أخبار

مخلوقات غريبة تفتك بأراضي التل في ريف دمشق

إيهاب عبد ربه – محامي و روائي سوري

المجلس البلدي في “حيص و بيص” و الناس تتهامس أحيانا و ترفع صوتها حينا و لكن عينها على الأمن و المخابرات . الفعاليات الشعبية منقسمة بين مهاجم حذر و بين محاول للتغيير “بصمت”. في أي دولة نصف محترمة يعتبر الحديث عن ملف “فساد” أمر مستهجن لأنه استثنائي و لا بد أن يودي بصاحبه إلى السجن أو التحقيق أما في سورية فالحديث عن الفساد مثل الحديث عن عن الشاورما السورية شيء رائج و عادي و غير مدهش. لذلك، هذا المقال سيطرح قضية فساد في الريف الدمشقي بالتل على سبيل “المثال” عن الفساد و ليس على اعتبارها “قضية مستهجنة” تستدعي الاستنكار.

صورة مدينة التل بعد خمسين سنة من فساد البلديات

مدينة التل الواقعة في الريف الدمشقي تبعد فقط 8 كم عن العاصمة دمشق، مدينة مرافقها مخدمة على أعلى المستويات و فيها تموضع مهم لطبقة كبيرة من المتنفذين و أصحاب الأموال كذلك تتميز بتوفر إمكانيات علمية و حرفية كبيرة . ضيق سهلها الزراعي و قلة الماء فيها جعلت أهلها يسعون إلى الاغتراب منذ زمن طويل فقد اعتاد أهل التل السفر إلى فلسطين ثم ليبيا ثم الخليج و قد جابوا العالم بحثاً عن الرزق. في هذه الأرض التي و خلال نصف قرن فقط تضاعف عدد سكانها حوالي 10 أضعاف و توسعت رقعتها العمرانية أكثر من عشرين ضعف و تضاعف رأس مال أهلها أكثر من 100 ألف ضعف و رغم ذلك لا يوجد شارع واحد مزفلت بشكل جيد أو نادي رياضي فعال أو حتى حديقة مخدمة يمكن أن تأوي إليها الناس. خلال 50 عام نهبت البلديات المتتالية الناس نهبا فالحزام الأخضر صار الحزام البني، لا شجر و لا ماء و لا ينابيع. في منطقة “السحرا” مثلا التي سميت “السحرا” من سحر جمالها و شجرها  كان من السهل جدا حفر بئر و الحصول على الماء من حفر خمسين متر فقط، الآن جف كل شيء. هذا الفساد الأعمى أهلك البلاد و أنهك العباد. لقد ساهمت قرارات الاستملاك الجائرة إلى الاستيلاء على أكثر من 50 بالمئة من مساحة التل، سرقها النظام بشكل ممنهج ليحولها إلى استثمارات عقارية يسكن فيها  ضباطه بالشكل الرئيسي مثل ضاحية حرستا “الأسد” التي تعود ملكية أراضيها كاملة في السجل العقاري لأهل التل . كذلك الأراضي الواقعة على اتستراد عقدة بغداد التي استملكت لصالح بناء جامعات فألغي المشروع و صوردت الأراضي، كذلك في منطقة السليمة ، نهب النظام الأراضي هناك و أنشأ مجبل بيتون لصالح شركة “متاع” العسكرية. فوق كل هذا النهب، كان لطبقة من المتنفعين  الذين استغلوا أموالهم التي لا يعرف مصدرها لشراء أراضي التنظيم الاجباري، هذا المشروع الذي عرقل لأكثر من 35 عاما و له غاية واحدة فقط، إبقاء سعر أراضي التنظيم مرتفعة و جعل بعض الأغنياء يستغلون ملل الفقراء  لتشليح أراضيهم بأسعار بخسة ضمن التنظيم الاجباري و هكذا عندما يطلق التنظيم الاجباري سيصبح هؤلاء ميليارديرية “بالدولار” بشخطة قلم. بعد كل هذا، و في الجلسة الأخيرة للمكتب التنفيذي السابق لمدينة التل يوقع المجلس على نقل ملكية مساحة ضخمة من الأرض بسعر 13 الف ليرة للمتر رغم أن المتر يصل  سعره الى 200 ألف في بعض المناطق و يتجاوز ال 500 ألف في مناطق أخرى. لقد باع المكتب التنفيذي  الأراضي لجمعية تابعة للأمن السياسي و جمعية سكنية أخرى تسمى جمعية الفرج، يهيمن على إدارتها المحامي باسل فرج الذي و للأسف عضوا في المكتب التنفيذي نفسه. المأساة و الجديد في هذه القضية ليس الفساد في حد ذاته.

للأسف هذه حالة طبيعية في سورية الفساد و الافساد ، الجديد هو توقيع أناس من أهل التل نفسها على تفويت أكثر من مليارين و نصف المليار ليرة سورية عن خزينة مدينة مفلسة أصلا و تعاني من نقص كل شيء بدءاً بالكهرباء و وصولاً إلى الماء . في الحقيقة ، كانت تكن الناس لهؤلاء الكثير من الاحترام لكن هذا “البيع” كان مؤلما جداً. فبعد سنوات من أزمة كبيرة عانت التل من الحصار و التجويع و المسلحين و الارهابيين و اقتحامات الجيش و المخابرات و وفاة العشرات من أبنائها و بناتها في المعتقلات يدنّي هؤلاء أنفسهم على قطعة “أرض” . أوسع بكثير، بكثير، بكثير من قبورهم التي سيذهبون إليها قريبا، فالموت قريب من البشر جميعا و لكن منهم من يأخذ معه فعله الخير و منهم من يأخذ معه فعله السيء.
الحقيقة، هذا المقال ليس في معرض إعطاء النصائح أو التنظير الأخلاقي و لكن هذا المقال يسعى لكي يوضح بأن الناس قد أنهكها الفساد إلى تلك الدرجة التي تهشم الإنسان السوري فيها من الداخل، لقد سرقوا قوت الناس و ماضيهم و أحلامهم و بالتالي مستقبلهم، فهل سيستيقظ الناس؟ الشيء الذي يدعوا فعلا للتفاؤل هو سعي كثير من الأشخاص و الذين نحسب أغلبهم شرفاء و مدفعوين بنية حسنة لفسخ عقود الأرض و اعادتها إلى المجلس البلدي و لكن، و للأسف ، نسمع من شخص “تلي” متنفذ جدا كلاماً قال فيه “إقبلوا ب13 ألف ليرة سورية للمتر أحسن ما يستملكوها ببلاش” فيا للعار.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *