أخبار

أنا … لازلت معتقلاً

رامي هناوي 1أنا لم اشاهد الشمس منذ ثلاث سنوات، هنا تضيق الحياة ساعة بعد ساعة. الجلادون بسلاسلهم المعدنية، وجسدي النحيل الغارق في العتم يحاول أن يقضم الألم مع كل شهيق.

لا تستغرب أيها القارئ فأنا لم أتكلم سوى عن ظلال الألم. أنت الآن تقرأ كلماتي في الوقت الذي أشعر فيه برغبة عارمة بالصراخ … برغبة أن أنفجر حتى تنفتح جدران هذه الزنزانة للشمس.

عزيزي القارئ هل تستطيع أن تتنفس إذا قطع عنك التيار الكهربائي لساعات طويلة، ستشعر بالضيق والتعب وستبحث عن بدائل مناسبة، فيما انا طوال ثلاث سنوات نسيت نور الشمس وبات مجرد حلم في ذاكرتي. أحيانا أحاول أن أتخيل أنني أسير في الشارع كإنسان طبيعي، أن أجيب على سماعة الهاتف وأن أسمع صوت من أحب.

طوال أشهر كانت المساحة المخصصة لي في الزنزانة التي تم اعتقالي فيها “نصف متر فقط” … أنام فيه وأستقيظ وآكل وأشرب لدرجة بتّ غير قادر على تحريك قدمي. أكثر من 100 شخص في زنزانة لا تتسع لعشرين شخصاً.

حاولت جاهد ألا ترى أمي صورتي بين صور الجثث المسرّبة تحت التعذيب. كانوا إلى جانبي، كأشقاء في زنزانة واحدة، ثم ماتوا من فرط الحياة، ولم يعودوا سوى صور للكارثة، أو شاخصات ورقية لإثارة دهشة المارّة والرواد المعارض.

شاهدتهم وهم يموتون، واحداً تلو الآخر، أصدقائي الذين شاركوني الزنزانة، يموتون واقفين حتى يسقط الألم في مستنقع العتمة والخوف. شاهدتهم وهم يذبلون ويفقدون ضوء الحياة عن جباههم حيث يكتب الجلادون أرقام القتلى. لا أريد لأمي أن تشاهد جثتي بين باقي الجثث، أريد أن أعود إليها وأقبل وجهها ويديها لعلها تسامحني على الألم الذي تركته لها خارج الزنزانة.

أعود لامي مرة اخرى … المرأة التي لم تغادر الذاكرة. من قلبي أغبطك أيها القارئ، فحين ستقرأ كلماتي سترفع سماعة هاتفك وتقول لأمك الكلام نفسه الذي لا أستطيع أن أقوله.

سأطلب منك عزيزي القارئ طلبا واحداً …  حين تقرأ كلماتي انقل لها شوقي وقل لها انني اشتقت لها وأنني لا أزال حياً أرزق … وأنني أبتسم حين تمرّ صورتها.

أتمنى أن أعود للسير في شوراع دمشق كما كنت سابقاً، أن أشم ياسمينها بدلا من عفونة القبو التي باتت شريكة أنفاسي. أشتاق أن أعود إنساناً من جديد.

انت الان تتساءل عن سبب وجودي في هذا المكان المظلم … باختصار تم اعتقالي من قبل في وطني سورية من قبل الاجهزة الامنية لانني كنت اقوم بمساعدة المدنيين واقدم لهم الطعام والشراب والادوية نتيجة القصف والدمار الذي تعرضوا له، كنت اسعف الاطفال والجرحى وفي بعض الاحيان احاول ان ازرع الابتسامة على وجوه اطفال فقدوا ابائهم نتيجة القتل والقصف.

ما قمت به يعتبر جريمة في وطني يتم الاعتقال على اثرها ويتعرض خلال هذا الاعتقال لانواع تعذيب مات خلالها آلاف المعتقليين السوريين منهم نساء واطفال وتم عرض صورهم في كل انحاء هذا العالم … ولم يحرك هذا العالم اي ساكن … بل شاهد صور الجثث وصمت.

اعود واطلب منك مجددا ذات الطلب عزيزي القارئ … وصل سلامي الى امي … قل لها أنني مازلت حي … مازال قلبي ينبضرامي هناوي

عزيزي القارئ … نسيت ان اعرفك على تفسي … انا السجين السياسي السوري … رامي هناوي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *