أخبار

كيف تسلب أحلام النساء تحت سلطة المجتمع

تتصل هدى بوداد لتخبرها عن موعد لقائهما غدا، بمكالمة قصيرة تتبادلان الضحكات السريعة على أمل اللقاء غدا، في اليوم التالي تلتقيان في الموعد المحدد لتذهبا إلى السوق، في طريق عودتهما تصادف السيدتان أخو هدى التي يصيبها الرعب عند لقاءه، يرمي السلام سريعا ويقول لها بعيدا عن مسمع صديقتها “كم مرة قلتلك خبريني قبل ما تطلعي من البيت كيف بتطلعي من دون إذن” ترتبك هدى أمام صديقتها التي تحاول تدارك الموقف وتخبر أخيها بأنها ستعود سريعا إلى المنزل.

تعيش هدى 57 عاما مع أخيها بعد وفاة والدتهما قبل عشر سنوات لم يتزوج أي منهما، ورغم أنها أصبحت على مشارف الستين فإنها لا تزال تخضع لسيطرة أخيها الذي يكبرها بثمان سنوات.

لم تتزوج رغم عدد الخاطبين الكبير الذي تقدم لها لأن أي منهم لم يعجب أخيها فكان رفضه لكل خاطب جوابه النهائي بعد كل زيارة.

لا تذهب إلى أي مكان دون أن تسأتذنه ولا تزور أحد دون إذنه وإذا حدث وأن فعلت ما يخالف كلامه ستتعرض لتوبيخ شديد.

حين كان عمرها عشرين عاما أحبت ابن الجيران وبادلها الحب أيضا وحين أرسل والدته لخطبتها رفض أخوها هذا الزواج رغم محاولات والدتها إقناعه إلا أن كلامه كان غير قابل للنقاش أبدا، وحتى حين أنهت دراستها الثانوية أرادت إكمال تعليمها الجامعي فرفض أيضا بحجة “ما عنا بنات تروح عالجامعات” فدرست (صف خاص) وتحولت إلى معلمة للمرحلة الابتدائية.

في عمر الشباب كان يبرر عقليته الذكورية والسلطة التي كان يمارسها على أخته بخوفه وحرصه عليها وعلى سمعتها وسمعة العائلة، ورغم أن ذلك غير مقبول أبدا لكن الآن حين أصبحت على مشارف الستين من غير المفهوم أن يمارس سلطته الذكورية ذاتها.

من غير المفهوم أو المقبول أن يتحكم بحياتها ويتدخل بقراراتها ويقرر متى تخرج من المنزل فقط لأنه رجل وهي امرأة من غير المقبول أن تشعر بالرعب حين تأتي سيرته على لسان أحد الصديقات أو الأقرباء، ومن غير المقبول أن تحسب حسابا له كلما أرادت فعل أي أمر مهما كان بسيطا.

لكن من شب على شيء شاب عليه فمنذ أن كانا صغارا أعطاه أهله سلطة عليها اعتاد أن يتحكم بمسار حياتها بمباركة الأهل فهي “عرضه وشرفه” وينبغي عليها الطاعة، اعتاد أن يقرر متى تخرج من المنزل ومع من ستخرج متى ستعود وماذا ستردي دون ان يجد رادعا من أي كان، رغم محاولاتها اليائسة لرفض هذه السلطة لكنها كانت أقوى منها.

تقول هدى: “تمنيت الكثير من الأشياء في حياتي تمنيت أن أمتلك مسارا مختلفا عما عشت أن أحظى بالقليل من الحرية أن أتمكن من اتخاذ القرارات التي تخصني بنفسي لكن أهلي منحوا أخي سلطة للتحكم في كل شيء ورغم مضي كل هذا العمر لا يزال يتمتع بنفس السلطة ولم أعد أمتلك الطاقة الكافية لمقاومتها”.

تزوجت صفاء بعمر 17 عاما بعد إنهائها دراستها الثانوية لم تكن مقتنعة بالزواج حينها لكن أباها كان مصرا على إتمام الزواج بالرغم من موقفها وصغر سنها فالعريس ابن صديقه وهو تاجر له سمعته واسمه في السوق بمصطلح عامي “عريس لقطة” وبالفعل تم الزواج خلال أقل من شهرين، لتنتقل صفاء من سلطة أبيها إلى سلطة زوجها.

وبدأ وضع القواعد بعد أقل من شهر على الزواج “لا تفتحي الباب لحدا بغيابي” “ما بتروحي لمحل لجالك أنا باخدك وبجيبك” “لا تحكي مع حدا من الجيران” وقواعد كثيرة أخرى.

بعد إنجابها ولدها الأول ضاقت ذرعا بكل ذلك فذهبت إلى أمها تشتكي لها سلطة زوجها وتحكمه في كل تفاصيل حياتها فكان رد الأم بأن تصبر على نصيبها وبألا تخرب بيتها بيدها “صبرت كثيرا على والدك وطبعه الصعب علك أنت ان تصبري أيضا نحن النساء محكوم علينا بالصبر، وإلا سيكون مصيرك الطلاق والعودة إلى سلطة أبيك مرة ثانية”.

تفكر صفاء التي بلغت من العمر عشرين عاما قبل يومين باكمال دراستها الجامعية، تفكر طويلا كيف ستناقش زوجها في الأمر “أخاف أن يرفض الأمر لكنني سأبذل ما بوسعي ليقبل بذلك كنت أتمنى إكمال دراستي قبل الزواج لكنني لم أحقق هذا الحلم”.

خضعت الكثيرات لسلطة أبوية تحكمت بمسار حياتهن وقراراتهن ولا تزال الكثيرات خاضعات لهذه السلطة وعلى الرغم من نضال العديد من النساء لتغيير ذلك إلا أننا لا نزال في أول الطريق في ظل عدم وجود مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة وفي وجود هذه السلطة ستبقى هدى وأمثالها تخاف من أخيها وسيظل حلم صفاء بارتياد الجامعة حلما غير ممكن تحقيقه.

نور ابراهيم

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *