أخبار

نساء الحرب السوريات يتلحفن الكرتون في أسواق دمشق

سامر النجم أبو شبلي

لم تجد ندى السورية المولودة في العاصمة دمشق (قلب العروبة النابض) مكاناً واحداً في كل أحيائها العامرة بالناس والمال؛ لكي تستطيع النوم يوماً واحداً، وتشعر بالدفء أو الحنان في نهاية عمرها، فوضعت جسدها المكتنز بالثياب الرثة، والحسرات؛ داخل كرتونة في سوق الحميدية، ونامت.

حال ندى التي طردها أولادها من منزلها، كحال المئات من المسنين السوريين الذين تخلت عنهم الحياة، ووضعتهم في مواجهة الجوع والبرد ونظرات الاشمئزاز التي تقابلهم كل لحظة، فمنهم من يرمي لها قطعة حجرية لكي يزكي ع أمواله، ويرضي ربه الأعلى، ومنهم من يحاول إطعامها رحمة بأولاده، فقد اعتاد السوريون بعد الحرب أن يفكروا بأنفسهم فقط دون أن يجد أحداً من المارين أمام هؤلاء حلاً ناجعاً بعيداً عن وزارة الشؤون ومئات جمعياتها الخيرية، ودور العجزة المأجورة.

(ساعدوني الله يخليلكن شبابكن) هي كلمات غالبية النائمين تحت الجسور وفي الأسواق الشعبية المكتظة بكل ما يشتهي الإنسان ويرغب، لكن محاولات عدد من فتيات دمشق باءت بالفشل في التواصل مع دار تحمل عنوان الكرامة في إيواء المسنين دون مقابل، فالاسم لا يعني أن يعيشوا بكرامة مجاناً.

تقول الناشطة أمل لموقع “أنا إنسان” لقد عجزت عن فعل شيء لندى، فالمرأة التي رماها أولادها إلى الشارع بسبب زوجاتهن تتلحف الكرتون المقوى في سوق الحميدية بعز البرد والعواصف، ولم تجد محاولاتنا مع مسؤولي دار الكرامة لإيوائها رغم محاولاتنا المتكررة. المشكلة أن ندى ليس لها عنوان ثابت، فالذين يأمرونها بالرحيل من مكانها بسبب (سمعة المكان، وضرب السياحة) وهو ما وضعنا بحيرة من أمرنا، ولم نستطع الوصول إليها في اليوم الثاني.

أمل التي شنت مع زميلاتها حملة كبيرة على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الضغط على دور العجزة، ووزارة الشؤون الاجتماعية المشغولة بالخطط وملاحقة المتسولين، ومنح نساء ورجال المجتمع المخملي المتخمين بالمال والمنعمين من الحرب، رخصاً لإنشاء جمعيات خيرية، لم تيأس تماماً وقالت: (كلنا ننشر عن الثياب والأدوات والأشكال والألوان ونتفاعل مع بعضنا ونتمنى الخير لبعضنا، ولكننا عجزنا عن مساعدة هذه المخلوقة، ولم نستطع إيجاد مكان يأويها تحت سقف حتى يستر الله علينا دنيا وآخرة).

وتختم أمل: لقد حاولنا التواصل مع أكثر من دار رعاية، وجمعية خيرية وبطرق شتى لكي نجد حلاً لمشاكل المسنين الشبيهة بحالة “ندى” لكن دون فائدة، فمشرفو الدور يعتذرون لنقص التمويل لديهم، أو عدم وجود أمكنة، والجمعيات الخيرية ليس لها حلول لهكذا حالات.

الغارقون في الوجع والتشرد، باتت أماكنهم شبه معروفة، فقد وجدوا في الأبنية المشيدة حديثاً سكناً لائقاً لهم حتى لو كان ذلك من دون أبواب ونوافذ، فبيوتهم التي بنوها بعرقهم، وأفنوا فيها حياتهم؛ لم تتسع لأجسادهم بعد أن كبروا، وتحولت حيطانها وستائرها وكل مفرداتها إلى ذكريات باردة. لكن كل ذلك النعيم في تلك الأبنية ينتهي فجأة عندما يصل أصحابها.

حكومات التطوير والتحديث، ومحاربة الفساد، وإعادة الإعمار، الغارقات بأول قطرة ماء، ومن خلفها جهابذة حزب البعث وأبطال الفروع الأمنية، والمستنفرون لله في أكثر دول العالم الإسلامي تشييداً للمساجد، والتي (انتصرت على 83 دولة) لم تجد حلاً لمئات من مساكينها بحجة الحرب والنفقات وإعادة ما دمره الإرهاب؟. فمن خطف كرتونة ندى لكي يتدفأ عليها؟!.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *