أخبار

المرأة السورية تواجه عاصفة الحاجة والحرب بإرادة منتجة وعزيمة فاعلة

رشا الصالح

  بالرغم من  نعومة ضفائر غنائمها من فرح وقوت شحيح سنينا، واتساع ديار قلبها حنانا  وخوفا واستعارهما بلهيب مرارة الحرب أعواما، بكاء تارة على أولاد استشهدوا بقنابل و مدافع  و تارة على زوج شتته رياح الغربة والتهجير، وبالرغم من قسوة المشهد ومرارة العيش ولقمة الحصول عليه، لم تتوانى المرأة السورية يوما أن تسقط أمام شدة العاصفة التي حلت ببيتها والبلاد ، آبية الا أن تكون أما وأختا ومعيلة ومنتجة مجتازة كل الحسابات والاعتبارات وطرق الاستغلال والبشاعة التي كانت تعترض طريقها، ملوحة للنجاة بوسائل حكيمة جاعلة من اللاشيء شيئا إنقاذا لنفسها وبيتها وأبنائها.

فعلى مر السنوات السبع المنصرمة عانت المرأة السورية كثيرا من الصعوبات ولعل أهمهما الصعوبات الاقتصادية لحصولها على دخل وتأمين فرص عمل ومتطلبات الحياة، إضافة إلى المعاناة الكبيرة التي اعترضت سبيلها في سوق العمل، وصعوبات اللجوء والنزوح.

فظروف الحرب دفعت الكثير من النساء لتحمل مسؤوليات جديدة في تأمين الدخل، حيث أصبحن المعيل الأساسي لكثير من الأسر السورية.

وبحسب تقرير “خطة الاستجابة الإقليمية للأمم المتحدة 2017-2018” وتقرير “التشتت القسري-المركز السوري لبحوث السياسات” أكدت الأرقام على اتساع معدل البطالة وتأثيرها على القوى العاملة لكلا الجنسين في مشاركتهم بسوق العمل، حيث بلغ معدل المشاركة لدى الذكور 72.2% عام 2010 بينما بلغ 12.9 % لدى الإناث فقط، و 14% للإناث عام 2014،

كما تراجعت فرص العمل في سورية، خلال الحرب لكلا الجنسين، بالمقابل فإن متوسط الأجور للنساء هو أقل مقارنةً بالرجال، حيث أن متوسط الأجر للمرأة عام 2015 هو أقل بنسبة 15% إلى بالنسبة للرجل.

وبشكل عام فإن مساهمة النساء والأطفال، تتركز في سوق العمل غير النظامية، في القطاع غير المنظم، حيث لا التزام بالحد الأدنى للأجر، ولا تأمينات اجتماعية، أو ضمان صحي، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن هذا القطاع (الغير منظم) شغّل في عام 2010 نسبةً قاربها البعض بـ 65% من المشتغلين في سورية.

كما ارتفعت مشاركة المرأة في بعض القطاعات، ففي القطاع الزراعي وعلى الرغم من تراجع الإنتاج ككل، ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في الإنتاج من نسبة 59% عام 2009 إلى 65% و90% في بعض المناطق عام 2015.

من جانب آخر، كان للنساء النصيب الاكبر من صعوبات النزوح واللجوء التي واجهت السوريين، إذ تشكل النساء57% من إجمالي النازحين في سورية، بينما يشكلن نسبة 48.5% من اللاجئين في دول الإقليم.

ومع التقارب في نسب النساء والرجال بين اللاجئين، إلّا أن النساء هنّ المعيل الأساسي لربع أو ثلث العائلات، حيث دفعت صعوبات الحصول على إقامة وتصريح عمل في بعض الدول وخاصةً لبنان المرأة للبحث عن مصدر للدخل، بحكم أنّ حركتها في مثل تلك الظروف ودرجة تعرضها للمساءلة القانونية أسهل من الرجل، وبالتالي فإن معظم الأعمال التي تقوم بها، هي إما أعمال غير قانونية أو أعمال منزلية مما يعرضها لمستوى أعلى من الاستغلال والحصول على أجر منخفض.

ومع استمرار هذه الظروف القاسية اتجهت كثيرات من النسوة إلى العمل في قطاعات الاقتصادية غير المنظمة، ومن أهمها الاعمال اليدوية والزراعة او البيع على البسطات او إلى اتخاذها مهن حرة آخرها أن تكون سائقة تكسي.

عمدت هيفاء وهي امرأة في الثلاثين من عمرها معيلة لثلاثة أطفال واحد منهم معاق بعد نزوحها من منطقة عربين وتدمير بيتها بسبب الأعمال الحربية، إلى بيع الخضار من سبانخ وملوخية ونعنع وباذنجان وبازلاء وفول على بسطة صغيرة في جرمانا، إضافة إلى تقشير الخضروات ووضعها في أكياس للمونة وإعادة توزيعها على المحلات القريبة بسعر الجملة، حيث يعمل إلى جانبها ابنها ذو العشر سنوات والذي يساعدها في البيع والتوزيع، يقوم بالنداء على الزبائن ويرش الماء على الخضرة حفاظا على بقائها طازجة.

وفي منزلها الذي استأجرته، كانت تصنع المكدوس وتبيعه لإحدى المحلات التي تعاقدت معها كل صيف، إضافة لمونة البامية ورب البندورة وغيرها من المنتجات.

لم تكتف منيرة ببيع الخضروات، بل جعلت سقف منزلها العربي كبيت بلاستيكي لزرع بعض الخضار وتنبيتها حيث حولت علب الخضار المصنوع من الفلين مكانا للزراعة) فتجني كل نوع من الخضار حسب موسمه وتعيد بالتعاون مع زوجها الذي يستخدم الدراجة الهوائية لبيعهم للبسطات ولو بسعر أقل من السوق.

وبعد الانتهاء يقوم ببيعها على أحد العربات التي تقف في مكان محدد كل يوم جمعة مشيرا إلى أنه يحقق إيرادا ودخلا من هذا العمل أكثر ممن لو كان لديه محل لبيع الخضروات رغم ملاحقة البلدية لهم.

من جهتها، استطاعت أم سمير من داريا وهي امراة في الستينيات لا معيل لها هي وابنتها، توفي زوجها بعد صراعه المرض سنوات وعدم قدرته على دفع تكاليف العلاج، من تحويل الغرفة التي تسكنها في أحد الأبنية على العظم في جرمانا إلى مطبخ صغير بعد اكساءه بشيء بسيط يقيهم الريح والبرد وتأمين المعدات الأولية اللازمة للطبخ.

تقوم أم سمير بتوزيع الوجبات على المطاعم، حيث تعاقدت مع أحد المطاعم الكبيرة لتقوم بالطهي في منزلها وبيعهم له بعد أن يؤمن لهم المواد الأولية، وفي النهار تساعدها سلمى ابنتها بتقطيع الخضار وتكيسهم بأكياس المونة بعد أن تشتريهم بكميات كبيرة وتعيد فرزهم بأكياس.

وكان للخبز نصيب ليكون مصدرا للرزق لدى أم حسام حيث بدأت تخبز وتعجن وتصنع أرغفة الخبز بمساعدة ابنها الذي يقوم العمل في أحد المحلات بتوصيل الطلبات بعد المدرسة.

تقول أم حسام “كنا نشتري الطحين بكمية قليلة، في البداية كان الطلب علي الخبز من الجيران وخاصة بفترة أزمة وصعوبة الحصول على الرغيف من الأفران، بعد ذلك راودتني الفكرة أن أعمل على الصناعة بكمية أكبر ليكون مصدرا للدخل لي لأتمكن من دفع أجرة منزلي وتأمين متطلبات دراسة ابني.

كما تعمل كل من سمية بأعمال الشك والحياكة، كما تساعد نساء الحارة على حد قولها في تأمين العمل بربطهم بشكل دائم مع صاحب المعمل.

 هذا الحال ليس فقط للنساء الذين ليس لهم مصدر دخل ثابت، إذ تلجا كثير من النسوة الموظفات إلى إيجاد حلول اقتصادية بعد وظيفتهم كالتدريس مثلا أو أخذ إجازة في العمل بالقرية بقطف مواسم الزيتون.

وتبقى كل المساعي التي تقوم بها المرأة السورية لتامين استمراريتها ووجودها والصمود في وجه المحنة والحرب سعي جبار يستحق التقدير والدعم المعنوي لهذه الأعمال والدعم المادي أيضا.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *