أخبار

أم حسن باقية في القنيطرة تعطر ثياب ولديها وتحرس المقابر

سامر النجم أبو شبلي

لم تشعر السيدة الثمانينية بثقل سنوات عمرها سوى في العام 2015 عندما سمعت بخبر مقتل بكرها، حيث داهمها الوجع من كل صوب، ولم تعد تقوى على الحياة، ولا حتى بث الطمأنينة في البيت المليء بالرجال، فتوالت المصائب لاحقاً، حتى خلى المنزل العامر من أي أثر لهم، وبقيت تلك المقهورة ترعى ما تبقى من ذكريات، وتسقي ورود مقابر زوجها وولديها بدموعها.

وتبدو قصة أم حسن التي تقطن في ريف القنيطرة الأوسط مشابهة لقصص النساء اللواتي كن ضحايا الحرب في سورية دون أن يكون لواحدة منهن دور في تغذية الإرهاب وجلب الأجنبي ولا حتى إحداثيات الهاون الذي فتح الجحيم على الأبرياء، ولا كانت من هواة البحث عن تردد القنوات المعادية للوطن، فكل حياتها كانت تتمحور حول تزويج الأبناء الأربعة، والعناية بعامود البيت الذي أقعده المرض بعد عقود من الشقاء والتعب، وكانت نهايته عندما تلقى خبر مقتل ابنه الأكبر “حسن” على يد بعض الخلايا النائمة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في القنيطرة.

 حدث ذلك في آذار من العام ٢٠١٥، حيث تم زرع عبوة ناسفة على طرف الطريق بقصد استهداف عناصر للجيش الحر، فكان سوء الطالع مرور حسن عليه بنفس اللحظة، حين حدث التفجير.

لكن الشهور التي تلت لم تحمل السكينة لقلبها الدامي، فابنها الأوسط “ممدوح” قرر الهروب نحو ألمانيا بعد تهديدات وصلته من جهات مجهولة؛ على الرغم من توسلاتها ودموعها، لكنها في النهاية اقتنعت أنه سيكون بخير في المهجر، ولن يعدم الحيلة في الحديث معها، وسوف يجد من تشاركه حياته لبناء أسرة وأولاد قد يملؤون أركان بيتها في يوم ما.

لكن القدر تابع لعبته معها؛ فأخذ ابنها الصغير، ومصدر فرحها، فهو كل ما كانت تعول علي في كبرها، وهو الذي سوف يحافظ على بستانها وشجراتها التي تذكرها بزوجها؛ حيث قتل “أحمد” في لغم من مخلفات الحرب الطاحنة؛ حين كان يفلح أرضه لزراعتها، موقناً أنه يعيد الحياة لها بعد سنوات من الموت، فكان أن راح ضحية حفنة من القمح.

ولم يبق لأم حسن بعد هذه الكارثة سوى “محسن” الابن الأوسط الذي قرر بلا تردد ترك منزله في القنيطرة، واللجوء إلى دمشق والبحث عن عمل يحفظ له ما تبقى من روح، في حين رفضت والدته ترك منزلها والسكن معه على الرغم من إلحاحه عليها.

تقول أم حسن لموقع أنا إنسان: أموت هنا ولا أترك داري، من يترك دارو بيقل مقدارو، وفي إلي هون أيام حلوة مع ولادي، كيف بدي أترك حاكورة أحمد، ومين حيسقي شجراتو، مين راح يرتب أواعي حسن ويعطرهن، لا والله ما بطلع من هون غير للقبر.

سقط خلال الحرب السورية الطويلة ما يزيد عن 530 ألف ضحية على يد كل المتصارعين من نظام وروس وأتراك وإيرانيين وأمريكيين وإسرائيليين وداعش، وهناك عشرات آلاف المفقودين، وعشرات آلاف المسجونين الذين لا يعرف عنهم شيء. ومن ضمن هؤلاء الضحايا أكثر من 40 ألف امرأة، لكن أحداً لم يصل إلى أمثال أم حسن الكثيرات، ولا شاهد هذا الموت الجاثم على صدورهن، ولا اكتشف أن تلك الأمهات هن البوصلة لكل المشاعر الحية التي خمدت ولا شيء يحييها من جديد. 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *