أخبار

المجتمع المدني السوري …

غيداء العودات – خاص أنا إنسان 

تم التعارف على أن المجتمع المدني مجموعة من المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تعمل باستقلال تام أو نسبي عن سلطة الدولة وعن سلطة القطاع الخاص الربحي، وقد تتبع لقـوى وأحـزاب سياسية، أو تكون منظمات أهلية منها جمعيات خيرية، هيئات تطوعية، مراكز ومنتديات بحثية تبحث في الأسباب الجذرية للمشاكل المجتمعية كالفقر والتهميش والطائفية أثناء قيام الصراعات وفي السلم، جمعيات ونقابات، منظمات نسوية، ومنها منظمات شعبية أو تنموية، أو مراكز ومؤسسات إعلام، أو منظمات حقوقية ومنظمات حقوق إنسان، منظمات رعاية صحية، ويتسع نطاق عملها ويتعدد بحيث لا يمكن حصره.

ادّعى الليبراليون الجدد أنه من الضروري تقوية دور المجتمع المدني مقابل تقليص دور الدولة للحد الأدنى وربطوا مفهوم المجتمع المدني بضرورة العمل لنشر الديمقراطية للتخلص من التسلط وتوسيع نطاق التنمية، واتبعوا هذا الأسلوب في الوضع السوري، فمع بداية القمع والقتل والحصار نشأت منظمات المجتمع المدني المستقلة عن الدولة لتقوم بمهـام هي من صلب مسؤوليات الدولة، وانقسمت أعمالها بين نشاطات خيرية إغاثية وبين نشاطات مشبوهة اتخذت من منظمات المجتمع المدني ستاراً لأعمال سياسية ولجهات مختلفة عبر استبيانات تسبر آراء المجتمع والوضع العسكري للدولة وللكتائب والجهات المسلحة، وعبر تمويل جهات مسلحة للسيطرة على جزء من الأرض السورية يكون تحت سيطرة الجهة الممولة أثناء الصراع، وهكذا أصبح الوضع السوري ذريعة للتدخل في شؤون الحراك واستثماره لمصالح سياسية منها السوري ومنها غير السوري، وتحولت منظمات المجتمع المدني في غالبها لسوق ربحي مالي أو مصلحي، ونشأ المجتمع المدني عليل بحيث لا يمكن له أن يكون داعماً حقيقياً لاحتياجات المجتمع الآنية، ولا صالحاً ليكون له دور سليم وفاعل في مرحلة البناء والتكوين والمشاركة في التنمية والعملية السياسية.

نتيجة لجهل السوريون بماهية المجتمع المدني ومهامه، وكون خبرتهم ضعيفة جداً لم تتعدى معرفة عمل منظمات المجتمع المدني بتجارب بسيطة تحت سلطة الدولة وسطوتها، فقد تم العبث بالمفهوم ليخدم أصحاب الشأن المهتمين باستخدام المجتمع المدني ذريعة للوصول لأهدافهم عبره، وتم تصدير مفهوم يناسبهم وفق آليات عمل وأنظمة لتلك المنظمات جعلتها أشبه بقطاع خاص الملكية يتمحور عمله حول خدمة أصحاب رأس المال معتبراً موظفيه مأمورين لا شركاء، يقوم باستغلال جهدهم واستثماره لصالح صاحب المال والادارة. وفاسد العمل والأنظمة كما في القطاع العام في الدول الغير ديمقراطية، فساد بالإدارة والمال العام وقائم على المحسوبيات والكذب والالتفاف حول القوانين والأنظمة لخدمات تقدم لذوي الشأن ودوائرهم. وفق هذه الآليات تحول المجتمع المدني لأداة تخدم أصحابها ومستغليها من مديري شؤونها ومموليها، وأغفلت كلياً أنها أساساً كفكرة وممارسة منوط بها أعمال ومهمات تخدم الجماهير وتفعّل مشاركتها على ثلاث نطاقات،  المشاركة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية، وهذه المهمات ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً وتتأثر ببعضها وتتداخل بشكل كبير ولا يمكن فصلها.

فالمشاركة الاجتماعية تساهم في تحقيق قدر من التضامن والتكافل بين أعضاء المجتمع لتوفير الخدمات المحلية الهامة التي يحتاجها عبر جهود اجتماعية تطوعية كبناء المدارس والمستشفيات بالمساهمة بالمال أو الأرض أو العمل التطوعي، كما منوط بها حل المشكلات والخلافات التي قد تنشأ بين الجماعات في المجتمع .

أما المشاركة الاقتصادية فهي مشاركة الجماهير في مشاريع التنمية الاقتصادية والتخطيط لها وتمويلها وتنفيذها، ودعم الاقتصاد القومي عبر دفع الضرائب والرسوم.

أما المشاركة السياسية فهي ما يقوم به المواطنون للتأثير في عملية اختيار الحكام وممثليهم في القيادة والتأثير في قراراتهم وسياساتهم وإسهامهم في وضع أهداف عامة للمجتمع والوسائل الأفضل لتحقيقها .

ومن أهم مهمات منظمات المجتمع المدني المساهمة في التخلص من براثن نظام الحكم المتسلط الذي يعيق التنمية ويسبب الفقر والتخلف، وإنجاز التحول الديمقراطي عبر تحفيز المجتمع المدني على المشاركة السياسية ورفع مستوى فاعلية المواطنين فيها لاختيار قادة سياسيين جدد تقوم بتدريبهم لمقاومة سيطرة النظام والتخلص منه، ويكون هذا العمل في مقابل ممارسات السلطة لحرمان الشعب من وظائفه وحقوقه واحتكارها لنفسها، وتجريد الشعب من حقوقه الإنسانية ومنها المشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن آراءه بشكل مستقل، إذاً يقع على عاتق المجتمع المدني إيجاد مساحات مشتركة تحقق تماسك وتكامل بين المجتمع المدني ، وتأهيل المواطن ليكون حاملاً للمشروع الديمقراطي وداعماً للانتقال الديمقراطي، وعليه فإن العمل على تنمية المجتمع على كل الأصعدة الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية

وتعزيز أهمية المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، ووضع الأنظمة الداخلية للمؤسسات والمنظمات على أسس ديمقراطية تكون مثلاً أمام المواطن يحتذي به للسعي نحو وضع أنظمة لمؤسسات الدولة وقطاعها العام والخاص معتمداً تلك الأسس مهمة ملقاة على المجتمع المدني عليه السعي له.

إن أهم ما يميز العمل المدني أنه غير حكومي وغير ربحي، مستقل عن الحكومات، فالأولى به إذاً الاستقلال عن سطوة الممولين مهما كانت الجهات التابعين لها، إن كان التمويل من حكومات أم منظمات دولية أو عالمية، أو أفراد، وعليه أن يخضع لاعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية  تعبر عن اهتمامات وقيم أعضائها، وتكتسب شرعيتها من شفافيتها.

بكل أسف لقد نشأ المجتمع المدني السوري نشأة مريضة قامت بتخريب المفهوم قبل البدء بتنفيذه وبناء مجتمع مدني سوري، وسيحتاج المجتمع المدني السوري سنوات من الإصلاح قبل التمكن من البدء ببناء مجتمع مدني وفق قيم وأخلاق وأهداف يكون محورها خدمة المواطن السوري وتطوير مجتمعه وتنميته وإحلال الديمقراطية والعدالة في وطنه.

 

 

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *