أخبار

«أبو يوسف» يبحث عن مستقبل أطفاله دون عصا بيضاء

أحمد الحمصي

 

يقطع الستيني أبو يوسف يومياً مسافة كيلومتر ليصل إلى سوق القرية الواقعة في ريف مدينة عفرين لشراء مستلزمات المنزل اليومية، ويعود سيراً على الأقدام رغم صعوبة تضاريس المنطقة وبدون أدوات يستند عليها سوى كتف ابنه الصغير.

خمس سنوات مضت على فقده لبصره إلا أنها لم تثن عزيمته، وتجبره على الامتثال للأمر الواقع والانعزال في منزله ورغم عدم قدرته على العمل إلا أنه يخرج يومياً رفقة أحد أبناءه وأحياناً لوحده.

«طريقي بات مرسوماً في مخيلتي. أستيقظ باكراً وأبدأ نهاري بشرب الشاي. التي أتحسس حرارتها كي يكون بمقدري الإمساك بالفنجان، وسيراً أصل لدكان «أبو رودين» الذي اعتدت شراء الخبز من متجره، وحفظت أدراج محله وأبوابه بيدي. بعدما صارت يدي عيني التي أرى بها كل شي، إلى جانب حاسة الشم التي تميز الخبز الطازج»، يقول أبو يوسف. إذ عبر الطريق مرات كثيرة قبل فقدانه حاسة البصر، وبعدها واظب على المشي صباحاً ومساءً، حتى حفظ كل خطوة فيها، «هو الطريق نفسه أقطعه في اليوم أكثر من مرة إحداهما صباحاً والأخرى ظهراً،  فبكل خطوة على هذا الطريق وبعدد الخطوات أستطيع أن أعرف بأي دكان مررت، وبجانب أي بيت أقف».

أبو يوسف من ريف مدينة عفرين وأب لثلاثة أطفال يعاني من ظروف معيشية صعبة، كونه فقد القدرة على الرؤية منذ سنوات خمسة حيث ضعف نظره تدريجياً مع إصابته بمرض السكري، ليحتاج بعدها لزراعة قرنية غير أنه لم يستطع  ذلك بسبب ظروفه المعيشية، ومما ضاعف معاناته فقده القدرة على العمل وإعالة أسرته وسط غياب العون له ولأطفاله من قبل الأقرباء وحتى الجهات والمنظمات الإنسانية.

ويشير أبو يوسف إلى أنه راجع المجلس المحلي لمدينة عفرين طالبأ منهم المساعدة، غير أن محاولته لم تثمر سوى في «حصولي على سلة إغاثية لم تشكل إضافة أو سنداً كونها كانت لمرة واحدة، فيما وضعي بحاجة للإستمرارية وفي الحقيقة سئمت من الشكوى والإستجداء بين الحين والآخر، وتأقلمت مع معيشيتي الصعبة فلا خيار أخر أمامي سوى الإعتماد على نفسي وأبنائي».

ورغم ان أكبر الأبناء لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر، إلا أنه يعمل تاركاً مدرسته من أجل إعالة والده الضرير وتأمين إحتياجات المنزل، وعمل مؤخراً في ورشة للخياطة بأجر لا يتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية في الأسبوع الواحد (وهو رقم زهيد مقارنة باحتياجات العائلة)، في حين يعمل أخوه الأصغر أيضاً والبالغ من العمر 12 سنة، فيما تهتم الزوجة بالمنزل والأطفال.

يحاول الجيران تقديم المساعدة بين الحين والآخر، كنوع من التضامن الاجتماعي بين الجيران، إلا أن هذا «لايمكن أن يكون بشكل دائم».

المشكلة في الموضوع أن العلاج كان ممكناً، إذ أخبره الطبيب «قبل خمس سنوات حيث كنت أستطيع أن أرى بشكل محدود نهاراً فقط وبشكل بسيط جدا ليلاً، إلا أن حالتي ساءت مؤخراً، وفي ظل الأوضاع الراهنة بات الأمر أكثر صعوبة، ولم أعد أرى بالمطلق ليلاً واقتصرت رؤيتي بطرف عيني لبعض الأشياء، ولكن العلاج حالياً يحتاج للسفر خارج البلد لأتمكن من الرؤية مجدداً حيث أحتاج لعملية زرع قرنية بتقنيات عالية ومبلغ مالي مرتفع لا أملك القدرة على تأمينه».

أبو يوسف كان موظفاً حكومياً في ورشة الكهرباء في المدينة غير أن ضعف بصره، وعدم القدرة على أداء مهامه تسببا بفصله لاحقا دون أي تعويضات، وبعد سيطرة وحدات حماية الشعب على المدينة «عملت كعامل نظافة في شوارع المدينة رغم بصري الضعيف إلا أنّي كنت قادراً إلى حد ما على تدبر أمري، رغم أن المستحقات لم تكن تتجاوز الثلاثين ألف ليرة سورية إلا أنها كانت كفيلة باستمرار أبنائي على مقاعد الدراسة».

ورغم أن هذا المبلغ لم يعد يشكل فارقاً في حياة أي عائلة في عفرين، إلا أنه غير موجود «فوسطيا نحتاج لشراء الخبر بما يعادل 12 ألف ليرة شهرياً، ناهيك عن أسطوانة غاز بقيمة خمسة آلاف ليرة، وعليك أن تتخيل كم سيكفي ماتبقى لشراء الخضراوات واللحوم ومصاريف أطفال طيلة الشهر. إنني أعيش تحت خط الفقر فعليا فلا مرتبي السابق كان يكفي ولا ماينتجه طفلاي يكفي راهناً مع الغلاء المتزايد يوما بعد يوم».

إلا أن ما يعود به الأطفال يقي العوز، لكن مع هذا الدخل «لايمكنني تلقي العلاج لأعود للعمل، ويعود أطفالي إلى مدارسهم، فمن واجبي أن أقدم لهم العيش الكريم وأن ارسلهم ليكملوا تعليمهم، لا أن أكون عالة عليهم وسبباً في حرمانهم من طفولتهم وتعليمهم. هذا الأمر أشد ما يقلقني ويجعلني أشعر بالذنب حيالهم».

أما أكثر ما يضايق أبا بوسف فهو عمر ابنه البكر يوسف الذي يهدره خارج مقعد الدراسة، ولا يدري على ماذا يحزن «على بصري الذي فقدته، أم على ما فقده يوسف، وما ينتظر أخاه الأصغر ولا أمل لي إلا الله بعدما أغلقت في وجهي كل الأبواب».

 

 

التعليقات: 1

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *