أخبار

جرة سحرية تنشر الدفء والحب معاً خلال سنوات الحصار في الغوطة الشرقية

 

أنس الشامي

“زوجي إنني أشعر بالبرد” هذه الكلمات وقعت في قلبي قبل أن تصل إلى أذني، كانت زوجتي في شهرها التاسع من الحمل، وكنّا نسكن في منزل لا تدخله الشمس، ومع انتهاء فصل الخريف وقدوم فصل الشتاء أصبح منزلنا أكثر برودة.

الشتاء في الغوطة الشرقية كان ضيفاً ثقيلاً، ففي الماضي كنّا نشعل مدفأة المازوت مع بدايات الخريف ونجتمع حولها ونجلس مع العائلة طوال فترة المساء، لكن بعد لحصار الذي شهدته المنطقة من قبل نظام الأسد على مدار سبع سنوات أصبحت المحروقات غالية الثمن، وحتى الحطب وجوه يندر، وسعره يرتفع.

جلست مطوّلاً على مواقع الانترنت أبحث عن أمور أستطيع من خلالها تدفئة الغرفة التي كانت تجلس فيها زوجتي، بأبسط التكاليف، فكان عزل الأرضية من أهمّ الأمور التي يجب عليّ عملها، والخطوة الثاني كانت الحصول على مصدر للطّاقة، جلست ساعات طويلة حتى حصلت على عدة مقاطع عبر مواقع تتحدث عن وسيلة للتدفئة عن طريق الشمع ووضعه داخل جرّة فخار، وبدورها تقوم بحبس الحرارة داخلها ومن ثمّ نشرها في الغرفة.

بدأت عملية البحث عن الجرة، فركبت دراجتي الهوائية وقمت بعدة جولات داخل مدن وبلدات الغوطة الشرقية لعدة ساعات حتى استطعت ان أحصل على جرة كانت متسخة جداً ومرمية في ركن أحد المحال، وبداخلها بعض الورود الاصطناعية.

انتقلت بعدها لتنفيذ المشروع الصغير ووضعت الشمع تحت الفخارة، وتركت مسافة بينها حتى يتم الاحتراق بشكل تام وقمت بفتح الفخارة من الأعلى بأكثر من ثقب حتى تخرج منه الحرارة، ثم بدأت الحرارة تنتشر في أنحاء الجرة ووضعتها بالقرب من زوجتي.

علامات السرور على وجهها، كانت كافية لتنسيني كلّ التعب الذي عانيته لأحصل على جرّة صغيرة، وأنفذ هذا المشروع، فعلى الرغم من بساطته إلا أنّه يعتبر إنجازاً في منطقة محاصرة لسنوات.

سألت زوجتي، هل تشعرين بالدفء؟ فأجابتني: إحساسك بي يكفيني لأشعر بدفئها، ربما هي حرارة اهتمامك !!

بعد فترة لاحظت تجمع الحرارة في قمة الجرة وخطر في بالي حينها أن أطوّر التصميم، فوضعت فيها مروحة صغيرة فوقها حتى ينتشر الهواء الساخن في أرجاء الغرفة.

هذه الطريقة التي صممتها لا تغني عن الحطب بشكل كامل، لكنّها تقي البرد القارص في الوقت الذي أصبح الحطب شبه مفقود في الغوطة.

تفاصيل بسيطة، مليئة بالحب، كانت كافية لتنسينا مرارة الحصار وقسوة القصف، وتجعلنا في قمّة الرضا والقناعة والراحة، ولولا أن تمّ تهجيرنا قسريّا، لصبرنا وتحملنا مقابل البقاء في أرضنا، وتبقى الذكريات، تشعل في قلبنا حنيناً لا ينطفئ.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *