ولا يتوقف تعرض الأطفال للعنف على محيط الأسرة فقط، بل يتعدى ذلك إلى تعرضهم للعنف في المدرسة، رغم كونها مؤسسة تربوية قبل أن تكون تعليمية، إلا أن بعض الممارسات التربوية الخاطئة لا تزال تمارس فيها ضد الطفل، ويأتي على رأس هذه الممارسات الضرب المبرح والعقاب القاسي الذي لا يتناسب مع حجم الخطأ الذي يرتكبه الطفل.

الطفل “وائل العبود” من مدينة “كفر نبل” يرفض الذهاب للمدرسة التي لم تعد بيئة آمنة بالنسبة إليه، وعن ذلك تتحدث والدته لـ “أنا إنسان” قائلة: «ولدي في الصف الأول، وهو يخشى من معلمه، ويرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يشعر بالحرج من أقرانه؛ باعتباره يتعرض باستمرار للتوبيخ والضرب أمامهم».

المعلمة “غيداء حاج حمدو” من “معرة النعمان” ترفض العنف المدرسي، وتوضح سبب ذلك بالقول: «تعتبر مرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان العمرية، وفيها يكتسب الطفل المهارات والأساسيات الضرورية لإكمال حياته بشكل طبيعي، ليستطيع تحقيق أهداف يرسمها في مراحل حياته اللاحقة، لذلك يجب أن تكون هذه المرحلة سعيدة، يحصل فيها الطفل على كامل حقوقه، وخاصة في مرحلة الدراسة الابتدائية، لأن هذه المرحلة ذات أهمية في تكوين نفسية الطفل خارج إطار منزله، والتي ستؤثر مستقبلاً على تكوينه كشخص له مسؤوليات ومهام في الحياة».

وتشير “حاج حمدو” إلى أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في التعريف بمخاطر العنف ضد الأطفال، وتوجيه الآباء والمعلمين بأساليب التربية الصحيحة من خلال برامج توعوية، فضلاً عن ضرورة الاستعانة بمختصين في مجالات التربية وطب الأطفال والطب النفسي لحماية المستقبل الذي يشكل الأطفال دعامته الأساسية.

من جانب آخر، يتعرض الأطفال السوريون للعنف في أسواق العمل بعد أن ترك عدد كبير منهم مقاعد الدراسة لمساعدة أسرهم في تأمين لقمة العيش، فيجدون أنفسهم عرضة للعديد من المخاطر أثناء عملهم، بما في ذلك رفع الأحمال الثقيلة، كما لا يقبض عدد منهم كامل الأجر اليومي من أصحاب العمل، دون أن يكون لديهم من يلجؤون إليه للشكوى أو طلب الحماية، لكن الأكثر خطراً هو قيامهم بأعمال قاسية؛ منها العمل في الحقول الزراعية أو المطاعم أو مقالع الحجارة ومواقع البناء، ما يجعلهم عرضة لمخاطر كبيرة. فالطفل “عبد الرحمن” من “معرة النعمان” يعمل طوال اليوم في ورشة للحدادة، ويحصل على أجر زهيد، وعن ذلك يقول: «أعمل لأكثر من عشر ساعات يومياً مقابل ٥٠٠ ليرة سورية (دولار أمريكي واحد)، وفي إحدى المرات تعرضت للإصابة في يدي أثناء استخدام قطاعة الحديد، ولكن بكل الأحوال فإن صاحب الورشة يقول بأنني أتعلم مهنة جيدة لتأمين مستقبلي».

المرشدة النفسية “عبير الأسود” من مدينة إدلب تحدثت لـ “أنا إنسان” عن مظاهر العنف ضد الأطفال بقولها: «يعتبر العنف ضد الأطفال السوريين أحد المشاكل والظواهر التي تتخذ أبعاداً خطيرة خلال سنوات الحرب، سواء العنف الممارس من قبل الأسرة لجهلها بطرق التعامل المناسبة مع أطفالها، أو من قبل معلميهم في المدارس، علماً أن الأطفال من أكثر الفئات التي تتعرض للعنف بشتى أشكاله ودرجاته، سواء العنف المباشر كالعنف الجسدي أو العنف الغير مباشر كالعنف اللفظي والنفسي والاجتماعي».

وتبين “الأسود” أن الخوف وانعدام الأمان الذي يعيشه الكثير من الآباء والأمهات النازحين يصيبهم باضطرابات نفسية وينقلونه إلى أطفالهم، كما ينقله الأطفال أيضاً فيما بينهم، مؤكدة أن العدوانية هي أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم، في حين يدمن بعض الأطفال على التدخين والمخدرات، وقد يصاب آخرون بالاكتئاب، ويعيشون بمعزل عن المجتمع.
الرسامة الشابة “آلاء الخضر” من ريف حلب الشرقي، أقامت أول معرض ضد العنف في المناطق المحررة بهدف توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة، وما تسببه من مشاكل اجتماعية ونفسية، وعن ذلك تتحدث لـ “أنا إنسان” بقولها: «ركزت من خلال اللوحات والرسومات على العنف ضد الأطفال، على أمل الحد من هذه الظاهرة وبناء مجتمع يحترم حقوق الطفل ويمنع استغلالهم ليعيشوا حياتهم الطبيعية التي توفر لهم بيئة آمنة».

باتت الحرب ونتائجها الدموية خبز السوريين اليومي، وكان الأطفال محطة واضحة من محطات ضحاياها المأساوية، مصيرهم القتل أو التشرد، ويضاف إليها أعمال العنف وسوء المعاملة التي تهدد حياتهم ومستقبلهم، ولم يتبقى لهم سوى الأمل باستعادة طفولتهم المسلوبة، ووقف الحرب التي يحصدون نتائجها القاسية.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *