أخبار
الفساد وتدهور سعر الصرف للدولار بعض من أزمات مصرف سوريا المركزي (عن الانترنت).

عن بعض قصص الفساد في مصرف سوريا المركزي

لم يعد يخفى على أحد حجم الفساد بمؤسسات الدولة السورية، والذي بات ينتشر كالنار في الهشيم وخصوصاً بعد انطلاقة الثورة السورية في 2011، حيث اتجه النظام السوري بآلته العسكرية لقمع التمرد على سلطته ونسي تماماً سرطان الفساد الذي يتغلغل بأركانه ومؤسساته، وهو أبرز الأسباب التي أدت لاندلاع الاحتجاجات ضده.

وفي قصة السيدة (ر.ح)، وهي سيدة في الرابعة والأربعين من العمر، تعمل منذ خمسة عشر عاماً في مصرف سوريا المركزي، نموذج لأحد قصص الفساد بأهم مراكز الدولة الاقتصادية -مصرف سوريا المركزي، حيث اضطرت السيدة لطلب ورقة تثبت استقالتها وتركها للعمل، أو ورقة تثبت بأنه تم إحالتها إلى المحكمة بجرم ترك العمل واعتبرت بحكم المستقيل ضمن مصرف سوريا المركزي، بفرع حمص.

وعن تجربتها تحدثت (ر.ح) أنها استمرت لمدة تزيد عن ستة أشهر في التواصل مع كل من يستطيع من أصدقائها مساعدتها ولو بالحصول على صورة لمثل هذه الورقة، والتي لا تعتبر ورقة سريّة أو استثنائية، وليست ورقة ذات خطورة لتمريرها عبر (الواتس أو الإيميل)، لكن أصدقاءها عجزوا حتى عن إيجاد ملفها العالق في دمشق، منذ غادرت سورية وتغيبت عن عملها!

ورغم ذلك تقول (ر.ح): “حاولت التواصل مع بعض الأصدقاء والمعارف في الإدارة العامة لمصرف سوريا المركزي بدمشق لكن دون فائدة، فكان الرد يأتي في البداية بأن الموضوع بسيط وأن الورقة ستكون في الغد موجودة وسترسل إلى بريدي الإلكتروني”.

إلا أن ذلك لم يحدث، وكانت الأيام تمر ويعجز أصدقاؤها حتى عن إيجاد الملف، فيما يصمت بعض الموظفون حين تبادر لطلب تلك الورقة، ويقوم آخرون بحظرها عند سؤالها عن ملفها، إلى أن تيقنت بأنها وصلت إلى طريق مسدود بخصوص الحصول على ورقتها.

تتحدث (ر.ح) أن الصدف شاءت بعد أشهر أن يبادر أحد أصدقائها بعد أن أسرّت له بمشكلتها بأن يعرض عليها إمكانية الحصول على الورقة عبر معارفه النافذين وهو يقصد (أمن المصارف).

السيدة (ر.ح) لفتت أنها لم تكترث لما يحاول أن يفعله أو لمن يقصده صديقها ذلك، فقد كانت تريد الحصول على الورقة في نهاية المطاف بأي شكل، بينما أكد لها زميل العمل أن هذه الورقة ليست ذات أهمية، ويمكن استخراجها من ملفات إدارة قضايا الدولة في دمشق، أو ملفات المحكمة الإدارية الخاصة بالموظفين ويمكن لأي معقب معاملات أن يستخرج صورة عنها.

وتقول: “شعرت بالتفاؤل لأن الورقة المنشودة ستكون أخيرا في طريقها إلى يديّ”، ليمضي بعدها بضعة أيام، وأسابيع، ولم يصل الرد المنتظر.

وبينما كانت قد اقتنعت بأن زميلها قد فشل، تفاجأت باتصال من زميلها مشككاَ بمعلوماتها التي زودته بها، حيث تبين له أن السيدة (ر.ح) التي تركت سوريا منذ عام ونصف تقريباً لازالت تعتبر موظفة في مصرف سوريا المركزي فرع حمص وعلى رأس عملها، وتقبض راتبها شهرياً ومع الحوافز، ويبلغ مجمل الرواتب الشهرية المقبوضة ل 28 شهر فائت ما يصل الى مليونين وربع ليرة سورية، ما يعادل 3500  دولار أميركي، حيث يقدر راتبها الشهري نحو 80   ألف ليرة سورية، ما يعادل 125 دولار أميركي.

 

القصة متكررة

أبلغ صديق السيدة (ر.ح) إياها بحسب ما قالت بأنها ليست الوحيدة، بل هنالك فقط ضمن فرع حمص 18 موظفاً متغيباً عن العمل وخارج القطر لكنهم في سجلات إدارة البنك في دمشق موجودون على رأس عملهم ويتقاضون رواتبهم بشكل شهري.

وتوضح السيدة (ر.ح) أنه ضمن آلية عمل مصرف سورية المركزي الإدارية ينحصر القرار في إدارة التصرف في دمشق فقط، وحتى في كل ما يتعلق بالفروع، ولا يترك للفرع سوى هوامش العمل اليومي، بينما الإدارة العامة هي المسؤولة وحدها عن كل ما يخص الفروع حتى فيما يخص قبول الإجازات، فإن موظفي المحافظات كانوا هم من تحملوا طويلاً مصاعب الحصار والوضع الأمني المتردي.

وتعتبر بحسب رأيها أنه وبدل أن يكون هذا المصرف المكان الملائم لتدارس الوضع الاقتصادي المتردي للسوريين سنة بعد أخرى، أصبح هو بحد ذاته أداة فساد يستخدمها النظام لسرقة أموال السوريين وزيادة تدهور وضعهم المعاشي.

وتقول في حديثها: “على مدى سنوات تمت إزاحة العديد من الموظفين والمدراء والخبراء الذين أبدوا استعدادهم للعمل على اصلاح السياسات الاقتصادية، لكن وابتداء من الحاكم السابق لمصرف سوريا المركزي أديب ميالة كان يتم الاستعانة بحاشية تتبع للحاكم وتردد كلامه وربما تتكلم باسمه، حاشية فاسدة بالضرورة”.

وتردف: “كان المصرف يسوق للناس سياساته الشعبوية بضرورة دعم الليرة السورية ولو بالكلمة الطيبة، فيما يغمز من قناة السوق السوداء بضرورة استبدال الليرة بالعملات الصعبة تحسباً لانهيار وشيك لليرة، وهو ما هو حاصل اليوم!”

وسائل الإعلام  تتحدث كل يوم عن أخبار جديدة تظهر حجم الفساد المستشري في الاقتصاد السوري الذي كان أديب ميالة وزيرا له لعامي 2016 و 2017، والفساد المستشري في مصرف سوريا المركزي بشكل خاص، وفي تقرير لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية يظهر ادعاء القضاء النمساوي في 83 صفحة على مسؤولين نمساويين نتيجة قيامهم بجرم دفع رشاوى نقدية لأديب ميالة لقاء توقيع عقد معه، حيث قام هذا الأخير بموجب العقد بتضخيم سعر صرف الليرة السورية بنسبة 14% مقابل قيام مصنع سبك العملات النمساوي بسبك العملات المعدنية السورية.

 

الفساد في قمة الهرم الاقتصادي

لم تستطع العقوبات الأوروبية إلقاء القبض على “ميالة” بل سُمح له بالقدوم إلى الأراضي الفرنسية التي قالت سلطاتها أنها لا تستطيع منع “ميالة” من دخولها لزيارة عائلته هنا لأنه يحمل أساساً الجنسية الفرنسية منذ العام 1993 باسم “أندريه مايار

بعد رحيل أديب ميالة وسفره للاستقرار بشكل نهائي في فرنسا هارباً بالأموال التي سرقها، تم تعيين دريد درغام حاكماً للمصرف، وصرّح هذا الأخير بافتخار أن مصرف سوريا يستطيع أن يعيد سعر الصرف الدولار إلى عتبة 200 ليرة سورية،

ويثبته عند هذه العتبة لو أراد، فتمت إقالته فوراً، وتعيين حازم قرفول المقرّب للنظام بدلاً عنه.

وبالرغم من سلسلة التغييرات التي طرأت على إدارة المصرف المركزي، إلا ان الجميع أثبت فشله بتحقيق استقرار اقتصادي في البلد، وغالباً فإن تصحيحات الإدارات المتعاقبة على المركزي  كانت تبدأ من ملاحقة السوق السوداء، وتناسي الفساد الداخلي في المركزي كما حصل بقصة السيدة (ر.ح) وغيرها.

 

الليرة تنهار والمركزي يستنجد

وصل سعر صرف الليرة السورية مؤخراً لأعتاب 690  ليرة لكل دولار واحد  وهو رقم قياسي لم يسبق وأنّ حصل، وبدأت المواد في الأسواق تسجّل أرقام قياسية، انهكت جيب المواطن السوري المنهكة أصلاً خلال سنين الحرب، وليبيّن المركزي أنه يعمل على التدخل في السوق وسعر الصرف استنجد بكبار التجّار وطالبهم بالتدخل لوقف ارتفاع سعر الصرف، وقاد النظام السوري حملةً لإجبار التجّار على إنقاذ الليرة المنهارة.

وكان رئيس اتحاد غرف التجارة، غسان القلاع، أعلن أن الغرفة تعمل على إحداث صندوق لدعم الليرة السورية بالقطع الأجنبي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “تشرين” الحكومية، في 23 من أيلول، وبدأ هذا الصندوق عمله فعلياً منذ يوم الأحد الفائت، حيث انخفض سعر الصرف إلى 626  ليرة للدولار الواحد، بحسب منصة “سيريا ستوك” المعنية بسعر الصرف بالمحافظات السورية.

وبحسب ما نقلت صحفٌ ووكالات محلية أن النظام السوري الذي قاد حملة دعم الليرة قد عمل إجبار التجّار على ذلك، وعاقب من رفض الدعم، وتحدثت الأنباء المتداولة على أن ابن خال رئس النظام التاجر المعروف “رامي مخلوف” ووضع تحت الإقامة الجبرية وحجز على قسم كبير من أمواله بعد خلافه مع النظام وعدم انضمامه لفريق التجّار الذي ساهم بدعم الحملة أمثال “سامر الفوز ووسيم قطان ومحمد حمشو وغسان القلاع وسامر الدبس”.

 

 

هنادي زحلوط

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *