أخبار

مبادرة إنسانية من أجل تحقيق العدالة لـ رشا بسيس

لمى راجح

عبر سنوات وحتى يومنا هذا، فإننا مازلنا نشهد وقوع انتهاكات جسيمة بحق النساء كجرائم “قتل النساء” بحجة غسل العار أو كما يطلق عليها “جرائم الشرف” دون وجود أي حماية قضائية أو اجتماعية لهن، إذ ساهمت القوانين التمييزية السورية، وبررت إعطاء الحق للرجال بقتل نساء العائلة من خلال التماس الأعذار والعقوبات المخففة لهم، بل وأحياناً الإفلات من العقاب، كما ساهمات البنى والموروثات الاجتماعية من تعزيز حق الرجل بالتحكم بمصير وحياة النساء.

في تاريخ 21 تشرين الأول/ أوكتوبر وقعت جريمة أقل ما يمكن وصفها أنها جريمة بحق الإنسانية، فمعظمنا شاهد فيديو مقتل رشا بسيس على يد أخيها بشار بدعوى غسل العار، وقد كان لتلك الجريمة أن أحيت من جديد الأصوات الحقوقية والمدنية المطالبة بإلغاء ما يسمى قانون “جرائم الشرف”.

عندما وقعت الجريمة، يومها تبادر لذهني مجموعة أسئلة منها: هل سيتحرك المجتمع المدني ومنظماته أو جهاته للمطالبة بالقصاص العادل لرشا؟ هل سيتم محاسبة الجاني ومن شجعه على ارتكاب الجريمة؟ أم سيعتبر المجتمع أن ما وقع لرشا هو مجرد حادث أسري ولا دخل للقانون والمجتمع به؟

كان من الملفت للنظر الاستنكار الذي لاقاه الفيديو لجريمة أقل ما يمكن وصفها أنها جريمة تمييزية بحق النساء، إذ بادرت عدد من منظمات المجتمع المدني وإن كان العدد قليل نوعاً ما بهدف تولي دورها في حث مجموعات من الرأي العام للتعاضد لاستنكار الجريمة والمطالبة ليس فقط بمحاسبة الجاني، بل ومن شجعه على قتل أخته بدعوى التحريض بالقتل.

مبادرات مدنية للضغط على السلطات المحلية

بعد يومين من مقتل رشا وفي تاريخ 23 تشرين الأول 2018 كانت منظمة النساء الآن من أجل التنمية من المنظمات المبادرة التي اتخذت موقفاً واضحاً من مقتلها، وطالبت من خلال حملة أطلقتها عبر صحفاتها ومنصاتها للحشد والتضامن مع قضية رشا، إذ نشرت بيان طالبت المجتمع المدني بالتوقيع عليه ليتم رفعه للجهات والسلطات المعنية تحديداً في المنطقة التي وقعت بها الجريمة، كي يتم محاسبة القاتل، وحشد الأصوات ودفعها لاتخاذ موقف واضح من هذا النوع من الجرائم، والمطالبة في إيقافها حتى لا يتم قتل المزيد من النساء تحت مسميات مختلفة ما يمثل انتهاكاً صريحاً لحقوقهن.

تمكنت النساء الآن من خلال البيان من جمع عدد من أصوات المجتمع المدني، إذ وصل عدد المنظمات والمؤسسات الموقعة على البيان 86 منظمةً وما يقارب 555 شخص. وفي هذا الصدد أشارت المديرة القطرية للنساء الآن لبنى قنواتي إلى أن للبيان أهمية خاصة من خلال كم التفاعل والتضامن الذي ظهر مع هذا النوع من الجرائم بشكل عام، حيث بات المجتمع يشعر أنه معني بها، وليس مجرد قضية عائلية داخلية.

لم تكتف النساء الآن بإصدار بيان وتشجيع المجتمع المدني على تولي دوره في إدانة هذا النوع من الجرائم، بلى سعت لإرسال نسخة من البيان مع مجموع التواقيع عبر التواصلات الرسمية لكل من المجلس المحلي في مدينة جرابلس ومجلس محافظة ريف حماه، حيث لم يكن معروفاً مكان وقوع الجريمة سوى ما تردد من أنباء محلية، غير رسمية من أنها حدثت  في مدينة جرابلس، ليتبين لاحقاً على أنه تم اختطاف رشا من مخيم “الملعب” في جرابلس من قبل أخيها إثر نشر صور لها عبر صفحة “كابوس جرابلس” واتهامها من قبل إدارة الصفحة بالقيام بأفعال خارج حدود المجتمع، ما دفع بشار لقتلها هناك.

من أجل ذلك تواصلت النساء الآن مع مجلس محافظة حماة، ولكن حتى الآن لم تتلقَ أية ردود من قبله يفصح عن دوره في تولي مسؤولياته كإدارة محلية في ملاحقة الجاني.. في حين جاء رد المجلس المحلي في جرابلس سريعاً ونفى له أي درو في عملية التحقيق في الجريمة لأنها لم تقع على أرضه.

وتضيف قنواتي: “نحن نطالب كل الجهات والبنى الحكومية والإدارة المحلية بأخذ موقف شجاع من هذه الجرائم… النساء الآن لن تتوقف عن عملها في إدانة هذا النوع من الجرائم والاستمرار في المناصرة للمطالبة في حقوق النساء.. إذ تتواجد النساء الآن في عدة محافل دولية وسوف تستمر وتحفز المنظمات القانونية لتجهيز ملفات جنائية ضد هذا النوع من الجرائم حتى يتم محاسبة مرتكبيها.. بالاضافة للضغط نحو تغير القوانين التمييزية ضد النساء”.

ليس وحدها النساء الآن من تحركت للضغط بهدف ملاحقة الجاني ومن شجعه بل أيضاً عملت منظمة كش ملك هي الأخرى على التصدي لهذه الحادثة، ويشير حليم كاوا مدير مشروع في كش ملك، إلى أنها شاركت مع عشرات منظمات المجتمع المدني في بيان مطالبة محاكمة بشار بسيس الذي صاغته منظمة النساء الآن.

كما عملت كش ملك على التعبير عن الجريمة التي وقعت بحق رشا بطريقة فنية جسدت مجريات الجريمة، ونشرت رسم تعبيري لها يحاكي لحظة مقتلها، وهي تجلس على الأرض تنظر لأخيها الذي يحمل سلاحه نظرة ألم وخوف، فيما يحمل أحدهم الكاميرا ويصوّر الحادثة بافتخار ويدفعه إلى قتلها قائلاً “اغسل عارك يابشار…”  ويضيف حليم:

” أطلقت كش ملك وسم #جريمة_لا_شرف تأكيداً على أن هذه جريمة لا شرف فيها فكيف يكون الشرف بالقتل والانتقام وانتهاك واحد من أهم حقوق الإنسان ألا وهو حق الحياة.. يتطلب العمل على توعية المجتمع لرفض جرائم الشرف وحشد الرأي العام في سوريا ضدها، و لذلك أطلقنا حملة ضد جرائم الشرف.. ونعمل أن تستمر بشكل متجدد، أملاً بإنقاذ فتاة جديدة من القتل أولاً، وبإنقاذ مجتمعنا من هذه الآفة ثانياً”

صادف مقتل رشا بسيس مع اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا “جرائم الشرف” في سوريا في تاريخ 29 تشرين الاول، إذ انطلقت تسمية هذا اليوم عام 2009 بعد حادثة حصلت في إحدى محاكم دمشق، حيث أصدر القاضي حكماً أشبه بالبراءة بحق شقيق الفتاة “زهرة العزو” التي كانت تبلغ من العمر ستة عشر عاماً حين قام بقتلها بداعي “غسل العار”

ومن أجل ذلك دعت منظمة كش ملك بالتعاون مع النساء الآن للتضامن مع ضحايا ما يسمى “جرائم الشرف” من النساء عبر منصات التواصل الاجتماعي.

قوانين تمييزية بحق النساء.. وتساهل في العقاب بحق الجناة

لم تكن جريمة رشا الأولى من نوعها بل لطالما وقعت بين الحين والآخر جرائم بحق النساء بحجة غسل العار أو التباهي بالسيطرة على نساء العائلة ، حيث تعزز البنى القانونية السورية التمييزية من ارتكاب مثل هذا النوع من الجرائم، إذ نظّم القانون السوري “جريمة الشرف” ضمن قانون العقوبات في المادة 548، وتعالت الأصوات في الفترة الأخيرة منادية بإلغائها رغم تعديلها بموجب مرسوم رئاسي في تموز/ يوليو 2009 تم بموجبه فرض عقوبة السجن لمدة سنتين على الأقل ضد من يرتكب “جريمة شرف” بحق زوحته أو أخته او ابنته او لإحدى قريباته بجريمة الزنا أو بصلات جنسية مع شخص آخر.

وعلى الرغم من تعديل المادة التي تنظم ما يسمى جرائم الشرف في قانون العقوبات وفرض العقوبات على الجاني، في حين كانت تسمح له الإفلات بشكل تام من العقاب إلا أنها تظل تقع ضمن إطار القوانين التمييزية بحق النساء، وتندرج ضمن ما يمكن اعتباره تساهل القانون والمشرع السوري مع الجناة، ما يسمح للرجال بارتكاب المزيد من الجرائم بحق نساء العائلة ومن ثم الإفلات من العقاب أو محاسبتهم بشكل مخفف قد لا يتناسب مع جنس الفعل المرتكب.

على الرغم من قساوة الفيديو الذي انتشر بحق رشا إلا أنه أثر في تغيير بعض المجتمعات المحلية لنظرتهم لما يسمى جرائم الشرف بعدما شاهدوا نظر الخوف في عيون رشا بحسب خليفة خضر، صحفي يقيم في شمال سوريا، ووفقاً لخضر فإنه تم إلقاء القبض على بشار من قبل جند الأقصى في ريف حماة ويتابع:

“حاليا ما زال بشار خاضعاً للتحقيق من قبل فصيل جند الأقصى..وهو الآن يحاول أن يلفق تهم زور لرشا لكي يبرر جريمته .. وقد قام بقتل أخته كردٍ على صفحة كابوس جرابلس من أنه غسل عاره.. وتباهى بفعلته بعدما نشرت الصفحة صور لها”

وينفي خضر ما لفقته بعض وسائل الإعلام الغربية من أن رشا كانت على علاقة مع ضابط في الجيش التركي، حيث تم تسيس الجريمة لتوجيه اتهامات للحكومة التركية في مناطق درع الفرات.

في النهاية تمثل ما يسمى جرائم الشرف تحدياً يقع على عاتق المجتمع المدني لتغيير البنى الاجتماعية والقانونية، في ظل بيئة يشوبها الصراع وفقر في الاحصائيات، إذ لا يوجد أرقام  دقيقة عن الجرائم التي تقع بحق النساء، عدا عن تكتم الاهل والأسر عادة عن هذا النوع الجرائم التي تقع بحق بناتهن ونسائهن.وفي هذا الصدد يقول حليم:

“وأن الأعداد التقديرية لجرائم الشرف قبل عام 2011 تتراوح ما بين 200-300 جريمة سنوياً، وربما تضاعف العدد نتيجة الفوضى خلال السنوات الأخيرة، مايعني أن جرائم الشرف ليست حوادث فردية نادرة بل هي ظاهرة مجتمعية تتكرر بشكل شبه يومي في سوريا. يضاف إلى ذلك أن الكثير من الجرائم قد تحصل ولا ندرى بها نظرا لتكتّم الأهالي أو السلطات على هذه الجرائم”

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *