أخبار

الدفاع المدني النسائي ..كسر قيود المجتمع

سونيا العلي – إدلب – خاص أنا إنسان

“تعرضت لمخاطر كثيرة بسبب إرادتي القوية ورغبتي في مساعدة الآخرين، لكن إيماني بالعمل الإنساني يمنحني الشجاعة لمواجهة تلك المخاطر “بهذه الكلمات تعبر جمانة عن سعادتها بعملها وإيمانها به . حيث تتوجه جمانة كل يوم إلى عملها بلباس الدفاع المدني السوري ووجه تعلوه أمارات التفاؤل والرضا، رغم أنها لم تكن تتخيل نفسها في هذا القطاع، ولكن الرغبة في إنقاذ الأرواح دفعها إلى ذلك بحسب تعبيرها .
جمانة من معرّة النعمان، تتحدث لأنا إنسان عن هذه التجربة بقولها: “واجهتُ في البداية صعوباتٍ كثيرة، أولها الخوف والتأثر بالمشاهد المأساوية التي نعايشها، ولكنني تحلّيتُ بالشجاعة والصبر والإصرار، وأدركت بأنه الواقع الذي نعيشه وعلي أن أتعامل معه، فتمكّنت من التكيُّف مع ظروف العمل وتخلّيتُ عن خوفي لأداءٍ مهامٍ نبيلة وسامية.
كما تؤكد بأنها واجهت صعوبة أخرى في تقبُّل المجتمع لفكرة عمل النساء في الدفاع المدني، إذ بدت للبعض فكرةً غريبةً لأن هذه المهمة يُعتقَد أنهُا مخصَّصة فقط للرجال، وتحتاج للشجاعة والقوة التي يتصف بها الرجال .
تُضيف جمانة: “كثر شككوا بقدراتنا على تحمُّل صعوبة العمل، ولكننا أثبتنا كفاءتنا في مواقفٍ كثيرةٍ، وفي أصعب الظروف حتى باتت عائلاتٌ كثيرة اليوم تشجّع بناتها على الانضمام إلى الدفاع المدني.”
من المواقف المؤثّرة التي تتذكّرها جمانة والتي لا يمكن أن تفارق ذاكرتها، حادثة أم براء من قرية تلمنس بريف إدلب، حين نجت من الموت بعد غارةٍ جوية استهدفت منزلهم في القرية، لتجد نفسها بين الغبار الممزوج برائحة البارود والدم، فتخدّرت قدماها العالقتَان تحت الأنقاض من شدة الألم، وحينها تمكّنت المنقذات في الدفاع المدني من القيام برفع الركام عن قدميها وإسعافها إلى إحدى المشافي الميدانية .
تقول جمانة: “لا يمكنني أن أنسى دموع الألم والحزن في عينَي الأم، وهي لا تبالي بنفسها بل تسأل عن مصير أبنائها الذين فارقوا الحياة، وكنا نتهرب من إجابتها ونحاولُ قول عباراتٍ لنصبّرها وندعوها للتحمُّل .”
تأسست مراكز الدفاع المدني النسائية في المناطق المحررة بهدف إشراك المرأة في المنظومات الإسعافية، وتفعيل دورها في المؤسسات المدنية، حيث يجمع عناصر الدفاع المدني من رجال ونساء هدفٌ واحدٌ، وهو مساعدة الناس ومحاولة رفع أعباء الحالات الإنسانية الصعبة التي يعيشها الأهالي، لذلك أصبح للدفاع المدني السوري مراكز خاصة بالنساء لتوسيع خدماتهم لتشمل كافة فئات المجتمع .
مدير الدفاع المدني في محافظة إدلب مصطفى الحاج يوسف يتحدّث عن أسباب افتتاح المراكز النسائية بقوله: “إيماناً من مؤسسة الدفاع المدني بالعمل الجماعي، وخاصة في الظروف الصعبة التي نعيشُها والتي تتطلّب مشاركة الجميع في عمليات الإنقاذ والإسعاف بعد كل عملية قصف، لذا كان لا بدَّ من مشاركة المرأة في مجال الدفاع المدني، فهي تندفع بعاطفتها لتمد يدَّ العون والمساعدة لغيرها، إضافةً إلى وجود حالاتٍ نسائية حرجة أثناء القصف تتطلب وجود المنقذات .”
وبحسب الحاج يوسف تم افتتاح ١٤ مركزاً في إدلب وريفها، يضمُّ كلٌّ منها 8 متطوعات من ذوات الخبرة والشهادة العلمية في التمريض، يتم اختيارهن بناء على الكفاءة من خلال إخضاعهن لمسابقة .
ويُضيف الحاج يوسف: “تخضعُ النساء المسعفات لدوراتٍ من أجل تطويرِ قدراتهن في التعامل مع الحالات الصعبة وتقديم الإسعاف الطبي في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى تدريبهن على عمليات البحث والإنقاذ وطرق العمل في ظروف الحرب وكيفية نقل المصابات فضلاً عن تعليمهن كيفية التعامل مع الحرائق وإطفائها بكافة أنواعها.”
باسمة النعسان من قرية تلمنس في ريف إدلب انتسبت إلى الدفاع المدني لتساعد الناس وتخفّف من آلامهم، تتحدّث عن عملها قائلةً: “نقوم بحملات التوعية والتثقيف الصحي ونساعد في حملات اللقاح، ولا شيء يُفرحُنا أكثر من سماع زفرةٍ تتحدّى الموت، غير مُبالين بالموت الذي قد يتربّص بنا أيضاً…”
وتضيف النعسان: “فنحنُ أولُّ مَن يهرعُ إلى مكان القصف لإزالة الأنقاض والبحث عن ناجين، وقد يتم استهداف ذات المكان بغارةٍ ثانية، ممّا يعرّض حياتنا للخطر، لكنّ الصعوبات والأخطار لن تعيقنا عن مزاولة عملنا الإنساني… فنحنُ مستمرّون.”
وتلفت النعسان إلى أنّ المراكز النسائية تقدّم أيضاً الخدمات الصحية والإسعافات الضرورية للنساء والأطفال كمداواة الجروح والحروق، والكشف عن أمراض سوء التغذية، ومعالجة مرض اللشمانيا الجلدية الذي ينتشرُ بكثرةٍ بين الأهالي في الصيف، إضاقة إلى تقديم خدمات الصحة الإنجابية ومراقبة حالات النساء المصابات بأمراض الضغط والسكري، فضلاً عن توعية السكان والنازحين وطلاب المدارس بالأخطار التي تهدد حياتهم وسلامتهم كخطر الحرائق في المطابخ والمخيمات، وخطر مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة، فضلاً عن طرق الإنذار المبكر وتنبيه المدنيين من خطر الضربات الجوية وأساليب السلامة العامة .
محمود البرق عضو المجلس المحلي في معرة النعمان يقول: “لا يقل دور المرأة البطولي عن دور الرجل خلال سنوات الحرب، حيثُ تعمل النساء بشجاعة لإنقاذ الأرواح تحت النار، وتتحدينَ القصف والدمار”.
ويضيف البرق: “إنَّ قوة الإرادة لنساء الدفاع المدني، تشكِّلُ دافعاً للنساء الأخريات للانضمام إلى هذا العمل المحفوف بالمخاطر… فهنَّ يقارعنَ الموت وجهاً لوجه ويسهرنَ على راحة المدنيين الأبرياء، دون أن يقل عملهن أهمية عن عمل الرجال .”
أصيبَتْ أم كمال من معرة النعمان بجروحٍ وحروقٍ نتيجة انفجار موقد الكاز في منزلها، فتمكنت نساء الدفاع المدني من مداواة حروقها والإشراف على حالتها حتى تماثلت للشفاء.
تتحدث أم كمال عن تجربتها مع نساء الدفاع المدني، بالقول: “إنَّ وجود النساء المنقذات في مجتمعنا المحافظ غاية في الأهمية، نظراً لإمكانية قيامهن بمداواة النساء المصابات، وسهولة زيارة البيوت والمدارس لتقديم المساعدات الطبية والنفسية والتوعية الصحية.”
وتشكر أم كمال نساء الدفاع المدني فتقول: “تغيرت نظرة المجتمع للمرأة وباتت أكثر إيجابية، بعد أن أثبتت أنها قادرة على تحمل أعباء ومشقات الحرب، فكانت المنقذة والمسعفة لتخفيف معاناة وآلام المدنيين في ظل ما يتعرضون له من قصف ومخاطر.”
لم تستسلم المرأة السورية لليأس خلال سنوات الحرب، بل وقفت إلى جانب الرجل في مواقف البطولة لتقوم بالواجبات ذاتها، وتخلت عن الخوف، وتحدت نظرة بعض أطياف المجتمع، وخاطرت بحياتها لإنقاذ غيرها، لتسطّر بذلك نتيجة واحدة، المرأة السورية قادرة على العطاء في أصعب الظروف  .

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *