أخبار

معتقلون يروون لـ”أنا إنسان” تفاصيل مروعة حول التعذيب في سجون السلطة السورية

لا تغيب عن ذاكرة السوريين المناهضين للسلطة السورية الساعات التي أرسلت فيها قوات السلطة جثة الشهيد “غياث مطر” إلى عائلته في مدينة داريا بريف دمشق، وعليها آثار التعذيب وحقد السجانين، الذين غابت عنهم كل قيم الإنسانية، وكانت رسالتهم واضحة حينها بأن القتل عنوانهم وارتكاب الجرائم بحق الإنسانية هدفهم دون وجود رادع ذاتي أو إنساني أو دولي.

يتذكر الشاب “محمد” المنحدر من مدينة داريا، والذي شارك في تشييع الشهيد آثار التعذيب على جثمانه بشكل جيد، وذلك الجرح الطويل الذي بدأ من الصدر وحتى أسفل البطن، وتمت إخاطته بشكل سريع، والكدمات وانتفاخ بعض العضلات والأعضاء، حيث ظهر كل ذلك على الجثة رغم مرور أيام ليست بطويلة على اعتقاله، بحسب ما صرح لموقع “أنا إنسان”.

كانت جثة غياث رسالة واضحة من السلطة للقول بأن التعذيب في السجون سيكون بوسائل متعددة وكثيرة ومختلفة، وهذا ما رواه فعلا المعتقلون الذين عادوا للحياة مجددا بعد إفراج السلطات عنهم، ولا يكاد يتفق اثنان من السوريين الخارجين من السجون على وسيلة محددة للتعذيب. لكن الجميع يتفقون على رؤيتهم بالعين المجردة أشخاص ماتوا من شدة التعذيب وقسوة السجانين والمحققين سواء خلال عملية التحقيق أو في الحياة اليومية داخل الزنازين.

شاهد بالفيديو.. لقطات للشهيد غياث مطر والمظاهرات السلمية في داريا


وحول قساوة وسوء الأوضاع في المعتقلات قال شاب يدعى “هلال” وينحدر من مدينة دمشق، في تصريح لموقع “أنا إنسان”، إنه خرج من المعتقل في العام 2016 وتحديدا من الفرع “215” السيء الصيت، وذاق فيه ومن معه ويلات العذاب، حيث تم حشر 70 معتقلا في زنزانة مساحتها بضعة أمتار، تعرضوا فيها للضرب والإهانات.

يتذكر “هلال” جيدا كيف كان السجانون يضربون المعتقلين عند خروجهم إلى المرحاض، وكيف يجبرونهم على الدخول بشكل جماعي لنفس المكان، وعليهم قضاء حاجتهم خلال 10 ثواني فقط، وكيف كان الضرب المبرح عقابا لكل من يتجاوز تلك المدة.

أما “وليد”، شاب من دمشق، حالفه الحظ فلم يلبث في نفس الفرع سوى 45 يوما، ولكن كانت بالنسبة له سنوات طويلة، حيث قال: ” العذاب ليس فقط أن يتم ضربك، وإنما أن تشاهد معتقل آخر يتعذب أمامك، أتذكر جيدا كيف ضرب اثنان من السجانين معتقل آخر أمامي، بأنابيب بلاستيكية تستخدم عادة للتمديدات الصحية، ضربوه حينها حتى الموت”.

وأضاف وعلامات الذعر تظهر على وجهه وصوته يرتجف ويداه تتشابكان :” لكن الشيء الأكثر قساوة من ذلك عندما يترك السجانون الجثث بين المعتقلين لأكثر من عشرة أيام، ننام معها ونسأل أنفسنا كل يوم 100 مرة وربما آلاف المرات، هل سنعيش نفس المصير أم أن الحياة ستمنحنا فرصة للنجاة “.

وروى معتقلون آخرون شهادات حول أساليب التعذيب، حيث قال أحدهم:” “تم شبح (التعليق في الهواء من اليدين وترك الأرجل طليقة) أحد الشبان مدة يوم ونصف حتى فقد الوعي، وأعاد السجان الأمر مرات عدة، وأطفأ السجائر في جسد الشاب الهزيل، وقلع أظافره، حتى فارق الحياة “.

شاهد بالفيديو: رواية مروعة عن أساليب التعذيب في سجون السلطة السورية


وتحدث “أحمد” ابن مدينة معضمية الشام الذي كان معتقلا لدى السلطة السورية مدة ثلاثة أعوام، عن موقف حصل معه حيث قال: ” استيقظنا ذات يوم على أصوات صاخبة، كانت أصوات السجانين وهم يتجهون نحونا، أمرونا بإدارة ظهورنا إلى الحائط ثم اختاروا شخصين من بيننا، كان ذلك مثل كابوس فظيع، أمر السجان الشابين بصفع بعضهما على الوجه واستمرا بالأمر حتى شارفا على الموت من شدة الضرب، ولكن لم ينته الأمر عند ذلك الحد، فقد تابع السجانون ضربهما حتى فارقا الحياة”.

وسجّلت المنظمات الحقوقية الدولية عشرات طرق التعذيب التي تُستخدم بشكل ممنهج وواسع النطاق في السجون السورية، التي سُجلت فيها أيضا آلاف الحالات من الاختفاء القسري والوفاة تحت التعذيب

التعذيب المعلق

ويصف البعض أسلوب التعذيب المعلق بـ”البلانكو”، ويقوم على ربط السجانين للمعتقلين وتعليقهم من معاصمهم بحبل يتدلى من السقف، وقد تلامس رؤوس أصابع أقدامهم الأرض فتتعرض لضغط كبير أو يبقون معلقين في الهواء ليضغط ثِقل أجسادهم بالكامل على معاصمهم، ما يؤدي لتورمها مع ألم شديد. وقد يبقى الموقوف معلقا لساعات أو لأيام مع تعرضه للضرب الشديد.

الدولاب

يُجبر السجانون المعتقلين على ثني أجسامهم وإدخال رؤوسهم وأعناقهم وسيقانهم داخل إطار سيارة بحيث تُشل حركتهم تماماً ويفقدون القدرة على التحرك وحماية أنفسهم ليبدأ الضرب بالهراوات والسياط وأدوات التعذيب الأخرى على الظهر والساقين والرأس.

التعذيب بالكهرباء

يُربط المعتقل بكرسي أو بسرير حديدي ثم يصعق بالكهرباء، أو يقوم السجناء بتشبيك كلابات الكهرباء في مناطق حساسة من الجسد، منها منطقة العضو التناسلي، وداخل الفم، وعلى الرقبة والصدر واليدين والساقين.

بساط الريح

وصف بعض المعتقلين تعرضهم للتعذيب على “بساط الريح”. أشار بعضهم إلى أن هذا الأسلوب يشتمل على الربط من اليدين إلى لوح مسطح بحيث لا يمكن للشخص المربوط أن يحمي نفسه، ويكون الرأس معلقاً في الهواء. قالوا إن الأيدي والأقدام كانت تُربط معاً ويتم وضع أربطة فوق الصدر والساقين. قال معتقلون آخرون إنه قد تم بسط أطرافهم أو جذبها على امتدادها، وقال آخرون إن اللوح الخشبي كان يُطوى إلى نصفين بحيث تلامس وجوههم أقدامهم، مما يؤدي إلى ألم والمزيد من الصعوبة في القدرة على التحرك.

شاهد بالفيديو: طرق تعذيب المعتقلين في سجون السلطة السورية

https://youtu.be/ImshPMuqCM0

الكرسي الألماني

كرسي معدني له أجزاء قابلة للحركة يربط بها الضحية من اليدين والقدمين، يقوم السجان بثني مسند الكرسي إلى الخلف ليخلق تمددا كبير في العمود الفقري مع ضغط شديد الألم على عنق الضحية.

الشبح على الكرسي

يستخدم السجانون أسلوب الشبح على الكرسي لساعات طويلة من أجل التسبب بآلام لا تُحتمل في عضلات الظهر والعنق والساقين، وذلك عبر إرغام السجين على الجلوس بطريقة أفقية فوق الكرسي مع تقييد يديه وقدميه للأسفل.

ولا تقتصر أساليب التعذيب الموثقة من قبل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى على الطرق السابق ذكرها، بل سُجلت عشرات الطرق الأخرى بينها الضرب بالعصي والمطارق والأسلاك المعدنية والاغتصاب والحرق بالماء الساخن أو السجائر واستعمال الأملاح على الجروح.

وذلك إلى جانب التسبب بجروح وشقوق كثيرة في الوجه باستخدام شفرات حادة وربط الأعضاء التناسلية لمنع السجين من التبول وتعليق الضحايا بمراوح السقف وضربهم وهي تدور وقلع الأظافر وإجلاس الموقوف فوق أعناق القوارير والوقـوف لساعات طويلة وتهديد الضحية بأحد القارب.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت في تقرير سابق لها، إنها وثقت 72 أسلوبا للتعذيب في سجون السلطة السورية، وصنف التقرير أنماط التعذيب ضمن سبعة محاور أساسية، ويتفرع عن كل نوع عدة أساليب ثانوية بما يشكل مجموعه 72 أسلوب، ونوه تقرير الشبكة، إلى إمكانية وجود أساليب أخرى لم يتم التعرف عليها وتوثيقها، مشيرا إلى أن المعتقل قد يتعرض إلى أساليب تعذيب متنوعة وعديدة خلال جلسة تعذيب واحدة.

وبحسب التقرير فإن أنماط التعذيب الرئيسية هي التعذيب الجسدي ويضم 39 أسلوباً والإهمال الصحي وظروف الاحتجاز ويتضمن 6 أساليب، من الأنماط الأخرى الرئيسية العنف الجنسي ويضم 8 أساليب، والتعذيب النفسي وإهانة الكرامة الإنسانية ويضم 8 أساليب والتعذيب في المشافي العسكرية وتضمن 9 أساليب، إضافة إلى أعمال السخرة وظاهرة الفصل.

شاهد بالفيديو: ضابط منشق عن السلطة السورية وثّق صور التعذيب والقتل في السجون



ولا توجد أرقام حقيقة لأعداد المعتقلين في سجون السلطة السورية، لكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت في تقرير سابق لها، إن هناك ما لا يقل عن 84000 مختف قسريا لدى السلطة السورية، تسعى أن يكون أكبر قدر ممكن منهم مسجلاً لدى فريق الأمم المتحدة.

وأضافت في تقرير آخر أصدرته بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، أن ما لا يقل عن 14388 شخصا قتلوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011 حتى حزيران 2020.

ومنذ بدء الثورة السورية في العام 2011، لم تتوقف قوات السلطة السورية عن اعتقال المناهضين لها وزجهم في السجون، حيث يعيشون ظروف إنسانية صعبة في ظل ممارسة أبشع أنواع التعذيب عليهم، ما أدى لوفاة الكثيرين منهم، وكانت الأمم المتحدة قالت في عام 2019: ” يقدر عدد الأشخاص المحتجزين حاليا أو المختطفين أو المفقودين في سوريا بنحو 100 ألف شخص”، ولكن ناشطون وجهات سورية مستقلة تقول إن الأعداد أكبر من ذلك بكثير.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *