أخبار

المختارة جواهر تحارب «السرطان» وحدها!

 

 

مزنة الزهوري

 

في زيارة مع الأصدقاء لمخيم 019 في سهل سعدنايل بالبقاع الأوسط، التقيت السيدة جواهر عساف، ذات الأربعين عاماً. استقبلتنا بكلّ تواضع، همّة عالية، وعيون تبرق ثقة وعزيمة.

دخلنا بيتها وبينما نسأل عن شاويش المخيم، ابتسمت وقالت “وصلتوا”، أجبناها باستغراب وفرح “أنتِ المسؤولة عن المخيم”!، نعم.

تبعناها بسرور إلى خيمتها، وهي تردد “إي أنا، شوي تانية رح يصيروا كل شاويشية المخيمات من النساء. نحن قادرين نعمل كل شي. وما بينقصنا شي لحتى ندير المخيمات”.

تعيش السيدة جواهر مع أطفالها الأربعة، أكبرهم 13 سنة، وأصغرهم 8 سنوات، بالإضافة للطفل محمد الذي تبنّته منذ سنة، بعد أن رماه أهله وتخلوا عنه فَورَ ولادته، مع ضُرَّتها الأم لطفلين، لأن الزوج فُقِدَ في سورية في آذار 2013 عند لحاقه بأسرته إلى لبنان.

تستقبل جواهر في خيمتها كل أهل المخيم، للإصغاء إلى مشاكلهم، وتسعى جاهدة لحلّها، والتواصل مع الجهات المعنية سواء من المنظمات أو مفوضيّة اللاجئين أو الجهات الرسمية، كما تستقبل هذه الوفود عندما يأتون للاطلاع على وضع المخيم ومناقشة احتياجاته..

أتت جواهر من سورية قبل سبع سنوات. أقامت سنتين في مخيم ببلدة العمرية المجاورة. وذات يوم شبّ حريق بمخيم مجاور لهم، فـاتصلت بالدفاع المدني لإطفاء الحريق، وبالإسعاف لإنقاذ المصابين، ثمّ بالمنظمات المعنية ليقوموا بترميم المخيم وإصلاح أضراره، ومنذ ذلك الوقت بدأت عملها الميداني والتطوعي بين أقرانها اللاجئين.

سمعت المنظمات والمفوضية والبلدية الكثير من المبادرات التي قامت بها جواهر لمساعدة مخيمها واللاجئين من حولها، فعرضوا عليها العمل التطوعي بعدّة لجان محلية، خاصة وأنّهم وجدوها تملك الخبرة، وأكثر الأفراد المتعلمين في مخيمها، فهي حاصلة على الصف التاسع (الثالث الإعدادي).

حين انتقلت للعيش في مخيم 019، كانت آخر من سكن فيه، إلا أن أهل أهل المخيم لمسوا كفاءتها وقدرتها على حلّ مشاكلهم والتواصل مع المعنيين بكلّ منظمة، فطلبوا منها أن تتولى أمور المخيم وتكون المسؤولة عنه.

تعتبر جواهر حالة نادرة وفريدة في مجتمع اللاجئين، فالكثير من وقائع الحرب واللجوء لعبت في تغيير الأدوار الجندرية المعتادة بين السوريين، وأجبرت المجتمع على قبول المرأة في مختلف مجالات الحياة.

بقيت جواهر متطوعة لسنوات مع المفوضية وعدّة منظمات دولية شريكة لها بالمجان، وعندما أصيبت بمرض السرطان، أعفوها من العمل معهم، وتخلوا عن خدماتها، ولم يتطلعوا لمساعدتها في علاجها أو صرف مكافأة تعينها.

 

مرض جواهر

اكتشفت مرض السرطان في عنقها قبل عشرة أشهر من الآن. بدأ على هيئة كتلة في الرقبة مع ألم متزايد، اعتقدت أنّ هذه الأعراض مرضاً في القلب. بعد ذلك أجرت الفحوصات اللازمة التي طلبها الطبيب، وتبين اصابتها بسرطان في العنق.

خضعت جواهر لخمسة عمليات جراحية، استدانت تكلفتها التي تجاوزت ال 7000$ من معارفها وأقربائها، باستثناء العملية الأخيرة التي تكفّلتها أطباء بلا حدود بمبلغ 950$.

ولكن للأسف، لم تُشفَ جواهر من السرطان الخبيث، الذي امتدّ ليصل إلى ثديها مؤخراً.

تحتاج جواهر صورة شعاعية وجرعة كيماوية، تكلفتها تسعمئة دولارا، هذه الجرعة كان من المُقرّر أن تأخذها بمنتصف أيار الجاري، ولكن الديون التي تراكمت عليها نتيجة الجرعات والعمليات السابقة، دون أن تتمكن من تأمين مبلغ إضافي لهذه الجرعة. أخبرها طبيبها أنّ آخر مهلة لذلك في 21 أيار، أيضا المهلة الثانية انتهت ولم تتمكن من تنفيذ تعليمات الطبيب. ما يجعلها بخطر استئصال ثديها والوقوف أمام المرض عاجزة.

 

رغم معاناتها تواصل واجباتها

إلا ان كل ما أصابها لم يثنها عن أداء واجباتها في مخيم فيه 53 خيمة، وأغلبية القاطنين فيه من حلب وادلب. وفي بعض الخيم يعيش ثلاثة عوائل يعيشون بخيمة واحدة.

بُنيَ المخيم منذ 2012، وهي آخر من أتى إليه في عام 2015.

بالرغم من مرضها ومعاناتها ومسؤولية أطفالها تُحدِثنا جواهر عن أبرز مشاكل المخيم. المياه مثل بقية المخيمات غير صاحة للشرب، وهم من يشتري المياه للشرب، أحياناً تتمّ مساعدتهم في ذلك من بعض المنظمات، فيما يدفع أهالي المخيم بالسنة 800 الف ل.ل عن كلّ خيمة لصاحب الأرض، ويدفعون شهرياً 5 آلاف ل.ل للبلدية بدل نظافة، إضافة لأجار الكهرباء والذي يصل إلى 100 الف ل.ل ، يضاعفها صاحب المولد الكهربائي حسب رغبته.

ومثل بقية مخيمات لبنان، معظم الرجال هنا لا يتمكنون من تجديد إقامتهم مما يقيّد حركتهم ويمنعهم من الخروج من المخيم. هذا الوضع دفع بالسيدات ليكنّ المسؤولات بشكل رئيسي عن إعالة أسرهن، يعملن في الحقول بيومية قدرها 11000ل.ل، ولكن الشاويش الذي يأخذهم الى الحقل يقطع نصف ما يجنونه يومياً، أي حوالي 4$ لجيبه الخاص، يستغلهن دون أن يستطعن الرفض، لأنّ العمل يأتي عن طريقه.

أما عن التعليم فلا يوجد من يذهب من مخيم جواهر إلى المدرسة، بسبب عدم قدرة المدارس الرسمية على الاستيعاب، ومن المستحيل أن يحلموا بالمدارس الخاصة.

وتضيف جواهر إنّ مشكلتي الزواج والطلاق المبكر تطغيان على الجو الاجتماعي وتهددان تماسكه، وذكرت مثالا عن طفلة عمرها13 سنة، مطلقة ولديها طفل، عادت لخيمة أهلها في المخيم!.

كذلك تخبرنا عن الأمر الأكثر تعقيداً والذي يهدد وجودهم، وهو مداهمات الجيش وقوى الامن، وتهديم الخيم مؤخراً بحجة خوف الحكومة اللبنانية من الاستيطان للاجئين السوريين.

وهنا تؤكد جواهر وأهل المخيم على أنّهم يستطيعون العيش بخيمة في بلادهم كما هنا، ولكنّ كما يرى العالم يومياً القصف بشتى أنواع الأسلحة لايزال يستهدف المدنيين ليل نهار، وهذا ما يمنعهم من العودة إلى سورية.

 

طفل احتضنته جواهر!

عندما كانت جواهر متطوعة مع قسم الحماية السنة الفائتة، أخبرتها إحدى السيدات أنّ هناكَ طفلاً عمره خمسة أيام، يريد أهله رميه، وقد تركوه في مشفى حامد فرحات بكامد اللوز.

الدكتور طلب الأهل في المشفى ليعطيهم ابنهم، فرفضوا الطفل. ثمّ ذهب أبوه إلى المحكمة، ووقّع بتخليه عن ابنه. لأنه يريد السفر لإكمال تعليمه في ألمانيا، والأوراق التي قدمها للمنحة تفيد بأنه خاطب وليس متزوج، بحسب ما أخبرتنا جواهر.

ذهبت جواهر إلى المحكمة واستلمت الطفل بعد أن أوفى القاضي لها بحريّة التصرف به، سواء توصيله لدار أيتام أو تربيته.

بعد ذلك أخذت “محمد عساف” الاسم الذي سمته للطفل المولود من أبّ لبناني وأمّ سورية. ثمّ أضافته على ورقة تسجيلها لدى المفوضية، وجربت أن تٌطمئن أهله عليه، لكنّهم رفضوه ولم يردوا عليها.

تروي جواهر أنّ محمد، أصبح فرداً من العائلة ولن تتخلَّ عنه مهما ألمّ بها، تحتضنه كأطفالها وتغمره بذات الحنان والمحبة.

تسعى كي لا ينقصهم شيء، ولكنّ الطبيب منعها من العمل في الألبسة المستعملة التي كانت تبيعها، لتصرف على عائلتها، لأنّ الروائح تؤثر على جرحها وشفائها بعد إصابتها بالسرطان.

وبالرغم من كلّ ما يواجهها من مشقة في الحياة والمرض، إلاّ أنّها لازالت تؤثر على نفسها، وتسعى لأن يكون وضع المخيم وأهله بأفضل حال، مستمرة في جهودها لحلّ مشاكله وتنظيم أموره.

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *