أخبار

أم محمد، حين ينتصر الإنسان بالأمل

محمد حميدان – ادلب – خاص أنا إنسان

“خيم الظلام على أرضنا الحبيبة، وأرخى ليل الألم سدوله على قلوب الكثيرين، ولكنَ الإنسان بطبعه محبّ للحياة، ينبض قلبه بالأمل مهما قست عليه الظروف”.

بهذه الكلمات بدأت أم محمد التي شقت الطريق نحو العقد الخامس من عمرها حديثها لموقع “أنا إنسان”، حين التقيتها وطلبت إليها أن تحكي لنا قصّتها التي تبعث على الأمل في زمن الحرب.

تقول أم محمّد: “بدأت معاناة الكثيرين حين ردّ نظام الأسد على مطالب السوريين بقبضة من حديد وكتل من لهيب النار، فصارت المخيمات مأوى ومسكناَ للآلاف من الناس الذين فرّوا من جحيم الحرب التي دمّرت بيوتهم وقتلت أبنائهم.

بعضهم استكان واعتاد على نمط الحياة الجديد، ومنهم من رفض الاستكانة واستجمع قواه وقرر الانقلاب على ظروفه الصعبة”.

في هذه الأثناء قرّرت أم محمّد مزاولة المهنة التي تحبّ، والتي لطالما كانت عوناَ لها على مواجهة تحدّيات الحياة ومتطلباتها الكثيرة كي تضمن العيش الكريم لها ولأطفالها، فهي تعمل خياطة في المنزل منذ الصّغر حين علّمتها والدتها -التي اعتقلها النظام قبل ست سنوات- كيف تقصّ قطعة من قماش، وكيف تحيكها على آلة الخياطة اليدوية آنذاك.

حين تزوّجت كان زوجها سائق أجرة، كانت تعمل في منزلها لتساعده على تلبية احتياجات المنزل وتغطية مصاريف أولادهم، فصارت تقصدها نسوة الحي وذاع صيتها في القرية التي تسكنها، حتى أنّها عملت على تعليم الخياطة للفتيات اللّواتي يرغبن بالتعلم.

حين انتشرت حواجز النظام بكثرة في جميع مفاصل القرى والبلدات، لم يعد بمقدور زوجها العمل على سيارته خشية من الاعتقال، فابنهم الكبير منشق عن جيش النظام إذ أنه رفض أن يشارك المجرمين في إجرامهم، فقد زرعت والدته فيه الأخلاق العالية، حينذاك اكتفى زوجها بزراعة قطعة أرض يملكونها في قريتهم، وقبيل موعد الحصاد أحرقها النظام بنيران حقده، فضاع جنى الموسم.

تتنهد أم محمد مضيفة: “أحسست أنَ الحمل أصبح كبيرا عليّ، فزدت ساعات العمل على آلتي حتى أصبت بإنقراص فقرات الرقبة، لكنني تابعت العمل على الرّغم من ذلك”.

حين احتدمت المعارك في قريتها والمنطقة المحيطة لم يعد ممكناَ العيش هناك، حيث القصف بكل أنواع الأسلحة، نزحت أم محمّد مع عائلتها إلى المناطق الحدودية مع تركيا حيث أقاموا في أحد المخيمات، فيما بعد تلقوا هناك نبأ استهداف الطيران لمنزلهم وتدميره كليَاُ ليخسروا ما بنوه طيلة ثلاثين عاماَ.

تكمل أم محمّد: “لم أكن لأتخلّى عن آلة الخياطة فكانت أول شيء أصطحبه إلى مخيمات النزوح لأتابع رحلتي بإصرار، كيف لا ومهنتي هي المعيل الوحيد للعائلة في الوقت الحالي، كما كانت السّلوى الذي من خلاله شاركت جميع من حولي همومهم”.

عملت بجد لتسدّ احتياجات أسرتها، وكانت ترأف بمن حولها لما يقاسون من غلاء المعيشة وقلة الموارد، فلم تعد غايتها كسب الربح الوفير، بل راحت تقاسم من يأتيها همومه إذ أنّ غالبيتهم من الأيتام والأرامل.

إضافة إلى ذلك، عملت أم محمد على تدوير الألبسة المستعملة التي توزع على فقراء المخيمات ليستفيد منها من لا يملك القدرة على شراء الجديد بأثمان باهظة، واستطاعت تحويل أنواع من الأغطية والبطانيات التي توزعها الجمعيّات والمنظّمات إلى ملابس جميلة تقي المحتاجين برد الشتاء.

تبتسم أم محمد وتقول: “تعاملت مع جيراني وزبائني بروح الأخوة فكان همّهم همّي، كما أننّي بعملي هذا كفيت نفسي وعائلتي مذلّة السؤال وأمّنت كثيراً من احتياجاتنا الضّروريّة”.

على الرّغم من شعورها بالتعب والإرهاق في بعض الأحيان، تجدّد أم محمّد عزمها وإصرارها على متابعة عملها الذي يمنحها شعوراً بالقوة ولذة الانتصار بالأمل على اليأس، وتختم: “أنا إنسان، والإنسان يحيى بالأمل”.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *